التطبيع العربي مع الأسد.. ما لا يقوله المطبّعون

2023.05.03 | 06:08 دمشق

التطبيع العربي مع الأسد.. ما لا يقوله المطبّعون
+A
حجم الخط
-A

باتت الخطوات المتسارعة للدول العربية الماضية في مسار التطبيع مع نظام الأسد أقرب إلى تطبيق حرفي وممنهج لأجندة معدّة مسبقاً من كونها خيارات سيادية نابعة من رؤية عربية لضرورة وضع حد للتدهور الذي تعاني منه المنطقة العربية بسبب استمرار الأسد في السلطة.

والواقع أن الأسد استطاع خلق ثلاث أزمات كبرى لتحل بديلاً عن أزمته الأساسية وهي مواجهة استحقاقات القرارات الأممية التي تطالبه بالتغيير؛ فخلق أولاً أزمة إرهاب وتطرف عبرت الحدود، وتمكنت من بث الذعر لدى الدول العربية بالدرجة الأولى، وبناء على ذلك قامت هذه الدول بتغييرات جذرية في سياساتها حيال ما تسميه ”الخطر الإسلامي السياسي“، وغدت متوافقة تماماً مع رؤية الأسد التي قالت منذ اللحظة الأولى لاندلاع الانتفاضة الشعبية السلمية ضد نظامه القمعي أن الخطر الإسلامي قادم إلى الحكم.

الأزمة الثانية التي خلقها الأسد كانت أزمة اللاجئين الذين أغرق بهم دول الجوار، وبصبر استراتيجي تمكّن من تحول من هجّرهم بعملياته العسكرية عبر الحدود إلى عبء على الدول المحيطة به، وبدلاً من إعادتهم كضحاياً، أصبح المطلب هو التخلص منهم بأسرع طريقة وبأي ثمن.

أما الأزمة الثالثة المستجدة فهي سيل المخدرات (العرم) الذي تدفق من سوريا نحو الدول العربية، بمعونة من معامل حزب الله والميليشيات الإيرانية، فتحول المصدر إلى باب للحل، عوضاً عن محاسبته على تزويد ملايين المواطنين العرب بالكبتاغون وبشكل غير مسبوق في التاريخ.

وجد العرب أنفسهم خارج طاولة اللعب، دورهم يقتصر على إدارة الوقت بانتظار القرار الأميركي، فكل من اجتمع في الأردن يوم الإثنين، حلفاء لواشنطن لن يتجاوزوا رؤيتها دون ضوء أخضر منها

أخرجت المقاطعة التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام السوري العرب من الساحة السورية، في حين أدخلت تفاهمات واشنطن روسيا وإيران ليعيثوا في سوريا فساداً، ولتصبح إيران على مرمى النيران الإسرائيلية، دون أن يتقدم الصراع إلى الأمام أو يتراجع، في حين استطاعت تركيا المحافظة على حد أدنى من المكاسب لحماية أمنها القومي ودفع حزب العمال الكردستاني نحو منطقة استهداف محددة، في شمال سوريا والعراق، وتنظيم الأمور قدر الإمكان في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد غرب سوريا. وسط هذا كله، وجد العرب أنفسهم خارج طاولة اللعب، دورهم يقتصر على إدارة الوقت بانتظار القرار الأميركي، فكل من اجتمع في الأردن يوم الإثنين، حلفاء لواشنطن لن يتجاوزوا رؤيتها دون ضوء أخضر منها.

المتغير الأبرز الذي سيشكل منعطفاً حاسماً، هو الحرب الروسية على أوكرانيا، والمسار الذي تورط فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والهادف إلى إحداث إزاحة في معادلة النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وتحويله إلى نظام غير قطبي تنشطر فيه مناطق النفوذ مجدداً كما كانت الحال أيام الحرب الباردة، مما خلف تحولات في أسواق الطاقة فرضت تحالفات جديدة، وبدأت واشنطن في رحلة قطع الأذرع الروسية والتخلص من كل الاتفاقات الاقتصادية والأمنية التي تجمعها وتجمع حلفاءها حول العالم بالروس، وبقي العرب يحاولون الظهور بمظهر يستعيد حالة دول عدم الانحياز، وتلك تحركات لن تكون أيضاً كما يحاول شخوصها تصويرها، كسراً لعظام الأميركيين الذين غضوا الطرف عن أوبك بلس وعن الانفتاح السعودي على إيران لاحقاً، ليس لأنهم عاجزون عن عرقلته، بل لأنه يخدم استراتيجية طويلة الأمد يؤسسون لها.

ما بقي عالقاً من التفاهمات والاتفاقيات الأميركية الروسية هو الملف السوري وحده، وقد آن أوان كسر هذا التفاهم، لكن العامل الإسرائيلي الذي أبرم تفاهماته مع الروس لا يزال مفعّلاً، وهو ما تمت معالجته بدفع السعوديين نحو إيران، فعلت الأصوات الإسرائيلية التي ستوافق على الاستراتيجية الأميركية الجديدة ومعادلة (العرب بديلاً عن الروس في سوريا).

وعلى ذلك يسير التطبيع العربي الحالي حثيثاً، ولا مقابل يمكن للأسد تقديمه، ليتقدم العرب خطوات نحو الداخل السوري، قبل أن يغادر الروس، ولتصبح المواجهة عربية - إيرانية، مفتاحها التفاهم وجوهرها الصراع.

المعارضة السورية بدورها أخذت تشعر أنها خارج اللعبة، ولكنها لا تدرك أن كثيراً من مفاتيح الحل ما تزال بأيديها، وأول تلك المفاتيح هو رفض أي عرض يعرض عليها بالتطبيع مع الأسد

لا علاقة للتطبيع العربي مع الأسد بكون الأسد قادراً على حكم سوريا أم لا، ولا على قابليته لتطبيق القرارات الأممية وإنهاء حربه على المعارضة السورية بهذا الشكل أم لا، بل بالحلول العربي في الفراغ الذي سينشأ في سوريا قريباً، ولا يعني وجود قواعد عسكرية روسية في سوريا شيئاً في هذه المعادلة، فهو أمر يمكن معالجته في حينه، بل التغلغل الروسي في البلاد، بالتوازي مع التغلغل الإيراني، وتركيا في الشمال التي إن مضت في تطبيعها مع الأسد بعد الانتخابات، فسوف تجد حلولاً كثيرة لمشكلاتها ومشكلات الأسد معاً، لا سيماً في ما يتعلق بثلاث محافظات أساسية يحتلها حزب العمال الكردستاني، عدو تركيا الأول، وحليف الولايات المتحدة التي بوسعها أن تغير له شكله مجدداً ليتخذ صبغة أكثر قبولاً لدى الأطراف المختلفة.

المعارضة السورية بدورها أخذت تشعر أنها خارج اللعبة، ولكنها لا تدرك أن كثيراً من مفاتيح الحل ما تزال بأيديها، وأول تلك المفاتيح هو رفض أي عرض يعرض عليها بالتطبيع مع الأسد، أو التطبيع مع pkk  الذي يطرح التطبيع مع الأسد أيضاً، وهو النهج الذي تسعى إليه بعض الأطراف السورية في مؤسسات المعارضة، متوهمة أنها بذلك يمكن أن تسترضي الأميركيين والروس معاً، غير أنها بذلك تخسر الحليف التركي الذي يعتبر أن حزب العمال الكردستاني خط أحمر لا مجال للدعس عليه لا من تركي ولا من غير تركي. وإن صمتت أنقرة على خطوات في العتمة يقوم بها بعض المعارضين باتجاه ” قسد“ فإنما هي تستدرجهم لإعطائها ذريعة لاتخاذ قرارات قد تشبه ما فعلته تركيا مع الإخوان المسلمين المصريين والمتحالفين معهم الذين تم إبعادهم عن تركيا، وحينذاك ستكون الخسارة السورية كبيرة ويتحمل جريرتها أولئك الذين يعتقدون أنهم براغماتيون من خلال عبثهم بمصير أكثر من سبعة ملايين سوري يعيشون بين تركيا والشمال السوري الذي تديره تركيا.

وهكذا يوجب التطبيع العربي الذي شهدنا فصلاً من فصوله في عمّان مؤخراً، وسنشهد المزيد منه قريباً، على السوريين مقاربة مختلفة لا مفرّ منها، لتحويله إلى ما يخدم القضية السورية لا إلى ما يفتتها تماماً وإلى الأبد.