icon
التغطية الحية

عامان على سقوط حلب وقيامة أستانا

2018.12.22 | 20:12 دمشق

ناشطون وصفوا ما جرى في أحياء حلب الشرقية قبل تهجيرها بـ يوم القيامة (أرشيف - إنترنت)
تلفزيون سوريا - سعيد غزّول
+A
حجم الخط
-A

عامان مضيا على سقوط مدينة حلب (أبرز معاقل المعارضة في الشمال السوري)، وذلك بعد ملحمتين شرستين (باشتراك غرفتي عمليات "فتح حلب" و"جيش الفتح") لم تفلحا بإتمام فك الحصار عن المدينة، لينتهي الأمر بـ تهجير فصائلها وعشرات الآلاف مِن سكّانها، وتخلق روسيا - التي فرضت اتفاق التهجير برعاية تركية - مساراً جديداً - للحل السياسي - خارج نطاق جنيف، جرت محادثاته في العاصمة الكازاخية أستانا.

مشاهد عمليات القصف الروسي "الهمجي" على عشرات آلاف المدنيين والعسكريين الذين حوصروا في رقعة جغرافية لا تتجاوز "ستة كيلومترات" ممّا تبقّى مِن أحياء حلب الشرقية، تصدّرت شاشات التلفزة في العالم، وتزامنت مع خروج مظاهرات في عواصم دول عدّة، فيما عقد مجلس الأمن جلسة طارئة لأجلها ولكن - دون جدوى -.

وفي ليلة الـ 22 مِن شهر كانون الأول عام 2016، خرجت آخر قافلة مِن مهجّري مدينة حلب إلى الريف الغربي، وأعلن "نظام الأسد" سيطرته على كامل المدينة، بعد حملة عسكرية "شرسة" شنّها براً - بدعم جوي روسي - على الأحياء الشرقية، بدأت فعلياً يوم الـ 25 مِن شهر تشرين الثاني عام 2016 في حي مساكن هنانو.

 

سقوط حلب

سقوط (حلب) نهاية العام 2016،  فتح الباب على خسائر كبيرة في الأراضي السورية لـ صالح "نظام الأسد"، وشكّل نقطة مفصلية استغلها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لـ يطرح مساره "أستانا"، بالتوازي مع مفاوضات "جنيف" التي ترعاها الأمم المتحدة، وكان "بوتين" يسعى لـ إفشالها، واستطاعت روسيا أن تستدرج الفصائل العسكرية - بعد انتكاستها في حلب - إلى مفاوضات مباشرة معها، قبل أن تجمعهم مع وفود "نظام الأسد" لـ أول مرة في العاصمة الكازاخية.

وبدأت أول جولة مِن محادثات "أستانا"، برعاية الأطراف الثلاثة هم روسيا وإيران (حليفا نظام الأسد) وتركيا (حليف المعارضة)، يوم  23 كانون الثاني 2017 (أي بعد شهر كامل مِن سقوط حلب)، حيث توصّلت الأطراف حينها، إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في سوريا وإنشاء آلية مراقبة لتنفيذه، إضافةً لـ مفاوضات غير مباشرة بين "النظام" و"المعارضة"، مؤكدين على أنه لا يوجد حل عسكري للوضع السوري، قبل أن تتالى الجولات التي تعطي مكاسب لـ"النظام" وتقدّم خسائر لـ المعارضة.

مدير مركز أبحاث برق (الاستشاري محمود إبراهيم) قال لـ تلفزيون سوريا، إن "ما حصل في حلب ليس سقوطا إنما هو أقرب للتسليم، هو تخلّي عن قدرات المقاومة داخل المدينة نتيجة أخطاء عدّة - سواء كانت مقصودة أم غير ذلك - مِن ضمنها عدم السماح للمدنيين بالخروج قبل بدء عملية التهجير الكبرى التي تمّت بين قيادات عسكرية في حلب وقيادات روسية وإيرانية".

وأضاف "إبراهيم"، أن مدينة حلب كانت تمتلك نقاط المقاومة الداخلية، وكانت قادرة على الصمود لـ سنوات عن طريق حجم القدرات القتالية التي كانت تمتلكها بـ عديد المقاتلين في الداخل، وقدرة فصائلها على الالتفاف وضرب قوات النظام التي كانت تحاول صناعة جسور إلى داخل المدينة، إلّا أن ذلك كله لم يكن واضحاً أثناء عمليات المقاومة التي ظهرت في حلب قبل خسارتها، خاصة أن المقاتلين سمحوا لـ "النظام" بفصل مدينة حلب إلى محورين، دون تدخل عملياتي واضح مِن الفصائل يمكن أن يردع قوات النظام من قضم المدينة.

ولفت "إبراهيم" أن معركتي فك الحصار (الأولى والثانية) لم تكن أكثر مِن ردود أفعال غير مدروسة عسكرياً ولا عملياتياً، وافتقدت كل نقاط الاستناد الرئيسية في العمل العسكري، ولم تؤمن انسحاباً تكتيكياً لـ قوات المعارضة المُهاجمة، وأن ما جرى هو عبارة عن مجموعة أخطاء سمّيت بعمليات "كسر الطوق" خسرت فيها الفصائل العديد مِن المقاتلين، قبل أن تقرّر الدخول بالمفاوضات التي انتهت بخسارة أهم موطئ قدم للثورة السورية وكانت مدينة حلب نطاقها الأول.

على الرغمِ مِن أن سقوط مدينة حلب كان انتكاسة عسكرية كبيرة وانكسار معنوي كبير لـ المعارضة السورية التي خسرت أكبر معاقلها الثورية في الشمال السوري، إلّا أن "نظام الأسد" لم يتمكّن مِن تحقيق نصر سياسي تام له فيها أبداً، حتى أن رأس النظام (بشار الأسد) لم يُسمح له بزيارة حلب حتى الآن.


 

قيامة أستانا

الكثير مِن المحللين العسكريين والسياسيين، رأوا أن سقوط حلب شكّل نقلة نوعية في تحديد اتجاهات المعارك والتداعيات العسكرية والسياسية معاً، وأبرز ما كان على الصعيد السياسي ظهور "أستانا" وإلقائها بظلالها على المجريات العسكرية، وخلق ما يُعرف بـ مناطق "خفض التصعيد" (أبرز مخرجات الجولة الرابعة) وخرقها "نظام الأسد" كلها، كما أكّدوا أنه لولا سقوط حلب ما كان هناك "أستانا" أساساً، فيما رأى آخرون أن فكرة "أستانا" كانت مقررة قبل ذلك، ولكن سقوط حلب كان بوابة الدخول إليها.

عن "أستانا" يقول مدير مركز أبحاث برق (محمود إبراهيم)، أن "أستانا" كـ مصطلح سياسي وفكرة كانت مطروحة قبل عمليات تهجير حمص (...) التي قبِلت بها قيادات فصائل المعارضة هناك بشروط مشابهة لِما حصل في مدينة حلب وغيرها وصولاً إلى درعا ضمن "صفقات يمكن القول بأنها مشبوهة" وفقاً لقوله.

لا يمكن أن يحدث شيء في سوريا أو في عموم الشرق الأوسط بدون تدخل أميركي واضح

وحول تبنّي تركيا لـ محادثات "أستانا" (وهي ضامن المعارضة فيها) وأن ذلك ربما يكون نتيجة خلافاتها مع الولايات المتحدة التي تدعم "وحدات حماية الشعب"، وتقاربها مِن روسيا (بعد انقطاع على خليفة إسقاط الطائرة الروسية)، يرى "إبراهيم"، أنه "ليس بالضرورة أن يكون ذلك التبّني ناتجا عن خلافات مع أميركا، وفق يقينه بأنه لا يمكن أن يحدث شيء في سوريا أو في عموم الشرق الأوسط بدون تدخل أميركي واضح، ويكون غالباً بإحدى طريقتين: إما الدفع باتجاه الحدث، أو السكوت عنه، وهذا يعني أن أميركا إن لم تكن راضية عن أستانا ومخرجاتها فإنها صامتة حيال ذلك، وهذا يدل على قبول ضمني منها.

ونوّه "إبراهيم"إلى أنه رغم كل الخسائر التي مُنيت بها المعارضة والمكاسب التي حصل عليها "نظام الأسد"، وتراجع حدة الخطاب الدولي والإقليمي حول مسألة "رحيل الأسد"، وإعادة فكرة تطبيع العلاقات معه، أن كل ذلك لا يمكن أن يعوّم "بشار الأسد"، لأن الأخير يحمل دماء أكثر مِن مليون نصف إنسان وهذا لا يمكن التغاضي عنه لا دولياً ولا إنسانياً.

وتابع مدير مركز أبحاث برق، "الأسد" لن يكون في مستقبل سوريا القريب والقريب جدّاً، لافتاً أنه ربما يستمر "نظام الأسد" بشكل مِن الأشكال ولكن رأس النظام (بشار) والدائرة المحيطة به ستُزال، وغالباً ستكون هذه الإزالة بشكل أو بآخر على طريقة الإطاحة بالزعيم الصربي "سلوبودان ميلوشيفيتش" (اعتقل عام 2001 بجرائم حرب ضد المسلمين في البوسة وأشهر جرائمه مذبحة سربرينتشا، وسُلّم إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، واستمرت محاكمته خمس سنوات قبل أن تنتهي دون حكم بعد وفاته في زنزانته عام 2006).

وأشار "إبراهيم"، إلى أن زيارة رأس النظام السوداني (عمر البشير) مؤخّراً لـ "بشار الأسد" في دمشق ليست إلّا "هرطقة" ودفع باتجاه ضغط نفسي أكبر على مَن تبقّى مِن حاملي فكر الثورة في صفوف المعارضة، وهي محاولة تعويم فاشلة، خاصة أن مَن زار "بشار" هو رئيس مدان بمحكمة دولية ومُطالب باعتقاله، مردفاً عمّا يخص تصريحات بعض الدول العربية في التحضير للتطبيع مع النظام، والتركية التي رأت أنها يمكن أن تتعامل معه في حال أُعيد انتخابه وفق انتخابات ديمقراطية ونزيهة، ليست أكثر مِن رسائل تسير في خضم الارتباك الإقليمي في التعامل مع هذا النظام.


 

لعنة أستانا ما تزال مستمرة

استمر الدعم السياسي الروسي لـ "نظام الأسد" متزامناً مع الدعم العسكري المباشر (الذي بدأ نهاية أيلول عام 2015)، الذي ساعدها في تغيير المسار السياسي للملف السوري بشكل كلّي، وسحبه مِن يد الأمم المتحدة إلى يدها والتحكّم به بشكل مباشر، وخاصة بعد أن تمكّنت مِن إعاقة أي تقدم في الحل السياسي عبر "جنيف" بعد خلق مسار "أستانا" الذي فكّك المعارضة السورية - سياسياً وعسكرياً -، وفرض مناطق "تهدئة" استمر "نظام الأسد" في خرقها، حتّى تمكّن مِن استعادة معظم المناطق السوريّة عبر حملات عسكرية "شرسة" التي انتهت كلّها بفرض عمليات "تسوية" وتهجير. 

خلال العام 2017 عُقدت ثماني جولات مِن المحادثات نتج عنها ما عُرف باتفاقات "خفض التصعيد (تخفيف التوتر)" في مناطق سيطرة الفصائل، فيما عُقدت باقي الجولات (9 - 10 - 11) خلال العام 2018 الجاري، وكانت الجولة التاسعة، في منتصف شهر آذار، وهي أولى جلسات المسار التفاوضي منذ مؤتمر "سوتشي" (الذي دعت إليه روسيا وعقدته أواخر كانون الثاني 2017 في مدينة سوتشي الروسية)، فيما عُقدت الجولة العاشرة مِن محادثات "أستانا" في "سوتشي"، نهاية شهر تموز الماضي، أكّدت خلالها الدول الضامنة على مواصلة الجهود المشتركة لدفع التسوية السياسية في سوريا لبدء عمل اللجنة الدستورية في جنيف بأقرب وقت".

وجاءت الجولة العاشرة متزامنه مع تهديدات لـ"نظام الأسد" بشن عملية عسكرية على محافظة إدلب، قبل أن تُلغى العملية باتفاق "روسي - تركي" جرى في "سوتشي" أيضاً، حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، بينما ركّزت الجولة الـ 11 - جرت يوم 28 تشرين الثاني 2018 - على مناقشة تشكيل "اللجنة الدستورية" والوضع في محافظة إدلب، إلّا أنها فشلت نتيجة الخلاف بين روسيا ودي مستورا (المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا)، وروسيا وإيران بما يتعلق بالثلث الثالث مِن اللجنة المعروف باسم "ثلث المجتمع المدني".

تقزيم الحل في سوريا إلى "لجنة دستورية" تشارك فيها المعارضة (التي أدخلت روسيا في تركيبتها منصات موالية لها وللنظام) بهدف إعادة صياغة دستور جديد

خلال مسيرة جولات "أستانا" التي تحوّلت فيها روسيا إلى راعٍ للمفاوضات بين "نظام الأسد" (حليفها) وبين المعارضة، تزامناً مع ضرب المعارضة سياسياً وعسكرياً وفي كل محفل، والعمل على إبقاء "النظام" واستمراره، فإن روسيا مستمرة - حتى النهاية - في تصفية القضية السورية بشكل كامل على المستوى السياسي - بعد نجاحها إلى حدِّ ما عسكرياً  بتقديم كل الدعم لـ"النظام" -، خاصة مع تقزيم الحل في سوريا إلى "لجنة دستورية" تشارك فيها المعارضة (التي أدخلت روسيا في تركيبتها منصات موالية لها وللنظام)، بهدف إعادة صياغة دستور جديد، ومن ثم إجراء انتخابات "غير مشروطة"، ربما تعيد "الأسد" إلى الحكم مجدّداً، ضاربةً بعرض الحائط كل جرائمه وانتهاكاته - عبر دعمها المُطلق - بحق الشعب السوري.

ولم يبقَ لـ المعارضة السورية بشقّيها السياسي والعسكري - لم يُسيطر عليه نظام الأسد خلال مسار أستانا - إلّا معقلها الأخير (محافظة إدلب) التي ضمّت عشرات آلاف المهجّرين مِن محافظات حمص وحماة ودمشق وريفها، ودرعا، والقنيطرة - هُجّروا كلهم بالتزامن مع مسار أستانا - ولا يوجد ضمان لاستمرار "اتفاق سوتشي" (الموقّع بين تركيا وروسيا حول إدلب) في وقف العملية العسكرية التي هدّد "نظام الأسد" بشنّها على إدلب والمناطق المشمولة بالاتفاق مِن أرياف حلب وحماة واللاذقية، في ظل استمرار "النظام" بخرق الاتفاق عبر القصف المكثّف والمتواصل على تلك المناطق، وإرسال المزيد مِن التعزيزات العسكرية إلى محيطها.

الجدير بالذكر، أنه في حال لم تفلح جهود تركيا مجدّداً مِن منع روسيا في الهجوم على إدلب، خاصة في ظل المساعي التركية للبدء في عملية شرق الفرات ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وبحاجة إلى الحصول على دعم وتأييد روسي لقاء ذلك، فإنه لن يبقَ لـ المعارضة السورية غير البقعة الجغرافية في ريف حلب، التي تمّكنت القوات التركية بالاشتراك مع الجيش الحر خلال عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" مِن السيطرة عليها بشكل كامل، بمعارك ضد تنظيم "الدولة" في العملية الأولى، ومعارك ضد "وحدات حماية الشعب" في العملية الثانية.