icon
التغطية الحية

التغير المناخي يدفع نحو مزيد من الزلازل.. ما علاقة عمليات استخراج النفط؟

2023.02.13 | 17:31 دمشق

أمرأة تبكي فوق ركام بيتها في قرية نورداغي التابعة لولاية عثمانية التركية - التاريخ: 7 شباط 2023
أمرأة تبكي فوق ركام بيتها في قرية نورداغي التابعة لولاية عثمانية التركية - 7 شباط 2023
Euronews - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلف زلزالان وقعا في تركيا وجارتها سوريا دماراً غير مسبوق وعدداً من القتلى تجاوز 35 ألفاً. بيد أننا لم نعلم على وجه اليقين ما الذي دفع لظهور تلك الكارثة الطبيعية المريعة، بل كل ما نعرفه هو أدلة علمية متزايدة حول التغير المناخي الذي من شأنه أن يزيد من خطر وقوع هزات أرضية كهذه، إلى جانب أمواج تسونامي والاندفاعات البركانية.

سبق وأن أشار البروفسور بيل ماكغوير أستاذ فيزياء الأرض وأخطار المناخ من جامعة لندن في عام 2012 إلى أنه: "في حال نضوج أي فالق زلزالي واستعداده للاندفاع، فكل ما يحتاجه هو ضغط بسيط حتى ينطلق.. ويمكن للتغيرات المناخية المصاحبة لتدهور مناخي عاجل ومتسارع أن تفعل ذلك بكل بساطة وسهولة".

كما أقر علماء ناسا بأن انحسار الأنهار الجليدية بسبب الاحتباس الحراري قد أدى لظهور زلازل في آلاسكا خلال العقود الماضية.

ولم يقتصر الأمر على القطب الشمالي، بما أن ذوبان جليد الأنهار يغير من توزع الثقل على القشرة الأرضية، ما يؤدي إلى ظهور: "حالة تعديل للتوازنات الجليدية" وهي بدورها تغير من حركة الصفائح التكتونية التي بوسعها أن تتسبب بقيام مزيد من الزلازل وبإيقاظ البراكين الخامدة، بل التأثير على حركة محور الأرض أيضاً.

فقد خلصت دراسة أجريت مؤخراً إلى أن هذه النتيجة بالتحديد للاحتباس الحراري: "ما هي إلا مؤشر يحذرنا من مستقبل زلزالي مضطرب".

ولسوء الحظ، لن يقتصر الأمر على الزلازل فحسب، وذلك لأن الكوارث التي تتصل بالمناخ والطقس قد زادت بنسبة خمسة أضعاف خلال العقود الخمسة الماضية، ما أدى لمقتل مليوني إنسان، وإصابة نحو 91% في الدول النامية، والوضع يسير باتجاه الأسوأ.

هل من يحاسب الدول النفطية الكبرى على ما تقترفه؟

تتحمل شركات الوقود الأحفوري مسؤولية كبيرة تجاه حالة الطوارئ المناخية لكنها تتمتع بحصانة شبه كاملة، كونها تحصد في الوقت ذاته وبشكل مطرد أرباحاً خيالية، في حين يعاني عامة الناس في مختلف بقاع العالم حتى يؤمنوا تكاليف حياتهم اليومية.

أظهرت سلسلة من التحقيقات والدعاوى القضائية التي رفعت على مدار سنوات كيف تلعب كبرى شركات الوقود الأحفوري دوراً كبيراً في هذا السياق، كونها على الرغم من انتهاكها للقانون تستعين به حتى تتهرب من المحاسبة على تلويثها للبيئة، وعلى استئثارها بالموارد وعلى المحسوبية التي تعتمد عليها، وهكذا يتم إسكات كل من يعترض عليها.

إذ خلال العقد الماضي، استهدفت شركات الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة ما يزيد عن 150 ناشطا بيئيا من خلال دعاوى قضائية، وفي الوقت ذاته، يسعى البعض في أميركا إلى سن قانون للبنية التحتية الحساسة، يزيد من العقوبات الجنائية على الناشطين الذين يحتجون على أنابيب النفط التي لابد لها أن تدمر الكوكب.

Federico Gambarini/AP

الشرطة الألمانية تبعد الناشطة السويدية في مجال المناخ غريتا ثونبيرغ عن أحد المناجم خلال وقفة احتجاجية أقيمت في 17 كانون الثاني 2023

توصلت دراسة أجراها البرلمان الأوروبي أيضاً إلى أن شركات التعدين والنفط والغاز الأوروبية تزيد من تلك الأضرار على المجتمعات الأصلية بطرق أشد وأعمق.

أما عملية تمويل التقاضي من قبل طرف ثالث فتمثل مقاربة أخرى يتم استغلالها لصالح شركات النفط والغاز الغربية، حيث يقوم المدعون بجمع تبرعات من مستثمرين لا علاقة لهم بالدعوى لكنهم يحصلون على حصة الأسد من التعويضات.

منذ عام 2012، دعم صندوق شركة Tenor الاستثمارية الأميركية بمبلغ 1.4 مليار دولار دعوى رفعتها شركة تعدين كندية ضد الحكومة الفنزويلية، كونها سمحت بموجب أمر قضائي بالاستيلاء على شركتها النفطية التي أقامت مقرها في هيوستن.

استهدفت شركة Tenor  أيضاً دولاً نامية أخرى وحكوماتها، وذلك من خلال مبلغ 4.4 مليارات دولار دفعته دعماً لدعوى رفعتها شركة غابرييل للموارد المحدودة ضد رومانيا، كما دفعت مبلغاً وقدره 764 مليون دولار لدعم دعوى رفعتها شركة إيكو أورو للمعادن ضد كولومبيا.

قضية غريبة مع "سلطنة سولو"

من الشركات الأخرى التي رفعت قضايا كهذه شركة ثيريوم العملاقة للتمويل القانوني ومقرها لندن، إذ في عام 2021، دعمت هذه الشركة شركة فكتوريا العملاقة للنفط والغاز في المملكة المتحدة ضد جمهورية كازاخستان على أساس خرق أستانا للاتفاق مع الشركة بعد إخراجها من البلاد والاستيلاء على الحقل النفطي الخاص بها، إلا أن شركة فكتوريا خسرت تلك الدعوى.

لكن شركة ثيريوم حققت نصراً خلال العام الماضي عبر تمويلها لأحفاد سلطنة سولو التي اختفت منذ أمد بعيد، حيث حصلوا على تعويض وقدره 15 مليار دولار من قبل محكمة فرنسية في الدعوى التي ربحوها أمام الحكومة الماليزية.

حيث طالبت تلك الدعوى بالحصول على أرباح مشاريع النفط والغاز في ماليزيا، وتحديداً في منطقة صباح الشرقية، بموجب معاهدة منتهية الصلاحية مع التاج البريطاني تعود للحقبة الاستعمارية.

AP Photo/Mike Corder

إحدى مؤيدات جمعية أصدقاء الأرض وهي ترفع لوحة خارج مبنى محكمة لاهاي في كانون الثاني 2021

وقد تبين بأن الفريق القضائي للمدعي لديه مصالح ومشاريع في مجال النفط والغاز.

فقد مثل بول كوهين من شركة 4-5 Gray’s Inn Square والذي تحدث بصراحة عن فكرة الاستعانة بالمحاكم الأوروبية لمصادرة "أصول ماليزية محددة" من قبل العديد من الأنظمة القضائية، كبرى شركات النفط والغاز في عمليات تحكيم دولية.

أما المحامية إليزابيث ماسون فقد مثلت ورثة سلطنة سولو، وهي تعمل عن قرب مع المديرين التنفيذيين لشركتي غوغل وفيس بوك العملاقتين.

والنقطة الأشهر هنا، هي أن كلاهما متهم بدعم منظمات تورطت في إنكار التغير المناخي وجنت الملايين من خلال إعلانات لصالح شركات ExxonMobil و BPو Chevronو Shell أو جهات مثل معهد البترول الأميركي، وجميعها وصفها الناشطون البيئيون بأنها محاولات للغسيل الأخضر على حد تعبيرهم.

مصلحة القلة؟ أم مصلحة كوكبنا وناسه؟

إنها ليست مؤامرة، لأن تلك القضايا بمفردها تبين لنا بأن مصالح ومشاريع الوقود الأحفوري ماتزال تتمتع بهيمنة استثنائية ونفوذ كبير ضمن مختلف القطاعات والبلدان، على الرغم من وجود أدلة دامغة حول مسؤوليتها الكبيرة عن التغير المناخي وظهور حالة الطوارئ المناخية بصورة مستمرة.

أي أن المشكلة ممنهجة: إذ هنالك تفضيل واضح منذ أمد بعيد لمصالح شركات الوقود الأحفوري وكل من يتحالف معها على حساب الناس والكوكب!

لهذا لا عجب أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش مؤخراً بمطالبة شركات الوقود الأحفوري التي لم تحدد مساراً موثوقاً ليصبح الصافي لديها يعادل الصفر بحلول عام 2030 بالخروج من هذا المجال.

AP Photo/Thomas Hartwell

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش

ولهذا يتعين على الحكومات أن تحمل هذه الرسالة على محمل الجدية وذلك عبر رص الصفوف لإنهاء تلك الخطة التي تترأسها كبرى الشركات التي تتربح من خلال ذلك ضد كوكبنا.

لذا، وبدلاً من مقاضاة تلك الشركات، ينبغي على الحكومات أن تفكر بطريقة لمحاسبة شركات الوقود الأحفوري على الأضرار التي خلفتها عملياتها على أعداد لا تحصى من الضحايا في مختلف أنحاء الكوكب، بحيث يتم استثمار التعويضات في تسريع عملية الوصول إلى الصافي الذي يعادل الصفر.

إن لم يحدث ذلك، فلابد لنا أن نشهد مزيدا من المآسي كتلك التي حلت بسوريا وتركيا.

المصدر: Euronews