icon
التغطية الحية

3 سنوات على انفجار مرفأ بيروت.. صدمة نفسية وعدالة غائبة لضحاياه سوريين ولبنانيين

2023.08.04 | 12:53 دمشق

انفجار مرفأ بيروت ـ رويترز
مصاب عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ـ رويترز
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

تداولت مواقع عديدة قبل  أكثر من عام بقليل  خبراً يتحدث عن استكمال ممثل الحركة والإثارة "جاكي شان" تصوير فيلمه "Home Operation" على أنقاض حي الحجر الأسود الذي دمرته مقاتلات النظام السوري وحليفه الروسي؛ واليوم على بعد نحو 113 كم متراً من الحي المنكوب تتكرر القصة ذاتها، لكن بتفاصيل مختلفة، بعدما تحوّل انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) في عام 2020 إلى مادة بصرية لفيلم "The Creator"، والذي يصور محاكاة لانفجار نووي مبني على مشهد من انفجار مرفأ بيروت.

أكبر انفجار غير نووي في التاريخ

كانت الساعة تشير إلى ما بعد السادسة بقليل في ذلك اليوم المشؤوم عندما سمع سكان بيروت صوت انفجار صغير ناجم عن اشتعال الألعاب النارية في العنبر رقم 12. كان الجميع منشغلا بالبحث عن سبب صوت الانفجار عندما ارتفعت سحابة دخان فطرية ضخمة من المرفأ غطت سماء بيروت بالسواد، وكانت هذه اللحظات الأخيرة لبيروت التي نعرفها قبل أن يدمرها انفجار كبير، انفجار وصف بأنه أكبر انفجار غير نووي  في التاريخ منذ إلقاء الولايات المتحدة القنبلة الذرية على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية.

انفجار أدى إلى دمار أكثر من نصف المدينة، قاضياً على أحياء بأكملها، وحاصداً أرواح نحو مئتي شخص، ومسجلاً إصابة جسدية لما يزيد على 6 آلاف آخرين، بينما لا يزال الناجون من الانفجار يعانون من صدمات نفسية متعددة.

عنصر بالجيش اللبناني يمر من بين الأنقاض في موقع انفجار يوم الثلاثاء في منطقة الميناء في بيروت.
عنصر بالجيش اللبناني يمر من بين الأنقاض في موقع انفجار الميناء في بيروت ـ رويترز

لم يعلم أحد يومها طبيعة ما جرى، كان من هم خارج لبنان على علم أكثر من سكان بيروت بحجم الكارثة التي ضربت "سويسرا الشرق"، كما يحلو للبعض وصفها. وفجأة، كشفت موجات الاتصالات المتتابعة من خارج بيروت، قبل لبنان، للاطمئنان على من لا يزالون على قيد الحياة عن حجم الكارثة، وبدأت بعدها التقارير الإخبارية تكشف تدريجياً حقيقة الانفجار، إنها نيترات الأمونيوم التي تستخدم كسماد زراعي، ولصناعة المتفجرات أيضاً، في مفارقة مثيرة للسخرية. وخلصت التحقيقات إلى أن 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم كانت مخزنة بشكل عشوائي في العنبر 12 هي سبب المأساة التي أصابت سكان بيروت.

اقرأ أيضا: تقديم "إخبار" للقضاء للتحقيق بارتباط نظام الأسد بانفجار بيروت

لكن ما علاقة حي الحجر الأسود بانفجار مرفأ بيروت؟ قد يبدو السؤال فضولياً لو لم تظهر التحقيقات الاستقصائية أن للنظام السوري علاقة بالشحنة التي وصلت إلى مرفأ بيروت في 2013، بالاشتراك مع حليفه المباشر في لبنان "حزب الله".

من بين هذه التحقيقات التي ظهرت تباعاً، يبرز تحقيق الإعلامي في قناة الجديد "فراس حاطوم"، الذي كشف عن علاقة 3 رجال أعمال سوريين يحملون الجنسية الروسية على صلة برئيس النظام السوري بشار الأسد، وهم على التوالي جورج حسواني ومدلل خوري وشقيقه عماد، والأسماء الثلاثة فرضت عليهم الولايات المتحدة جميعاً عقوبات لدعمهم النظام السوري، وقاموا بعقد صفقة شراء النترات عبر شركات وهمية، كان مقرها لندن قبل أن تلغي تسجيلها في سجل الشركات البريطانية بعد الانفجار.

اليوم، وبعد مرور ثلاثة أعوام كاملة على وقوع الكارثة، لا يبدو أن القضاء اللبناني، بضغط من "الثنائي الشيعي"، معنياً بمتابعة التحقيقات التي ستؤدي إلى محاكمة المسؤولين عن هذه الكارثة. إذ تمارس الطبقة السياسية ضغوطاً كبيرة لعرقلة مجريات التحقيقات، لدرجة أنها على استعداد تام لافتعال أي إشكال عرضي يؤدي إلى مواجهة مسلحة حتى يتم إغلاق ملف التحقيق، منها ما حصل قبل أقل من عامين في اشتباكات الطيونة، التي جاءت على خلفية دعوة "الثنائي الشيعي" أنصاره للتوجه إلى القصر للمطالبة بتنحية القاضي طارق البيطار عن ملف التحقيق.

سوريون ولبنانيون.. من الصدمة النفسية إلى غياب العدالة

اليوم أيضاً، يتذكر الكثير من الذين تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا، ما حصل في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة أعوام، يتذكر معظمهم بألم كبير حجم الكارثة، وما خلفته من صدمة نفسية، ومثل جميع المتضررين لديهم قناعة بأن الطبقة السياسية تعمل بكل قوتها على طمس الحقائق، ومنع تحقيق العدالة لأهالي الضحايا، إلا أنهم على يقين بأن المسؤولين – المرتبطين بالأحزاب السياسية – لديهم القدرة على النجاة من المحاكمة، مثلما استطاعت الطبقة السياسية النجاة سابقاً.

فقد واجه القاضي طارق البيطار الذي تم تعيينه لقيادة التحقيق في شباط (فبراير) 2021 عقبات وتهديدات متزايدة للقيام بعمله، وتعرض لحملة تشويه سمعة على  شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، وفقاً لتقارير أممية، وصلت ذروتها عندما وجه النائب العام اللبناني غسان عويدات اتهامات للبيطار بـ"سوء إدارة التحقيق" مطلع العام الجاري، وأرفقها بأمر الإفراج عن جميع من جرى اعتقالهم بخصوص الانفجار. وما كان واضحاً من القرارين نجاح "الثنائي الشيعي" بمنع استجواب حلفائهما.

انفجار المرفأ.. سوريون تنقذهم "المصادفة"

جميع من تحدثنا إليهم في هذا التقرير، عند عودتهم بالذاكرة إلى تاريخ وقوع الانفجار، قالوا إنه "كان واحداً من أسوأ الأيام التي مرت عليهم". لؤي (اسم مستعار لعامل سوري) يسترجع في شريط ذكرياته كيف ساعدت "شبابيك البيت المفتوحة" على إنقاذه من ضغط الانفجار الذي شعر به سكان جزيرة قبرص على بعد 240 كم من لبنان، ويضيف أن الأضرار كانت خفيفة بسبب موقع المنزل في منطقة الأشرفية. قد تكون الأضرار الجسدية والمادية بسيطة بالنسبة للؤي، لكن ذكريات الانفجار لا تزال تعود إليه كلما سمع صوتاً قوياً، "وقت بسمع صوت خبطة قوي بتسمر بأرضي، وبيصير عندي رجفة بتبقى ربع ساعة. من هداك اليوم، وكل ما بسمع صوت عالي بجفل بمكاني، وبتحول لصنم"، يختم لؤي حديثه بالقول: "صح ما متت أو انصبت بالانفجار.. بس صار عندي عقدة نفسية من الأصوات العالية".

في قصة أخرى من قصص ذلك اليوم، يشكر محمد (اسم مستعار لطباخ سوري) القدر على إنقاذه في ذلك اليوم. ينتهي عمل محمد في الساعة الخامسة من كل يوم، وعلى غير عادته قرر زيارة أصدقائه في برج حمود بدلاً من العودة إلى منزله في ساحة ساسين، يقول في حديثه: "بالعادة بأجل كل زياراتي للمسا.. بس بهداك اليوم قررت أعمل زيارة سريعة". يتذكر محمد ما حصل بجرعة ألم كبيرة "البيت كلو هز، وكان في سحابة دخان سودا كبيرة بالسما، فكرنا علقت الحرب"، لكن الألم الأكبر كان في طريق عودته إلى المنزل عندما شاهد بعينيه حجم الدمار، وحالة الذعر والهلع التي تنعكس على وجوه من شاهدهم في طريق عودته.

يقول: "ما توقعت يكون هيك الدمار، الشوف مو متل الحكي. سيارات مكسرة.. بيوت مهدمة، الناس بالشوارع مصدومة، وسيارات الأسعاف ما كانت تهدى"، ويتابع مضيفاً "كان في رعب وخوف وحزن كبير بالشارع بعدنا منعيشو كل يوم"، لا يخفِ محمد أنه منذ ذلك اليوم دخل في صدمة نفسية يعيشها حتى اليوم. هو مثل الجميع أصبح يعاني من رهاب الأصوات العالية "حتى وقت بسمع صوت تسكير الباب بقوة".

اقرأ أيضا: انفجار مرفأ بيروت.. وضع إنساني أكثر خطورة والسوريون ضحايا للأزمة الجديدة

لا يؤمن معظم اللبنانيين بأن القضاء قادر على تحقيق العدالة لأهالي ضحايا الانفجار، كما ترى مريم (مصممة غرافيك لبنانية) مذكرة باشتباكات الطيونة، وهي تؤكد أن الطبقة السياسية، خاصة "الثنائي الشيعي"، ستستخدم جميع أدواتها لمنع استكمال التحقيق، ومحاكمة المسؤولين عن انفجار المرفأ. تقول موضحة: "منذ وقوع الانفجار تعمل الأحزاب السياسية، من ضمنها [الثنائي الشيعي]، على حرف التحقيق عن مساره الصحيح. التحقيق متوقف منذ فترة طويلة، وهناك ضغوط تتم ممارستها على جمعية أهالي ضحايا مرفأ بيروت حتى يتوقفوا عن التظاهر والمطالبة بالعدالة"، مضيفة بأن الأحزاب السياسية الحاكمة "منذ زمن طويل أصبح لديها المرونة والقدرة على النجاة من جميع المحاكمات، وانفجار المرفأ واحد منها".

انفجار مرفأ بيروت

ووقع انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام 2020، وأسفر عن مقتل 215 شخصاً، وإصابة الآلاف وتدمير مساحات شاسعة من العاصمة اللبنانية بيروت، حيث دمّر الانفجار نحو 77 ألف شقة، وتسبب بإصابة 7 آلاف شخص، وشرد أكثر من 300 ألف آخرين، وبات ما لا يقل عن 80 ألف طفل بلا مأوى، فضلاً عن دمار مادي هائل في صوامع القمح (الوحيدة في البلاد).

وتسببت مئات الأطنان من نترات الأمونيوم، التي تم تفريغها في المرفأ عام 2013، في الانفجار الذي يعدّ من بين أقوى الانفجارات غير النووية المسجلة.

ونفى المسؤولون الذين حاول قاضي التحقيق في وقت سابق استجوابهم ارتكاب أي مخالفات، بمن فيهم  الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر، وقالوا إن القاضي لا يمتلك صلاحية استجوابهم بالنظر لتمتعهم بالحصانة، وتقدموا بشكاوى للقضاء أعاقت عمل قاضي التحقيق، ويذكر أن حزب الله من أبرز المعترضين على التحقيق بحجة "تسييسه".