أفغانستان.. مراحل تدخل وانسحاب أميركا

2021.08.23 | 07:00 دمشق

1202016222013607.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1979 اجتازت القوات السوفييتية نهر أموداريا (جيحون)، ودخلت إلى أفغانستان لمحاولة تثبيت حكومة ماركسية موالية لها، ولكن سيطرة السوفييت لم تكن مستقرة وجوبهت بمقاومة عنيفة من قوات راديكالية مدعومة من السعودية والولايات المتحدة، وخرجت القوات السوفييتية بعد أن طرأ تغير مهم على عقيدتها الإيديولوجية بمجيء ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة، إلى جانب إنهاك متلاحق طال القوى السوفييتية التي لم تنجح بالسيطرة الكاملة على أفغانستان..

عاشت أفغانستان عدم استقرار ومزيدا من التدهور الأمني حتى اللحظة التي سيطرت فيها طالبان على العاصمة، وكان ظهور طالبان سريعا، وانتشارها في أفغانستان أكثر سرعة، حتى وصلت إلى كابول، وطبقت بعد ذلك نظاما متشددا، فرضَ عليها عزلة دولية ازدادت بعد تحالفها مع القاعدة، وهذه (القاعدة) مزيج من المقاتلين العرب الذين قدموا من مختلف الأقطار لمساندة الجماعات الإسلامية في أفغانستان بهدف مقاومة الوجود السوفييتي، ووجدت نفسها بعد الانتصار تتكتل ضمن فكر متشدد ومنفصل عن طالبان لكنهما يرتبطان بالأفكار ذاتها، استمر الوضع كذلك حتى يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، اليوم الشهير الذي نفذت فيه القاعدة هجمات بالطائرات على مبانٍ مهمة في أميركا، وربما دون علم طالبان.

أعلنت أميركا بقيادة جورج بوش الابن حربا على أفغانستان أرادت بها استئصال التنظيم الذي تطاول على عظمتها السياسية والتجارية، وكان اجتياحا سريعا وحاسما بدأ في السابع من تشرين الأول عام 2001 وانتهى بسقوط قندهار معقل الحركة في السادس من كانون الأول من العام نفسه،  شكل هذان الشهران أول مرحلة من مراحل الوجود الأميركي في أفغانستان، بدأت أميركا بعدها مباشرة محاولة بناء جديد للدولة الأفغانية وتشكيل جيش وشرطة قادرين على إمساك الأمن والدفاع عن المؤسسات، واستمرت هذه المرحلة حتى نهاية عهد الرئيس بوش الذي قام بعملية سمّاها إعادة بناء الدولة وتأكيد هزيمة حركة طالبان وتنظيم القاعدة، ثم سلم مفاتيح البيت الأبيض إلى خلفة باراك أوباما بعد ثماني سنوات شغلت أفغانستان فيها حيزا كبيرا من الاهتمام الأميركي.

كانت استراتيجية أوباما تقضي بزيادة القوات الأميركية في أفغانستان وصد هجمات طالبان المتزايدة ومحاولة دمج المتشددين بالمجتمع الجديد الذي تبنيه الولايات المتحدة وزيادة الاعتماد على الجيش والشرطة الأفغانية لمنع تمدد طالبان، ومحاولة وضع برنامج زمني للانسحاب المبرمج من البلاد وتسليم كل شيء للحكومة والقوات المحلية، ولكن هذه الاستراتيجية لم تنجح وفشلت القوات الأفغانية في التصدي لطالبان، وظهرت هشاشة النظام السياسي الذي وضعته أميركا وكان غارقا في الفساد، واستمر الوضع القلق عسكريا وغير المستقر اجتماعيا حتى العام 2014، حين أعلن أوباما انتهاء الحرب على أفغانستان رسميا، بعد أن سجلت رقما قياسيا من حيث إنها أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها، ولكن ذلك التاريخ لم يعنِ شيئا فما ساد الفترة هو تقاعس الجيش والشرطة في مواجهة طالبان وفساد الحكومة المحلية، وتردد أميركي كبير فيما يجب أن تفعله للمرحلة التالية..

بعد إعلان انتهاء الحرب سحبت أميركا والناتو كثيرا من قواتهما وأبقتا على عدد كاف لدعم الحكومة والجيش المحليين، وأعطى هذا الانحسار مزيدا من الفرص لطالبان كي تتمدد وتفرض وجودها بشكل أوضح دون أن تتمكن من احتلال مناطق واسعة تهدد فيها الوجود الأميركي أو الحكومة التي ترعاها أميركا.. مجيء ترامب إلى السلطة وشعاره "أميركا أولا" عكس رغبته في الانسحاب، وقد أعرب عن ذلك أكثر من مرة ونقل السياسة الأميركية إلى نقطة جديدة بمحاولته الاتصال مع حركة طالبان ذاتها، وقد ذكر جون بولتون الذي شغل منصب مستشار ترامب للأمن القومي فترة قصيرة، بأنه حاول دعوة قادة طالبان إلى كامب ديفيد وتخلى عن الفكرة في نهاية المطاف، ولكنه ظل مؤمنا بجدوى محاورة طالبان.. رحل رئيس الفترة الواحدة الأميركي دون أن يتغير شيء في الجبهة الأفغانية، ووصل إلى البيت الأبيض جو بايدن الذي كان مؤيدا وبشدة لسحب كل القوات من أفغانستان، وعبر عن هذا الموقف منذ أن كان نائبا للرئيس أوباما، وها هو بالفعل ينهي فصلا أميركيا في أفغانستان تميز بمراحل بدأت واضحة الاستراتيجية حتى عام 2014، تلتها مرحلة عدم تعيين تنتهي اليوم بانسحاب سريع للقوات الأميركية، وفراغ ملأته طالبان خلال أيام يمكن أن يثير كثيرا من الأسئلة التي لن تجد لها جوابا..