إيران نموذج صارخ للدولة الانتهازية

2021.06.07 | 06:17 دمشق

katm_swt.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تهنأ الشعوب العربية بعد وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه يوم الجمعة 21 من أيار – مايو سوى بضع ساعات حتى تحول الفرح إلى استياء وسخط وجدال عربي – فلسطيني وكذلك فلسطيني – فلسطيني عندما تم شكر إيران على دعمها المقاومة بالمال والسلاح وكان بالإمكان تفادي ذلك لو تم التعامل مع الموقف بدقة واستشراف لردة فعل الشعوب، بالإضافة إلى تحية أسامة حمدان المخزية لسفاح سوريا، كانت النقاط التي آثارها المنزعجون هي أنّ هذه الدولة هي نفسها التي تحتل أربع عواصم عربية وأسهمت في تقتيل وتشريد الملايين فيها وكذلك في منع تنفيذ طموحات تلك الشعوب بالدولة الديموقراطية المنشودة، بل حولت دولها إلى دول فاشلة اقتصاديًا وسياسيًا وبؤر لحروب إقليمية تستدعي التدخل الدولي.

بالعودة إلى التاريخ نرى أنّ هذه الدولة التي كان يهتف باسمها عربيًا بعد انتصار ثورتها تحولت إلى الدولة الأكثر كرهًا في الوسط العربي وحتى الإسلامي.

إنّ النقاش حول إيران يتطلب منا تقييم مسيرتها منذ بداية ثورتها في عام 1979 عندما تعاطفت خلالها الشعوب العربية والإسلامية مع مظاهراتها في وجه جهاز السافاك القمعي وفي وجه نظام الشاه الفاسد ومع خطابها الإسلامي المعتدل ظاهريًا متوقعة أن تتحول إيران الشاه بعد انتصار ثورتها إلى دولة أكثر قبولا على الصعيد الشعبي وحتى السياسي، كل ذلك تبدّد بعد تحولها إلى نظام ديني طائفي ذي خلفية قومية فارسية وتخلصها من الشخصيات الأكثر انفتاحًا أمثال أبي الحسن بني صدر ومهدي بازركان وإبراهيم يزدي.

كشفت إيران لاحقًا عن مخططاتها التوسعية باستخدام الخميني مبكرًا لمصطلح تصدير الثورة وأصبح أكثر وضوحًا عندما بدأت إيران بقصف المواقع الحدودية العراقية في 4 من أيلول – سبتمبر 1980، أي بعد قرابة عام ونصف من انتصار ثورتها لتندلع حرب طويلة تعتبر الأطول في القرن العشرين والتي انتهت في آب – أغسطس 1988 أي امتدت قرابة ثمانية أعوام أدت إلى إنهاك الدولة العراقية وكذلك الشعب الإيراني.

سوف نلخص بعض المظاهر الانتهازية للدولة الإيرانية من خلال ممارسات عملية لا يجادل بها العقلاء.

أولا- صفقة إيران - كونترا بالتعاون مع إسرائيل: بدأت هذه الصفقة في 20 من آب – أغسطس 1985 فترة الرئيس الأميركي رونالد ريغان بوساطة إسرائيلية وعبر موانئها، تم خلالها تزويد إيران بصواريخ تاو وصواريخ هوك لتأمين تفوقها ضد العراق بعد هزيمتها أمامه، لاحقًا تم تحويل أرباح الصفقة إلى ثوار الكونترا في نيكارغوا رغم عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران والكونترا.

ثانيا- دعم حزب العمال الكردستاني: رغم الشعارات الإسلامية الفاقعة للثورة الإيرانية فقد نشأت علاقة مهمة بين إيران وحزب العمال الكردستاني الماركسي عبر حافظ الأسد صديق عبد الله أوجلان عام 1982، كان الهدف الأساسي منها إضعاف العراق فترة الحرب من خلال إثارة الفتن وكذلك الضغط على تركيا وماتزال العلاقة بينهما مميزة حيث يوجدون في جبال قنديل ويدعمون زعامة جميل بايك لها ذي الأصول الكردية العلوية.

تعتبر العلاقات الاقتصادية بين إيران والإمارات لغزًا يصعب حله

ثالثا- دعم أرمينيا ضد أذربيجان: رغم أن الأذر يشكلون قرابة ربع سكان إيران وانتماء غالبيتهم للمذهب الشيعي فإن إيران دعمت الأرمن في حربهم 1988 -1994 ضد الأذريين مستغلة تفكك الاتحاد السوفييتي خشية مطالبة الأذر الإيرانيين بالاستقلال؛ أدت تلك الحرب إلى سيطرة أرمينيا على مناطق واسعة من أذربيجان، في الحرب الأخيرة في نهاية عام 2020 كانت إيران أيضًا داعمة لأرمينيا ولولا الخلاف الروسي الأرميني والتحالف التركي الأذري لكان للمعركة قول آخر من خلال إيران.

رابعا- الشراكة الاقتصادية مع الإمارات العربية المتحدة: تعتبر العلاقات الاقتصادية بين إيران والإمارات لغزًا يصعب حله فرغم شعارات إيران المرفوعة بالموت لإسرائيل وكذلك لأميركا ورغم إبرام الإمارات لاتفاق إبراهام مع إسرائيل ودعمها القوي لصفقة القرن التي ترفضها إيران بشدة والحديث عن تعاون عسكري بينهما فهي الشريك الاقتصادي الثاني لإيران بعد الصين بـ 13.5 مليار دولار مما يؤكد على براغماتية شديدة لا تخطئها الأعين.

خامسا- دعم اللواء المتمرد حفتر: أكدت كل التقارير الدولية على أنّ إيران قامت بإرسال مرتزقة من نظام الأسد وزودت حفتر بالسلاح المطابق لأسلحته عبر مطاري دمشق والتيفور رغم عدم وجود أية علاقات أو مصالح مباشرة مع ليبيا؛ بهدف منع قيام أي نظام ديموقراطي في المنطقة ولمنع الاستقرار في شرق المتوسط مما يضعف إمكانية التغلغل الإيراني وأدواته فيها التي يناسبها الصراعات البينية، مع العلم أن الممول الرئيس لحفتر هو الإمارات العدو الصديق. 

سادسا- إصدار أوامر لحزب الله للتدخل في سوريا: في عدوان إسرائيل عام 2007 على لبنان اضطر مئات الآلاف من اللبنانيين المحسوبين على حزب الله للهجرة إلى سوريا، استقبلهم الشعب السوري في بيوتهم وقدموا لهم كل متطلبات الحياة إلا أنّ رد الجميل كان بإصدار إيران أوامرها إلى حزب الله بالتدخل العسكري ضد الثورة السورية والتي كانت بدايته في القصير 4 من نيسان – أبريل 2013 تطور لاحقا ذلك التدخل باستدعاء كل الميليشيات الطائفية من أفغانستان وباكستان والعراق لتقوم بالتنكيل بالسوريين بالتعاون مع روسيا وميليشيا نظام الأسد وبذلك أصبحت إيران وجميع أدواتها العدو الأول للسوريين.

سابعا- إفشال الدولة العراقية: تسيطر الأحزاب الولائية التابعة لإيران على الحكم في العراق منذ عام 2003 إلا أنه ما يزال يئن ويعيش حالة مزرية، فالفساد متفشٍ والنفط العراقي يسرق في وضح النهار وأصبحت الميليشيات التابعة من أمثال الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق للحرس الثوري تسيطر على مفاصل الدولة وتحولت العراق الدولة المتطورة سابقا إلى مجرد دولة استهلاكية للبضائع الإيرانية فوصلت مستورداتها منه إلى قرابة 9 مليارات دولار وبذلك تعتبر الحالة العراقية حالة تدريسية للفشل المتوقع لأي دولة تتبع النموذج الإيراني بالحكم.

إيران ليست جمعية خيرية أو دولة قيمية كما تحاول أن تُقدم نفسها للعالم الإسلامي

إنّ ما تمّ ذكره غيض من فيض عن الانتهازية الإيرانية، وبالعودة إلى ملف دعم إيران لمحور المقاومة ماديًا وكذلك بالمعلومات التقنية وبغض النظر عن مدى المشروعية الدينية بأن يتم الدعم عبر نظام قاتل فهذا ليس مناط المقالة، إلا أنّ القضية الأهم والتي يجب أن يعيها العاملون في الشأن السياسي أنّ إيران ليست جمعية خيرية أو دولة قيمية كما تحاول أن تُقدم نفسها للعالم الإسلامي، فممارساتها الانتهازية موثقة؛ وما تقدمه للمقاومة هدفه السيطرة على ملف فلسطين ذي الأهمية القصوى في المنطقة من خلال سيطرتها على كل حركات المقاومة والتحرر من الاحتلال الإسرائيلي بشكل يشابه ما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية سابقا وهو ما انتبه له متأخرًا ياسر عرفات، لتحقق من خلاله لاحقا مصلحتها بتعزيز نفوذها في المنطقة والوصول إلى شرق المتوسط وتحقيق مكانة دولية افتقدتها منذ خلع الشاه عندما كانت شرطي الخليج، وكذلك الاستفادة منها في مفاوضات فيينا وعندها سوف يدفع الثمن باهظًا كلٌ من المقاومة وشعوبنا العربية والإسلامية، فهل نعي ذلك قبل فوات الأوان ونتعامل مع هذه القضايا بمنتهى الحرفية والعملية وبلغة تقاطع المصالح بعيدًا عن العاطفة والمحـاولات الخادعـة التي انطـلت علينا سابقًـا أم ننخدع مجددًا!؟