إدانة ترامب وتجريم النظام

2019.03.30 | 00:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قد تبدو الأجواء الأمريكية الرسمية مؤاتية أكثر هذه المرة لتلبية المطلب الإسرائيلي الجشع، لمساعدة نتنياهو على الانتصار بالانتخابات الوشيكة، مع أمل أن يتلقى ترامب المقابل من أنصار إسرائيل وداعميها في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، لكن لا بد من التأكيد دائماً على أن انهيار شرعية النظام وتفريطه بالسيادة وجرائمه المشتركة مع إيران وميليشياتها، لا يبرر تجاهل القوانين والمواثيق الدولية، ولا إنكار الحق الحصري للشعب السوري في أرضه وثرواته وحقوقه التي فرّط بها النظام، ولا يملك التنازل عنها كما لا تملك واشنطن بالتأكيد حق إعطائها لمن لا يستحق.

هذه كانت الفقرة الأخيرة من المقال الذي كتبته هنا قبل أسبوعين عن أسباب فتح إسرائيل لملف الجولان مرة أخرى، بعد فترة من الصمت للأسف حصل ما توقعناه، وأشرنا إليه، عن الظروف المؤاتية كي يلبي ترامب مطلب إسرائيل الاعتراف بسيادتها على الهضبة التى تحتلها منفذاً ليس فقط ما رفضته الإدارات السابقة، وإنما ما رفضتهه إدارته نفسها قبل شهور واعتبرته جشعا إسرائيليا ونكرانا للجميل تجاه ما فعلته للدولة العبرية، كما قال حرفياً جيسون غرينبلات المبعوث الأمريكي للمنطقة؛

يجب التذكير طبعاً بسببين رئيسين، بل فى الحقيقة بثلاثة أسباب دعت ترامب لتلبية المطلب الإسرائيلي،  أولها مساعدة نتنياهو في الحملة الانتخابية الصعبة المعقّدة ووضعه الذي يزداد سوءاً مع لائحة اتهام المستشار القضائي ضده بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والكشف عن تفاصيل مسيئة له في قضية الغواصات الألمانية، ثم التصعيد الأخير في غزة الذي أجبره على قطع زيارته لواشنطن، والعودة إلى فلسطين المحتلة، وعجزه عن مواجهة المستوطنين بحقيقة أن لا حلّ عسكري تجاه غزة وحماس، مع سعيه اللئيم لإدامة الانقسام الفلسطيني والانفصال بين غزة والضفة الغربية.

ثلاثة أسباب دعت ترمب لتلبية المطلب الإسرائيلي،  أولها مساعدة نتنياهو في الحملة الانتخابية الصعبة المعقّدة ووضعه الذي يزداد سوءاً مع لائحة اتهام المستشار القضائي ضده بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة

عموماً يريد ترامب رد الجميل من إسرائيل وأصدقائها فى الاستحقاق الرئاسي الأمريكي القادم، تحديداً من القاعدة الإنجيلية الصهيونية المتنفذة الآن في الإدارة والشارع الأمريكي والتي باتت مهمة جداً لنتنياهو، لدرجة التفكير في الابتعاد أو تقليل الاعتماد على منظمة آيباك، حيث لا حاجة لها في وجود ممثلين إنجيليين صهيونيين في الإدارة نفسها مثل نائب الرئيس مايك بينيس ووزير الخارجية مايك بومبيو، وآخرين يعتقدون مع جمهورهم العريض أن دعم نتنياهو وترامب كل لا يتجزأ.

السبب الثالث يتعلق بسعي إدارة ترامب لتغيير القواعد والأسس التي وجهت السياسات الأمريكية تجاه المفاوضات وعملية التسوية بين العرب إسرائيل، إقصاء وإزاحة القرارات والمواثيق الدولية ومعها الملفات الخلافية لصالح الإقرار بالواقع الذي فرضته إسرائيل بالقوة الجبرية والاحتلال العسكري بذريعة الحاجات الأمنية الحيوية لها، وقطع الطريق على أي سياسة مغايرة من قبل الإدارات الأمريكية القادمة، كما قال حرفياً السفير الأمريكي الصهيوني لدى تل أبيب ديفيد فريدمان.

مشهد توقيع ترامب على وثيقة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، بدا لافتاً وتصدره الأركان الثلاثة الصهاينة لصفقة القرن، صهر الرئيس جاريد كوشنير ومبعوثه غرينبلات وسفيره لدى تل أبيب فريدمان، ربما لا يرتبط ملف الجولان مباشرة بصفقة القرن، التي على الأغلب لن تجد طريقها للتنفيذ بشكل رسمي، إلا أن دلالة الرسالة الأهم تتمثل، بكون الذهنية التي عملت وتعمل على صفقة القرن، هى نفسها التى سعت خلف الإقرار الأمريكي باحتلال الجولان، وهي التي تتحكم بالسياسات الأمريكية تجاه القضايا العربية بشكل عام.

في السياق السوري الداخلي مبدئياً ومنهحياً لا يمكن مقاربة ملف الجولان بشكل عام وقرار ترامب الأخير بشكل خاص دون تأكيد أو عرض الحقيقة الساطعة الصحيحة، النظام هو من أضاع الجولان فرّط بها وعجز عن استعادتها خلال عقود تفرغ فيها لتكريس سطوة قبضته الأمنية محتكراً كل ما في البلد، تحديداً السياسة والاقتصاد والدفاع والأمن، محجماً طاقات قدرات الناس من أجل تقوية سلطته هو. ثم خلق ذرائع إضافية لإسرائيل وأمريكا بجرائمه الموصوفة بحق الشعب السوري بعد الثورة، ما أسقط شرعيته، خاصة مع استعانته بميلشيات أجنبية لقمع الثورة وإبقائه قهراً في السلطة، وتسهيل انتشارها الاستعراضي الشكلي في الجولان على الحدود بحجة المقاومة للتغطية على جرائمهم وأهدافهم الحقيقية ضد الثورة والثوار.

ثم خلق ذرائع إضافية لإسرائيل وأمريكا بجرائمه الموصوفة بحق الشعب السوري بعد الثورة، ما أسقط شرعيته، خاصة مع استعانته بميلشيات أجنبية لقمع الثورة وإبقائه قهراً في السلطة

في سياق النظام لا بد من التذكير أن حافظ الأسد كان وزيراً للدفاع عندما سقطت وضاعت الجولان في نكبة حزيران/ يونيو 67، رغم ذلك فقد قام بعدها بترقية نفسه إلى رئيس جمهورية تماهياً مع ذهنية الاستبداد والفساد الحاكمة، بدلاً من الاستقالة والتواري خجلاً في البيت، وحتى المحاكمة، كما يفترض في الأنظمة الديمقراطية وأسس وقواعد الحكم الرشيد.

جاء ردّ فعل نظام الأسد الابن على قرار ترامب منفصماً. فقد تحدث عن تناقضه مع الشرعية والمواثيق والقرارات الدولية وعن نهب ومصادرة الثروات الوطنية، وهي أمور جرائم فعلها هو نفسه ضد الشعب السوري طوال عقود، ثم بشكل دموي أفظع وأوسع بعد ثورة الحرية والكرامة.

ردّ فعل حلفائه في روسيا وإيران لا يقل انفصاماً وتناقضاً، فهم أيضاً تحدثوا عن انتهاك الشرعية والمواثيق الدولية رغم ارتكابهم جرائم موصوفة لدعم النظام ضد إرداة الشعب الثائر. بينما جاء رد فعل حزب الله سياسياً إعلامياً بلاغياً مهادناً، رغم امتلاكه ترسانة أسلحة وصواريخ متعددة المستويات والمدى، وارتكانه عادة إلى الحلّ العسكري العنيف في الداخل والخارج. الحزب تحدث عن خيار المقاومة لتحرير الجولان رغم أن هذه مسؤولية الدولة التي دمّرها حليفه الأسد. ناهيك عن تجيير مقدراتها لصالح العصابة الحاكمة، ثم استخدام الأسلحة التي دفع ثمنها الشعب السوري من عرقه وقُوته لقمع مطالبه العادلة بالحرية الكرامة.

ردود الفعل العربية جاءت مخجلة أيضاً سواء من قبل الأنظمة أو الإطار الرسمي العربي الجامع، ما يمكن اعتباره تأكيدا آخرَ على الردة التي أحدثتها الثورة المضادة وتحكم الفلول بعواصم القرار العربي

ردود الفعل العربية جاءت مخجلة أيضاً سواء من قبل الأنظمة أو الإطار الرسمي العربي الجامع، ما يمكن اعتباره تأكيدا آخر على الردة التي أحدثتها الثورة المضادة وتحكم الفلول بعواصم القرار العربي، هنا يمكن فقط تخيل ردّ الفعل العربي الرسمي والشعبي على قرار ترامب فيما لو بقيت عربة الثورة على السكة الصحيحة في القاهرة؟ وهل كان ليتخذ مثل هذه المواقف أصلاً لولا تأكده من صمت وتواطؤ أنظمة الفلول والثورات المضادة بعد رد فعلها المخجل على اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ردود الفعل الدولية خاصة الأوروبية جاءت جيدة بالعموم عبر رفض القرار والتمسك بالشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة التى تعتبر الجولان أرضا سورية محتلة. هنا بدأ الموقف التركي كالعادة متفرداً قوياً معبراً عن المزاج الشعبي الرافض للسياسات الأمريكية الإسرائيلية وقناعات الحكومة التركية المنسجمة معه، كما مع إيمانها بمصالحها التاريخية مع المحيط العربي، ورفضها الوقائع التى يفرضها الاحتلال الإسرائيلي فى فلسطين وسوريا بشكل غير شرعي، وكان لافتاً حديث الرئيس رجب طيب أردوغان عن الذهاب إلى الأمم المتحدة كما حصل عند الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لرفض القرار وإفراغه من محتواه وجدواه، وقطع الطريق على أي تناغم أو تساوق دولي معه.

فى الأخير لابد من التأكيد كما دائما، على أن جرائم نظام الأسد وسقوط شرعيته، واستعانته بمليشيات أجنبية لقتل الشعب وتشريده وتدمير ثرواته وممتلكاته، ليس مبرراً للقرار الأمريكي بشرعنة الاحتلال الإسرائيلي للجولان، الذى هو ملك الشعب السوري صاحب الحق الحصري فى مقدراته وثرواته، وبالتأكيد فإن ترامب لا يملك الحق حتى يعطيه لمن لا يستحق.