الدور المجتمعي في تعزيز حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة

2024.05.17 | 05:50 دمشق

2222222222222254346
+A
حجم الخط
-A

تعتبر النزاعات المسلحة من أخطر التحديات التي تواجه الإنسان في العديد من دول العالم، ويعتبر النزاع المسلح في سوريا أحد أبرز هذه الحالات.

فالنزاع المستمر منذ عدة سنوات، تسبب في معاناة هائلة للشعب السوري، وأدى إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والتشريد والتعذيب والاعتقال التعسفي الذي مورس من قبل النظام السوري بشكل ممنهج ضارباً بعرض الحائط كافة القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.

حاول نظام الأسد خلال سنوات حكمه تغييب دور المجتمعِ مؤسساتٍ وأفرادٍ عن أي عملية سياسية أو اجتماعية، وأراد التفرد والاستئثار بإدارة شؤون البلاد حتى في أدق التفاصيل، فلم يعد هناك وجود لمنظمات المجتمع المدني في سوريا وسيطر حزب البعث على النقابات وانحصر دورها بمهام مختصرة وإدارية كوضع قوائم بالمنتسبين لها وتاريخ انضمامهم وتقاعدهم وما أشبه ذلك، ومنع النظام أي مبادرة مجتمعية أو شبابية من الظهور إلا إذا كانت تحت إشرافه وبشكل مباشر ووفق الخطة التي يعدها، لذلك كان هناك تحد كبير منذ بداية الثورة السورية للقيام بمبادرات مجتمعية وإنشاء منظمات مجتمع مدني دون أي خبرة سابقة.

رغم العثرات تمكن المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته ومنظمات المجتمع المدني من أن يلعب دوراً محورياً في تقديم الدعم اللازم للمتضررين والنازحين والمهجرين جراء النزاع المسلح.

يعتبر دور المجتمع في تعزيز حقوق الإنسان خلال النزاعات المسلحة أمراً بالغ الأهمية، حيث يمثل المجتمع النواة الأساسية للمقاومة في ظل الظروف القاسية التي تفرضها الحروب والنزاعات.

وفي سوريا بدأت هذه المبادرات منذ اللحظات الأولى لشروق شمس الثورة السورية فظهر منذ اللحظات الأولى على شاشات التلفزة ما يسمى بشهود العيان والناشطين الثوريين الذين حاولوا نقل الصورة للإعلام العالمي، كذلك ظهرت التنسيقيات التي حاولت تنظيم المظاهرات ضد نظام الأسد، والمشافي الميدانية التي حاولت تقديم العلاج إلى المصابين برصاص قوات الأسد، وإلى الآن تستمر المبادرات والتجمعات المجتمعية بالظهور والعمل في عدة مسارات ومستويات تنظيمية مختلفة بما يناسب كل مرحلة من المراحل التي مرت بها الثورة السورية.

فرغم العثرات تمكن المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته ومنظمات المجتمع المدني من أن يلعب دوراً محورياً في تقديم الدعم اللازم للمتضررين والنازحين والمهجرين من جراء النزاع المسلح.

وتجلى هذا الدور من خلال توفير المساعدات الغذائية والطبية والسكن المؤقت والدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين، وكذلك من خلال توفير فرص التعليم والتدريب للشباب والأطفال النازحين.

ومن أبرز ما قامت به المبادرات المجتمعية لتعزيز حقوق الإنسان في الشمال السوري هو الدعوة إلى المظاهرات الشعبية والضغط الشعبي على المؤسسات الرسمية عند قيامها ببعض التجاوزات التي تمس بحقوق الإنسان وخاصة عند وقوع حالات الاعتقال غير القانونية على الإعلاميين أو الناشطين فقد تعاون المجتمع المحلي مع منظمات المجتمع المدني والنقابات الحرة للقيام بهذه التجمعات والمظاهرات المطالبة باحترام القانون وقواعد حقوق الإنسان، إن هذا التضامن والتعاون المجتمعي يعكس الروح الإنسانية العالية والمسؤولية التي يضطلع بها المجتمع في تعزيز حقوق الإنسان رغم التحديات الضخمة التي تواجه المجتمع السوري.

دور هذه المنظمات لا يقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في المجتمع السوري، بهدف بناء مجتمع يقوم على أسس العدالة والمساواة للجميع.

تلعب المنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية دورًا بارزًا في تعزيز حقوق الإنسان خلال النزاع المسلح في سوريا. حيث تسعى إلى توفير الدعم القانوني والإنساني للضحايا، من خلال تقديم المشورة القانونية، والمساعدة في تقديم الشكاوى والبلاغات، والمساهمة في إعادة تأهيل النازحين والمهجرين والحفاظ على ممتلكاتهم بشكل قانوني.

بالإضافة إلى ذلك، كما تعمل على رفع الوعي بحقوق الإنسان والقوانين الدولية الإنسانية، وتنظيم الحملات التوعوية والندوات وورش العمل لتثقيف الجمهور حول هذه القضايا المهمة.

كما تقوم هذه المنظمات بجمع البيانات والمعلومات حول حالات انتهاكات حقوق الإنسان، وتوثيق هذه الحالات وتقديمها إلى الجهات الدولية المعنية، بهدف المساهمة في إحقاق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات.

إن دور هذه المنظمات لا يقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في المجتمع السوري، بهدف بناء مجتمع يقوم على أسس العدالة والمساواة للجميع. حيث تعتبر المبادرات الفردية والمجموعات المجتمعية في سوريا عنصراً حيوياً في تعزيز حقوق الإنسان. إذ يقوم الأفراد النشطاء والمنظمات الشبابية بتنظيم حملات توعية وتثقيف حول حقوق الإنسان وسيادة القانون، ويعملون على بناء شبكات تضامن وتعاون مجتمعي لدعم الضحايا والمتضررين من النزاع.

وتقوم المجموعات النسائية بدور فعّال في حماية حقوق النساء والأطفال وتعزيز مشاركتهم في صنع القرار، وذلك من خلال تنظيم ورش عمل وندوات توعوية وتثقيفية. فيعمل هؤلاء النشطاء على تشجيع التضامن والتعاون المجتمعي، بهدف بناء مجتمع متماسك يعتمد على قيم العدالة وحقوق الإنسان كأساس للتنمية والاستقرار.

ومن الأمور الهامة في هذا السياق عدم حصر الدور المجتمعي بما تقوم به منظمات المجتمع المدني من نشاطات وفعاليات بل يجب عدم إغفال المبادرات الفردية أو الجماعية غير المنضوية تحت إطار منظمات المجتمع المدني، فلهذه المبادرات دور كبير في تعزيز الالتزام بحقوق الإنسان وهي النواة الأولى التي تنشأ منها منظمات المجتمع المدني وتكون لديها مساحة أكبر للمناورة بما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان لكنها بحاجة للتنسيق والتشبيك مع منظمات المجتمع المدني القائمة.

رغم الجهود المبذولة من قبل المنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية، فإنها تواجه تحديات وعقبات كبيرة في سوريا. تتضمن هذه التحديات نقص التمويل والموارد، حيث تتوقف العديد من المشاريع والبرامج عن العمل بسبب نقص التمويل، مما يؤثر سلبًا على القدرة على تقديم الدعم والمساعدة للمتضررين. كما تواجه هذه المنظمات العديد من القيود القانونية والسياسية، حيث يتعرض العاملون في المجال الإنساني للاعتقال والاضطهاد من قبل السلطات، مما يقيد قدرتهم على القيام بعملهم بحرية وكفاءة.

وإن التهديدات الأمنية تشكل تحديًا كبيرًا، حيث يتعرض العاملون الإنسانيون والمتطوعون لخطر الاعتداءات والهجمات من قبل الأطراف المتصارعة والجماعات المسلحة. لذا، يجب على المجتمع الدولي والجهات المعنية تقديم الدعم اللازم لهذه المنظمات وتوفير الحماية اللازمة للعاملين في المجال الإنساني، وذلك من خلال زيادة التمويل وتقديم الدعم القانوني والسياسي والأمني لهم، بهدف تمكينهم من مواصلة عملهم الحيوي في تقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين والمتضررين في سوريا.

في الختام، يظهر أن دور المجتمع في تعزيز حقوق الإنسان خلال النزاعات المسلحة له أهمية كبيرة، ويجب دعم الجهود المبذولة من قبل المنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية والأفراد في هذا الصدد. إن تعزيز الوعي بحقوق الإنسان وتعزيز ثقافة السلام يمثل أساسًا لبناء مجتمعات أكثر عدالة وتطورًا في سوريا ومناطق النزاع المماثلة، وضرورة إشراك المجتمعات المحلية في أطر تعزيز حقوق الإنسان لا أن يقتصر الأمر على النخب المثقفة أو المسؤولين الحكوميين.