هل انهار التفاهم الإسرائيلي الروسي  في سوريا؟

2018.09.29 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أوعز المجلس الإسرائيلي الأمني المصغر بعد انتهاء اجتماعه الثلاثاء الماضي، والذي خصص لمناقشة تبعات إسقاط طائرة التجسس الروسية بمضادات النظام الجوية قبالة مدينة اللاذقية ، أوعز إلى جيش الاحتلال بمواصلة منع التموضع الإيراني - الاستراتيجي في سوريا، ومواصلة التنسيق مع جيش الاحتلال الروسي، نفس المواقف عبر عنها نتنياهو قبل سفره لنيويورك، قال في المطار إن إسرائيل ستواصل عملياتها في سوريا لإجهاض التموضع الإيراني وستواصل التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال الروسي، وإنه اتفق شخصياً مع الرئيس الروسي بوتين على أن طواقم العمل المهنية العسكرية الإسرائيلية الروسية ستلتقي قريباً بغية تحقيق غاية تعزيز التنسيق العسكري في سوريا.

مواقف الاحتلال الإسرائيلي وإن بدت حذرة وهادئة تجاه المواقف الروسية التي تتهمها بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة، إلا أنها تبدو مصرة أو حاسمة لجهة الاستمرار في منع تموضع الاحتلال الإيراني واستمرار التنسيق مع الاحتلال الروسي وفق أسس التفاهم الذي تم التوصل بين بوتين ونتنياهو عند بداية الاحتلال الروسى في نهاية أيلول/ سبتمبر 2015. 

حسب صحيفة إسرائيل اليوم فإن التفاهم نص على ألا تسقط إسرائيل شعرة من رأس الأسد مقابل حريتها التامة في قصف وتدمير المواقع الإيرانية - الاستراتيجية في سوريا، إضافة طبعاً إلى عدم استهداف قواعد جيش الاحتلال الروسي، وعدم المسّ بحياة الجنود الروس، وتأسيس آلية تنسيق لعدم تصادم الجيشين في البرّ أو في الجو وفق أسس التفاهم التي تفاهم عليها بوتين ونتنياهو.

الرئيس بوتين اتبع لهجة أهدأ، برأ الدولة العبرية وتحدث عن أخطاء عرضية مأساوية

إسرائيل بدت متفاجئة نوعاً من التصعيد الروسي الثلاثاء قبل الماضي، أي في اليوم التالي لإسقاط الطائرة، ورغم أن جيش الاحتلال الروسي اتهم تل أبيب بالمسؤولية، إلا أن الرئيس بوتين اتبع لهجة أهدأ برأ الدولة العبرية، وتحدث عن أخطاء عرضية مأساوية، وعن حماية القواعد الروسية بشكل ملموس. كما أنه تحدث هاتفياً مع نتنياهو - رفض فعل ذلك مع الأسد - كما وافق على استقبال قائد سلاح الجو الإسرائيلي على رأس وفد أمني كبير للاستماع إلى الرواية الإسرائيلية ومناقشة الحادثة مع نظرائهم الروس.

بعد زيارة الوفد الخميس عادت موسكو إلى روايتها الأولية وقامت بالتصعيد ضد تل أبيب واتخذت عدة خطوات سياسية عسكرية منها غلق الأجواء شرق المتوسط، وإرسال أجهزة للتشويش الإلكتروني على الرادارات والطائرات والأهم كان القرار السياسي العسكري بتسليم النظام منظومة إس. 300 المضادة للطائرات.

المناورات شرق المتوسط تشبه المناورات الموسعة قبل دق طبول معركة إدلب والغرض منها معنوي لاستعادة الهيبة وفرض السطوة والنفوذ، وربما سياسي أيضاً للتغطية على أي تنازل سياسي محتمل. 

طبعاً لا تقل إسرائيل إجراماً عن روسيا، ولا يملك أي من الاحتلالين أي أفضلية أخلاقية أو سياسية على الآخر، ولكن كمتابع وقارىء للإعلام والسياسة في إسرائيل والمنطقة منذ عقود ومتتبع للسياسة الروسية منذ عودتها إلى المنطقة قبل سنوات، لا أشك لحظة أن الرواية الإسرائيلية هي الصحيحة، وأن جوهر الرواية الروسية تجاه إسقاط الطائرة يشبه تماماً الروايات الروسية الأخرى في أوكرانيا القرم الشيشان جورجيا، كما تسميم العميل وابنته في إنجلترا، وحتى استخدام النظام للسلاح الكيميائي في روسيا. 

من الزاوية الإسرائيلية تل أبيب كانت تعتبر التفاهم مع روسيا إنجازا لها، وعملت على أساسه ولا أحد يفكر ولا مصلحة لها أصلاً بنقضه، أو بالتحرش مع روسيا، وكسر هيبتها، وكما يقال في تل أبيب فعلاً فإن واحدة من قواعد العمل في سوريا هي عدم استفزاز الروس، والحفاظ على كنز أو ذخر التفاهم معها القائم طبعاً على المصالح المشتركة.

من هنا فإن التصعيد السياسي الروسي بدا مفاجئا نسبياً، وأعتقد أن له عدة أسباب المركزي منها الشعور بالمهانة بعد إسقاط الطائرة، والرغبة في استعادة الكبرياء المفقود، خاصة بعد إسقاطها بمنظومة روسية ولأسباب سياسية طبعاً، لا تستطيع موسكو تحميل أداتها في قصر المهاجرين المسؤولية، ولم يكن أمامها سوى إسرائيل لفعل ذلك.

في موضوع الهيبة والكرامة ومع تزايد الغارات الإسرائيلية ووصولها إلى المناطق المتاخمة لقواعد الاحتلال الروسي، بدت موسكو محرجة وتشعر بالإهانة، وتصورت أن الفرصة مناسبة للرد على الإسرائيليين؛ وفي السياق محاولة تعديل التفاهم الذي تم التوصل إليه قبل ثلاث سنوات.

في السياق السياسي، لا ينفصل الموضوع أبداً كما مبدأ الاحتلال نفسه عن توتر العلاقات الروسية مع أمريكا والغرب 

في السياق السياسي، لا ينفصل الموضوع أبداً كما مبدأ الاحتلال نفسه عن توتر العلاقات الروسية مع أمريكا والغرب وموسكو أرادت تصعيد أو تضخيم إسقاط الطائرة بما في ذلك قرار تزويد النظام بمنظومة أس. 300  لدفع واشنطن للتدخل، ومحاولة الحصول على ثمن أو أثمان مقابل التهدئة وطيّ الملف، وهو ما حدث فعلاً مع دخول واشنطن على الخط بتصريحات لمستشار الأمن القومي جون بولتون ووزيرالخارجية مايك بومبيو، ثمة أنباء في الصحافة الإسرائيلية عن طلب نتنياهو من الرئيس الأمريكى التدخل، وهو أي نتنياهو قال الأربعاء أنه قدم طلبات لترامب وحصل على دعم وضمانات بهذا الصدد ، علماً أن بومبيو قال إنه سيجد الوقت للقاء نظيره الروسي لافروف على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناقشة عدة ملفات وقضايا منها الملف تحديداً.

سال حبر كثير، وما زال يسال في الصحافة الإسرائيلية عن الأزمة، وثمة قلق من التصعيد الروسي المفاجىء، لكن من وجهة النظر الرسمية أو شبه الرسمية يمكن الحديث عن ثلاثة أمور أساسية: تأكيد على المضي قدماً في منع التموضع الإيراني من جهة، والتمسك بالتفاهمات مع روسيا من جهة أخرى، بموازاة الإصرار طبعاً على صحة الرواية الإسرائيلية تجاه إسقاط الطائرة. 

فهم قرار تزويد النظام بمنظومة أس.300 في سياقه السياسي، وليس العسكري مع تشكيك طبعاً في مهلة الأسبوعين لنشر المنظومة فعلاً، والأمر يحتاج إلى شهور، ويبدو الاحتلال الإسرائيلي واثق من قدرته التقنية على تجاوز المنظومة، كما من القناعة بتلافي موسكو إحراج المهانة مرة أخرى. 

أهم ما كتب عن الموضوع جاء من طرف الجنرال عاموس يديلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابقة والرئيس الحالي لمعهد الأمن القومي بجامعة تل أبيب عبر تغريدات على تويتر، ويمكن اعتبار ما كتبه كتعبير عن حقيقة موقف جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية من الأزمة مع روسيا. 

"يدلين" قال روسيا تعرف جيداً أن إسرائيل تهاجم سوريا فقط بسبب النشاط الإيراني، وليس هناك سبب للمواجهة بين تل أبيب وموسكو، ومع ذلك فإن روسيا تعلم أن إسرائيل يمكنها إسقاط نظام الأسد، ولا تفعل ذلك في ضوء المصالح الروسية، وأضاف "لا يوجد نظام جوي لا يمكن اختراقه، أو حتى تدميره، ومن المهم أن نتذكر أن لدى إسرائيل 35 خطة للعمل في الأنظمة المقابلة من هذا النوع، وأن المهم على المستوى الاستراتيجي هو استمرار الحملة لوقف الاندماج الإيراني في سوريا، مع الحفاظ على علاقة ودية مع روسيا.

الجنرال الإسرائيلى ختم أن ذعر أس. 300 مبالغ فيه، فهي لا تغير التوازن الاستراتيجي، وسأكون مندهشاً إذا تم الالتزام بها في غضون أسبوعين.

في الأخير وباختصار ثمة قلق إسرائيلي من التصعيد الروسي، وهو موجود فى الإعلام أكثر مما هو موجود فى صفوف المؤسسة السياسية الأمنية، التى تشعر بإمكانية تجاوز الأزمة ، والحفاظ على جوهر تفاهم 2015 القائم أصلاً على مصالح مشتركة، ولو مع تحديثات أو تعديلات ولكن الجوهر سيبقى هو نفسه بكل الأحوال لا يمس الاحتلال الإسرائيلي شعرة من رأس الأسد ، ولا يمس  طبعاً بحياة الجنود الروس-وربما هيبة أوسطوة الاحتلال الروسى – بينما تستمر الغارات والهجمات ضد الاحتلال الإيراني ، بغض النظر عن الوسيلة مع العودة إلى سياسة التحفظ وضبط التبجح الإعلامي التي كان معمولا بها سابقاً.