التهجير البعثي والأسدي لآباء سوريا المؤسسين

2021.01.03 | 00:01 دمشق

jmal-bd-alnasr-wshkry-alqwtly-060520198585.png
+A
حجم الخط
-A

تميزت سوريا منذ مرحلة الخلافة العثمانية بتوفر الكفاءات البشرية من كل الاختصاصات العلمية وكانت حلب ودمشق إحدى أهم مراكز الإعلام في العالم العربي بالإضافة إلى القاهرة وبيروت؛ حتى الدعوة إلى الإصلاح الديني فإنّ التاريخ خلد المصلح الحلبي عبد الرحمن الكواكبي والذي اعتبر كتابه طبائع الاستبداد من أهم المراجع في الدعوة إلى تطوير النظام السياسي في البلدان العربية، أما على صعيد الجامعات فإنّ جامعة دمشق التي بدأت عام 1903 بكلية الطب والصيدلة، وكلية الهندسة في حلب عام 1946 وبذلك تكون الجامعات السوريا في القطاع الطبي والتقني من أوائل الجامعات العربية في العصر الحديث.

رغم مرارة الاستعمار الفرنسي ونضال السوريين في سبيل تحرر بلادهم إلا أن قسوة النظام الفرنسي لم تصل إلى المستوى الذي وصلت له سوريا ما بعد عام 1963.

كان انقلاب حزب البعث عام 1963 بداية لعصر الديكتاتورية والإقصاء الذي عاشته سوريا ولم تخرج منه حتى الآن؛ إلا أن قضية التهجير القسري والنفي التي خضع لها السوريون عامة والطبقة السياسية والمثقفة خاصة كانت أشد وضوحا.

بدا واضحا منذ وصول البعث إلى الحكم أنَّه مختلف عن الانقلابات العسكرية السابقة من ناحية أنها غير مدعومة من الأحزاب السياسية، أما انقلاب 1963 فهو عبارة عن تحالف معقد بين العسكر والسياسيين، وحزب البعث تحول لاحقا إلى مجرد واجهة استغلها العسكريون ومن ثم عائلة الأسد للاستيلاء على الحكم.

كانت سياسة التهجير القسري أساسية في نظام حكم البعث لتأسيس نظام ديكتاتوري شمولي؛ فالسوريون لم يقبلوا الديكتاتورية فترة الوحدة رغم إيجابيات كانوا يمنون النفس بها ولطالما حلموا بتحقيقها

اتبع تحالف البعث مع القيادة العسكرية سياسة التهجير ضد النخبة السياسية؛ فقد شعر الانقلابيون أن هؤلاء يشكلون خطرًا واضحًا على استقرار حكمه فضيق عليهم مما جعل تلك النخبة تضطر إلى الهجرة المؤقتة وفقا لتصورها؛ لذا فضلوا لبنان النظام الأكثر انفتاحًا وقربًا من وطنهم لمراقبة الأوضاع إلا أن هجرتها طالت كثيرًا ولم تعد غالبيتها إلى سوريا.

كانت سياسة التهجير القسري أساسية في نظام حكم البعث لتأسيس نظام ديكتاتوري شمولي؛ فالسوريون لم يقبلوا الديكتاتورية فترة الوحدة رغم إيجابيات كانوا يمنون النفس بها ولطالما حلموا بتحقيقها.

نفذ الانقلابيون تلك السياسة من دون أدنى شفقة أو رحمة؛ فلم يكن يخلد في ذهن أي سوري أن تتم مكافأة الآباء المؤسسين ومن ساهم في بناء سوريا الحديثة واستقلالها بالتهجير والإبعاد عن الوطن وحتى منع دفن رفاتهم فيها؛ ومن دفن كان بتدخل دولي كما حصل مع الرئيس شكري القوتلي الذي مات في بيروت عام 1967حزنًا وكمدًا على ضياع الجولان على يد حافظ الأسد ولولا ضغط الملك فيصل رحمه الله لما دفن في دمشق مع امتناع السلطة الحاكمة عن المشاركة الرسمية بجنازته، أما الزعيم رشدي الكيخيا فدفن في قبرص عام 1987 ولم تتكحل مدينته حلب حتى برؤية رفاته ووداعه بالشكل اللائق لزعيم قدم كل ما يملك في سبيل رفعة وطنه وكذلك الرئيس ناظم القدسي الذي دفن في عمان 1998ورئيس الحكومة خالد العظم الذي خلد التاريخ بناءه لميناء اللاذقية مات فقيرًا في بيروت عام 1965 بعد الاستيلاء على أملاكه.

وإذا ما تم استعراض تلك الأسماء نرى أنها شملت شخصيات وطنية بامتياز امتلكت رؤية واضحة لتطوير سوريا والنهوض بها فلا يمكن لعاقلٍ أن يقوم بتخوينها فما بالك أن يخسر إمكانياتها وخبراتها أمثال معروف الدواليبي ومصطفى الزرقا ومأمون الكزبري وعصام العطار وعلي الطنطاوي ومحمد المبارك.

تابعت المنظومة العسكرية سياسة التصفية فيما بينها فحتى قادتهم قاموا بتهجيرهم أمثال أمين الحافظ وصلاح البيطار، أما ميشيل عفلق المؤسس للبعث وزعيمه التاريخي فقد ذاق من نفس الكأس الذي أذاقه لشركائه في الحكم فترة الديموقراطية فهرب إلى بغداد عام 1965 ودفن فيها عام 1989 ونفس الشيء حصل مع أكرم حوراني الذي دفن في عمان 1996وصلاح البيطار فقد اغتاله الأسد الأب في باريس 1980 ودفن في بغداد.

لعبت حرب 1967 دورا رئيسًا في الإفراج عن المعتقلين من كل الأطراف من الرئيس أمين حافظ واللواء محمد عمران إلى قيادات في الإخوان المسلمين من أمثال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وفوزي حمد وعادل كنعان؛ كل الأسماء المذكورة غادرت لاحقا سوريا وتوفيت خارجها أما اللواء عمران فقد اغتيل في طرابلس عام 1972.

بعد هزيمة 1967 أجمع البعثيون والمعارضون على تحميل حافظ الأسد وزير الدفاع في تلك الفترة أسباب الهزيمة بل إنَّ المحللين السياسيين أجمعوا لاحقا على أنها كانت خيانة وصفقة لاعتماده لاحقًا رئيسا للجمهورية، هنا بدأ الأسد يشعر أن اللجنة العسكرية في البعث والتي يقودها الرائد صلاح جديد أصبحت تشكل خطرا حقيقيا عليه؛ فلقد أصبحت الساحة السياسية السورية خالية ولم يبق أمامه من منافسين إلا صلاح جديد والمقربين منه مثل عبد الكريم الجندي الذي انتحر عام 1969 في مكتبه محذرًا من حافظ الأسد ومطامعه وإبراهيم ماخوس الذي هرب إلى الجزائر وتوفي فيها عام 2013 ويوسف زعين الذي اعتقله حافظ الأسد ولم يفرج عنه إلا بعد إصابته بالسرطان فأفرج عنه عام 1981 للعلاج فهاجر إلى السويد وتوفي فيها عام 2016.

كرر حافظ الأسد عملية النفي والتهجير في الثمانينات لمن لم يستطيع تغيبهم في السجون فهاجرت الكثير من الكفاءات السورية من كفاءات علمية أطباء ومهندسين وحقوقيين وأساتذة جامعات وحتى علماء دين أمثال الشيخ طاهر خير الله والشيخ محمد عوض الذين دفنوا في المدينة المنورة خوفًا من التنكيل بهم؛ فسجون البعث والأسد لا ترحم ولا يمكن لإنسان استيعاب ما يحصل فيها من تعذيب.

حاول الأسد الأب في أواخر حكمه التخفيف والسماح بالعودة لبعضهم مع عدم السماح لهم بممارسة السياسة بعد توقيعهم على تعهد بذلك من خلال وزيرة شؤون المغتربين بثينة شعبان والأجهزة الأمنية أو المشايخ أمثال البوطي تمهيدًا لتوريث الحكم لابنه.

إن سياسة عائلة الأسد في التهجير الممنهج ساهمت في إفراغ سوريا من الشخصيات الكاريزمية المؤثرة في المجتمع

مع بداية الثورة السورية طبق بشار الأسد نفس طريقة والده بتهجير الشخصيات المؤثرة مجتمعيًا من سياسيين ومثقفين وفنانين والتي عارضت خياره الأمني في معالجة مطالب الثوار فمارس عمليات تضييق أمني ممنهج ضدهم فاضطرت لاحقا للهجرة.

إن سياسة عائلة الأسد في التهجير الممنهج ساهمت في إفراغ سوريا من الشخصيات الكاريزمية المؤثرة في المجتمع السوري وشملت عمليات التهجير أيضا رجال الأعمال الذين شعروا أن استثماراتهم أصبحت مهددة بعد أن شملها التأميم مرتين الأولى في مرحلة الوحدة والثانية في مرحلة ما بعد 1963 وتعميم الشعارات الشعبوية التي تهاجم البرجوازية وملاك الأراضي لدق إسفين عميق داخل المجتمع السوري تسمح لهم لاحقًا بالسيطرة على حكم سوريا من دون أدنى مقاومة مما نتج عنه ضعف شديد للدولة السوريا على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية ومنع ارتقائها إلى مستوى كانت سوريا تنافس خلالها دولًا صاعدة أمثال كوريا الجنوبية وتايلند وماليزيا.

إن حديث روسيا ونظام الأسد عن عودة المهجرين ما هو إلا ذر للرماد في العيون هدفها الرئيس تعويم نظام الأسد، فالكفاءات السورية لن تقبل بالعودة ما دامت عائلة الأسد في الحكم والبقية شاهدت بأم عينها ما كان غائبا عنها في بلاد الغربة من حيث أساليب الحكم وإن الحاكم مجرد مواطن يعود بعد انتهاء ولايته إلى حياته الطبيعية وليس إلهً غير قابل للنقاش؛ فهل تكون التغريبة التاريخية السوريا درسا للسوريين مستقبلًا تمنع تكرارها من خلال حل سياسي متكامل ودستور فاعل يكون الشعب عماده؟ أم تعاد كرَّة انقلاب 1963ولا يُتعظ من دروس التاريخ!!!؟

 

جدول بنخب سوريا التي هجرت ووارت الثرى خارج وطنها

(حسب تاريخ الوفاة)

 

الاسم

المحافظة

مواليد

الحزب

المنصب والدراسة

عام الوفاة

1

خالد العظم

دمشق

1903

مستقل

رئيس حكومة

حقوق

لبنان - 1965

2

شكري القوتلي

دمشق

1891

الوطني

رئيس جمهورية

سياسة وإدارة

بيروت-دمشق -1967

3

حسني البرازي

حماة

1895

الكتلة الوطنية

رئيس حكومة

 حقوق

تركيا - 1975

4

صلاح البيطار

دمشق

1912

البعث

رئيس حكومة

فيزياء

باريس-بغداد-1980

5

محمد المبارك

دمشق

1912

إخوان مسلمين

وزير

حقوق

الرياض 1981

6

رشدي كيخيا

حلب

1899

الشعب

رئيس برلمان

الكلية الإسلامية

نيقوسيا- 1987

7

ميشيل عفلق

دمشق

1910

البعث

وزير

تاريخ

بغداد 1989

8

طاهر خير الله

حلب

1922

مستقل

شريعة

المدينة المنورة-1989

9

عبد القادر عيسى

حلب

1920

مستقل

شيخ طريقة صوفية

إسطنبول-1991

10

عمر بهاء الدين الأميري

حلب

1916

إخوان مسلمين

سفير

حقوق

الرياض-1992

11

أكرم حوراني

حماة

1911

البعث

نائب رئيس الجمهورية

حقوق

عمان- 199

12

فوزي حمد

حلب

1927

إخوان مسلمين

نائب رئيس حزب

دكتوراة في الهندسة

الرياض - 1996

13

ناظم القدسي

حلب

1906

الشعب

رئيس جمهورية

دكتوراة في القانون

عمان -1998

14

مصطفى الزرقا

حلب

1925

مستقل

وزير

حقوق وشريعة

الرياض -1999

15

علي الطنطاوي

دمشق

1909

مستقل

قاض وأديب

مكة المكرمة-1999

16

عمر عودة الخطيب

دمشق

1926

إخوان مسلمين

وزير

حقوق وشريعة

الرياض-2003

17

معروف الدواليبي

حلب

1909

الشعب

رئيس حكومة

دكتوراة في القانون

الرياض-2004

18

حسن هويدي

دير الزور

1925

إخوان مسلمين

رئيس حزب

طبيب

عمان-2009

19

محمود بابللي

حلب

1922

إخوان مسلمين

دكتوراة في الحقوق

الرياض-2009

20

محمد عوض

دمشق

1931

مستقل

دكتوراة في الشريعة

المدينة المنورة-2009

21

إبراهيم ماخوس

اللاذقية

1925

البعث

وزير

طبيب

الجزائر-2013

22

يوسف زعين

دير الزور

1931

البعث

رئيس حكومة

طبيب

السويد- 2016

23

عادل كنعان

حلب

1925

إخوان مسلمين

حقوق

الدوحة - 2018

إعداد : محمد ياسين نجار