اتخذت الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية على الأراضي السورية بعداً جديداً، منذ أن اغتالت تل أبيب في كانون الأول/ ديسمبر أواخر العام الماضي الجنرال الإيراني رضي موسوي المقرب من قائد فيلق القدس الذي اغتالته أميركا عام 2020 قاسم سليماني، والمسؤول عن نقل الأسلحة من طهران إلى سوريا ولبنان، وأحد أقدم قيادات الحرس الثوري الإيراني النشطة في منطقة بلاد الشام.
اغتيال موسوي أعطى مؤشراً على أن إسرائيل باتت تركز على الرؤوس المدبرة أكثر من العتاد والأسلحة الإيرانية، وهذا ما أكده اغتيالها اليوم السبت لمسؤولي استخبارات في الحرس الثوري الإيراني على رأسهم العميد علي آغا زاده عن طريق غارات جوية استهدفت مجمعاً سكنياً يقيمون فيه داخل العاصمة دمشق.
دلالات سياسية
يمكن تصنيف اغتيال ضباط استخبارات الحرس الثوري الإيراني في دمشق اليوم على أنها عملية أمنية دقيقة، وتأتي في سياق إستراتيجية الردع الإسرائيلية الرامية لتقويض قدرة إيران على استخدام الأراضي السورية لتهديد إسرائيل.
العملية الأخيرة وإن كانت تتشابه مع اغتيال موسوي بأنها ركزت على الكوادر الإيرانية الفاعلة، لكنها تختلف عنها لجهة الدلالات السياسية التي حملتها، نظراً لأنها وقعت ضمن مربع أمني للنظام السوري يفترض أنه الأكثر تعقيداً وتحصيناً، على عكس استهداف موسوي الذي حصل في منطقة السيدة زينب القلعة الرئيسية للحرس الثوري قرب دمشق.
ويتخذ كثير من المسؤولين السياسيين والأمنيين التابعين للنظام السوري من منطقة المزة سواء المعروفة بحي 86 أو الفيلات الغربية مكاناً لإقامتهم، وهذا ما جعلها تحظى بتحصين أمني كبير ورقابة صارمة، ويفترض أيضاً أن لها نوعاُ من الحصانة السياسية على خلاف المناطق الخاضعة بالكامل للإدارة الأمنية للحرس الثوري والفصائل المرتبطة به.
ومن الدلالات المهمة للعملية الإسرائيلية الأخيرة، أنها أظهرت اقتراب النيران أكثر فأكثر من النظام السوري وتمسه بشكل أكبر، نظراً لعدم رغبته أو قدرته على منع النشاط الإيراني المعادي لإسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، إذ لم يسبق لتل أبيب أن استهدفت منطقة سيادة للنظام طيلة السنوات الماضية، وربما آخر مرة وقعت فيها عمليات في مربعات أمنية حصينة تعود إلى اغتيال القيادي السابق في حزب الله عماد مغنية عام 2008 ضمن منطقة كفرسوسة التي تضم فروعا أمنية.
مؤشرات على عودة التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سوريا
يوحي التطور النوعي المتمثل باستهداف أحد أهم معاقل النظام السوري ضمن العاصمة دمشق، وقبله اغتيال الجنرال موسوي بعودة قنوات الاتصال الروسية – الإسرائيلية في سوريا، خاصة أن الشرطة العسكرية الروسية أسست في مطلع العام الحالي نقطتي مراقبة في ريف القنيطرة المتاخم لهضبة الجولان المحتمل، كما عادت الدوريات الجوية الروسية لتمشط الحدود الفاصلة بين انتشار الميليشيات الإيرانية جنوب سوريا وهضبة الجولان اعتباراً من منتصف كانون الثاني/ يناير الجاري، إضافة إلى عدم صدور أي رد فعل روسي تجاه الضربة الإسرائيلية التي قتل على إثرها موسوي، حيث عكفت موسكو على التعبير عن احتجاجها عن الغارات الإسرائيلية في سوريا منذ أن توترت العلاقات بين موسكو وتل أبيب عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وبطبيعة الحال، الاغتيالات التي طالت الجنرال موسوي والقيادي في حماس صالح العاروري، وحالياً مستشاري الحرس الثوري الإيراني داخل دمشق، تعكس رغبة إسرائيلية باستعادة هيبتها الأمنية التي استفادت منها كثيراً في ردع الجوار على مدى العقود الماضية، حيث إن سلسلة الاغتيالات التي بدأتها تل أبيب منذ نهاية العام الماضي تحدث صدىً إعلامياً مؤثراً، وتظهر قدرة على اختراق الخصوم وتوفير المعلومات حول تحركاتهم في مربعات أمنية محصنة سواء في الضاحية الجنوبية أو عقر دار النظام السوري.