إنه همس الربيع

2020.03.17 | 23:01 دمشق

15.03.2013.jpg
+A
حجم الخط
-A

"إنه همس الربيع" جملة على بساطتها شكلت اختصاراً لحلم كثيرين ممن خرجوا في عام 2011 ضد الأنظمة المستبدة، وأصبحت بوصلة تصحح اتجاهاتنا فيما بعد إذا ما ضللنا الطريق، وظلت نقطة تفاؤل لمن جعلت الثورة له أملاً في حياة جديدة ومستقبل مختلف، فكتبوها على جدران منازلهم وأحيائهم في المناطق الثائرة.

لقد شكل آذار في عام 2011 منعطفاً تاريخياً ليس لدى الشعب السوري فحسب، وإنما كان العام المذكور نفسه بمثابة نقلة نوعية في حياة شعوب المنطقة بأسرها.

عاش الشعب العربي بأسره على إثرها حالة من الوعي أسست ليقظة سياسية، كانت سبباً أساسياً في نهوضه من تحت رزح الظلام وإعادته من غيبوبة عاشها لعقود.

 انعكس وعي الشعوب السياسي في اللافتات التي حملوها على أكتافهم، وفي قدرتهم على المخاطرة بالخروج في المظاهرات وهم يحملون قلوبهم على أكفهم، في مواجهة بطش الأنظمة الجائرة التي لم

حريٌّ بنا في مواجهة هذا التشويه المتعمد وبعد هذه السنوات العجاف وكمّ التهم الملصقة بنا، أن نستعيد ذاكرتنا الثورية الطيبة كي نتذكر دائماً ونذكر العالم بهويتنا ونؤكد لهم أننا كنا وما زلنا أصحاب حق

تتورع عن إطلاق الرصاص الحي وخلافه من الأسلحة الثقيلة والمحرمة في وجه الشعوب العزلاء.

دخلت الثورة السورية في هذا الشهر عامها العاشر، وما زالت تشكل لنا جميعاً حلماً مستحيل التحقق وخيالاً لن يسمح لنا العالم بالاستمرار فيه وفقاً لمجرى الأحداث، إذ أنهم حاولوا طمسها مراراً وتشويه مبادئها وأهدافها ومن ثم تقديمها إلى العالم بأكثر الصور قباحة.

حريٌّ بنا في مواجهة هذا التشويه المتعمد وبعد هذه السنوات العجاف وكمّ التهم الملصقة بنا، أن نستعيد ذاكرتنا الثورية الطيبة كي نتذكر دائماً ونذكر العالم بهويتنا ونؤكد لهم أننا كنا وما زلنا أصحاب حق. 

وأن نجعل من أهداف الثورة وقيمها وثيقة واضحة في وجه كل من يشكك بأهدافها واتجاهاتها.

لقد شكلت الثورة التي لا يريدون لها نجاحاً ولا يعترفون بأحقيتها، مدرسة نوعية في انفتاح مناصريها على تقبل الآخر، وفي وعيهم السياسي الذي فاجأ العالم على الرغم من العملية الممنهجة لتهميشه خلال عقود من الإيديولوجية المنظمة وحكم الحزب الواحد،  فما كان من مريدي الاستبداد سوى الإمعان في محاولة وأدها والاستمرار في سيناريو تشويهها، وتقديمها إلى العالم ممثلة بأنظمة إجرامية وإرهابية جعلوها تتصدر وتكتستح المشهد الثوري السوري.

الثورة مثل الحياة ليست معصومة ولا يمكنها أن تكون عادلة، لكن علينا أن نتذكر دائماً أننا خرجنا من مدرسة "لافتات كفرنبل" وعلمتنا الديمقراطية والمساواة "كرتونات الزبداني" و"حيطان سراقب" و"هتافات حمص" وشجاعة أهل درعا، ونبل أهل ريف دمشق ونخوة أهل حماة.

قد يفكر الجزء المتشائم منا والمظلم في عقلنا الباطن، أنه من غير الممكن بعد كل هذا الدمار والقتل والتشريد أن تحتفل بآذار ونتغنى بربيعه وكأنه عيد سنوي للفرح.

نعم إنه لأمر مخجل أن نواجه عجزنا عن إنقاذ أبناء جلدتنا، وربما لقد قامرنا جميعاً بسلامنا من أجل غد غير مضمون، لكننا في استمرارنا لوم أنفسنا وعدم توقفنا عن جلد ذواتنا، نجعل من أنفسنا ضحية وجلاد في الوقت نفسه.

هل سنفعل ذلك إذن؟ وهل سنوغل في أن نجعل أنفسنا سبباً لما لم يكن في مقدرتنا وحسباننا أيضاً، وهل سندفع ثمن التمرد الذي اخترناه أو اختارنا في صحوة ما، في حين كان العالم بأسره شريكا في صلبنا والوقوف في مدرجات المتفرجين على أقل تقدير. 

الشيء المؤكد أننا لا نستحق تلك المعاناة واللعنات التي نمطر بها أنفسنا وأقدارنا، وليس من الطبيعي أن نشارك العالم جريمته ونقدم له صك الغفران بعد أن جعلنا قرباناً لأهدافه ومطامعه.

ليس من واجب الشعوب والأنظمة والعالم بأسره ربما مساندتنا والوقوف في صفنا، لكن من حقنا على الأقل أن نطالبهم بالكفّ عن الوقوف في طريقنا ومحاولة عرقلتنا المستمرة.

ربما يرى العالم متوهماً أنه قضى على الثورة وجعل ربيعها شتاء قارس غير منتهٍ، وربما هذا ما نراه من زاوية اليأس والفراغ الذي بات يسكن حلمنا في وطن عادل وديمقراطي، لكن ذلك ليس حقيقياً.

الثورة لم تنتهِ هنا، ونحن لم نتوقف عن الحلم بعد، ما زلنا نخطئ ونصيب، ونحلم ونبكي، مازالت لدى كثير منا القدرة على الرفض وعلى حب الحياة على الرغم من كل صنوف الموت التي جربناها والتي تغوّلت كي تستطيع إنهاء البقية منا وحرق البذرة التي غرسناها قبل تسع سنوات.

ومازالت الثورة تعلمنا كثيراً من الدروس وتقدمنا قرابين حية لآلهة الحلم، ولكنها تختار أقسى الطرق في ذلك وتوغل فينا لتجتث نقاط الضعف المترسبة في أماكن كثيرة من أجسادنا، ثم تخبرنا أننا "باقون وللحلم بقية".

 

 

ملاحظة:

"إنه همس الربيع"

"باقون وللحلم بقية"

هي عبارات مكتوبة على لافتات المظاهرات