icon
التغطية الحية

29 هجوماً خلال 2022.. حرب إسرائيل "الأطول" في سوريا منذ 1967

2023.01.01 | 06:34 دمشق

الضربات الإسرائيلية في سوريا خلال عام 2022 (تلفزيون سوريا)
الضربات الإسرائيلية في سوريا خلال عام 2022 (تلفزيون سوريا)
 تلفزيون سوريا ـ خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

شهد العام 2022 تصعيداً دراماتيكياً للضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية باستهداف المطارات المدنية، وكثافة قياسية على غرار السنوات الأخيرة، وتحولت إلى "روتين" متكرر من دون أن تكون هناك مؤشرات لتوقفها أو ردعها.

وتقول تل أبيب التي من النادر أن تعلن مسؤوليتها رسمياً، بأن ضرباتها هي لتعطيل المشروع الإيراني الذي أسسه قاسم سليماني لإنشاء "حزب الله 2" في الجنوب السوري.

رصد موقع "تلفزيون سوريا" تسجيل 29 هجوماً إسرائيلياً داخل الأراضي السورية، 4 منها كانت هجمات مزدوجة، أي المحصلة 33 هجوما، خلال عام 2022، وذلك باستثناء الهجمات التي تتعرض لها منطقة الحدود السورية العراقية.

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، أن المؤسسة الأمنية لم تسمح بنشر العدد الدقيق لهجمات سلاح الجو في سوريا خلال العام المنصرم، مشيرةً إلى أنها بلغت رقماً قياسياً جديداً، مع الترجيح أنها تجاوزت الـ 30 هجوماً.

وقتلت إسرائيل 32 عسكرياً من جنود نظام بشار الأسد و 4 مدنيين، إضافة إلى إصابة 25 عسكرياً و 14 مدنياً، خلال العام المنصرم، وفق ما رصد موقع "تلفزيون سوريا" بالاستناد إلى التقارير التي نشرتها وكالة أنباء النظام "سانا".

في حين تشير تقارير إعلامية إلى أن عدد القتلى أكثر مما يصرح به نظام الأسد عبر "سانا"، الذي يتجنب الاعتراف بوقوع قتلى في صفوف الميليشيات الإيرانية.

يستعرض موقع "تلفزيون سوريا"، في هذا التقرير السنوي، أهم جوانب أطول حرب من طرف واحد تشنها إسرائيل في سوريا منذ عام 1967.

شملت الضربات الإسرائيلية أهدافاً مختلفة موزعة على سبع محافظات، كان أبرزها خلال هذا العام استهداف المطارات المدنية، أسفرت عن خروج أهم مطارين في البلاد عن الخدمة، مطار دمشق الدولي ومطار حلب الدولي.

وجاءت دمشق وريفها، وخاصة مطار دمشق ومحيطه، في مقدمة المناطق الأكثر استهدافاً من قبل إسرائيل خلال 2022، تليها المنطقة الجنوبية ومن ثم الوسطى وطرطوس في الساحل، وفي حلب التي سُجلت فيها ضربتان كانتا من نصيب مطارها الدولي وأخرجته عن الخدمة.

اقتصرت عملية الرصد على توثيق الضربات التي تعلن عنها وكالة أنباء النظام "سانا"، ولا تشمل الضربات التي تتعرض لها منطقة الحدود السورية العراقية في منطقة البوكمال والتي تعرف بـ "الضربات الغامضة"، نظراً لعدم تبني أي جهة المسؤولية، ولكن معظم التقارير الغربية تشير إلى وقوف الولايات المتحدة وإسرائيل وراءها.

باستثناء هجوم واحد على الحدود مع العراق، حيث تبنى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته أفيف كوخافي الهجوم على "الشاحنة رقم 8" من قافلة الصهاريج الإيرانية في البوكمال، الأمر الذي وصفته الصحافة الإسرائيلية بأنه "اعتراف نادر واستثنائي".

وجرت العادة على تسمية "الضربات الغامضة" أو المجهولة لأن وكالة "سانا" لا تعلن عنها ولا تتصدى لها منظومات الدفاع الجوي التابعة لنظام الأسد، كما يحدث عادةً في الغارات الإسرائيلية على امتداد سوريا.

رصد الضربات الإسرائيلية في سوريا خلال 2022 (تلفزيون سوريا)
رصد الضربات الإسرائيلية في سوريا خلال 2022 (تلفزيون سوريا)

 

"المعركة بين الحروب".. أطول حرب إسرائيلية في سوريا

تقول تل أبيب إن ضرباتها في سوريا تستهدف المواقع الإيرانية وشحنات السلاح، وذلك في إطار عملياتها العسكرية التي تطلق عليها اسم "المعركة بين الحروب".

بحسب كوخافي، فإن "المعركة بين الحروب" بدأت في عام 2013، وفي آذار/مارس المقبل سيتم الاحتفال بالذكرى العاشرة لانطلاقها.

تتضمن عمليات متنوعة عسكرية واستخبارية وسايبرانية، وهي جزء من صراع الظل بين تل أبيب وطهران للهيمنة الإقليمية.

تعد الغارات الإسرائيلية المتكررة في سوريا، والتي بلغ متوسط عددها 3 في الشهر، أطول حرب تشنها إسرائيل من طرف واحد في سوريا، استمرت نحو 10 سنوات من دون أن يكون هناك رد أو ردع من قبل النظام لدرجة أنها تحولت إلى فعل روتيني.

منذ حرب حزيران عام 1967، التي يطلق عليها الإسرائيليون تفاخراً حرب "الأيام الستة"، لم تشن إسرائيل حرباً في تاريخها مثل عملياتها العسكرية وغاراتها المتواصلة في سوريا منذ عشر سنوات.

كما تعد سوريا أكثر الساحات التي نفذ فيها الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية خارجية بعد اجتياح لبنان في 1982، بتنسيق مع الروس وضوء أخضر أميركي، وإحجام من النظام وإيران تحت ذريعة "الصبر الاستراتيجي".

رصد الضربات الإسرائيلية في سوريا خلال 2022 (تلفزيون سوريا)
رصد الضربات الإسرائيلية في سوريا خلال 2022 (تلفزيون سوريا)

استراتيجية "شل المطارات"

شهدت الضربات الإسرائيلية في سوريا، خلال 2022، تطوراً جديداً يستهدف المطارات الدولية، لمنع خط تهريب جوي لـ "الحرس الثوري" ينقل معدات تدخل في صناعة الصواريخ ذات الدقة العالية عبر الطائرات المدنية، وفقاً لتقارير إسرائيلية.

من أصل 29 هجوماً كانت 7 منها على مطار دمشق الدولي إضافة إلى الهجمات التي استهدفت المناطق القريبة منه في السيدة زينب والحسينية جنوبي دمشق، وهجومَان على مطار حلب الدولي.

وعلى غير العادة، تبنت إسرائيل رسمياً الهجمات التي استهدفت مطاري دمشق وحلب الدوليين، وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، رام بن باراك، إن استهدف المطارات هي "رسائل تحذير للأسد"، بحسب "يديعوت أحرونوت".

وتهدف استراتيجية "شل المطارات" الدولية في سوريا، إلى قطع طرق الإمداد الجوي للإيرانيين إثر الاستخدام المتزايد للمطارات المدنية في سوريا من قبل الحرس الثوري، وفق التقديرات الأمنية الإسرائيلية.

كما تحاول تل أبيب إيصال رسائل للأسد، عبر استهدافها المنشآت الحيوية مثل المطارات التي تعتبر واجهة البلاد، وفرض عزلة جوية على سوريا عبر تعطيل حركة الملاحة الجوية، للتضييق عليه (الأسد) وإحراج حلفائه الروس للضغط على الإيرانيين.

تمتلك سوريا أربعة مطارات دولية هي، دمشق وحلب، ومطار القامشلي الذي يقع في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أميركياً، والرابع مطار "باسل الأسد الدولي" في اللاذقية المعروف باسم مطار حميميم والذي تحول إلى أكبر قاعدة عسكرية روسية على مياه المتوسط.

في 10 حزيران/يونيو الماضي، أسفر الهجوم الإسرائيلي عن تعطيل مطار دمشق كلياً وتعليق الرحلات الجوية، حينها، وأعلن النظام خروج مهابط الطائرات عن الخدمة، كما تضرر مبنى الصالة الثانية للمطار.

في 31 آب/أغسطس 2022، استهدفت إسرائيل في هجوم مزدوج مطاري حلب ودمشق الدوليين في أقل من ساعة ونصف، أعلن بعدها النظام إغلاق مطار حلب للصيانة.

وبعد ذلك بأسبوع، أعلنت "سانا"، في 6 أيلول/سبتمبر، تعرض المطار الدولي في حلب لهجوم إسرائيلي ما أدى إلى خروجه عن الخدمة نتيجة تدمير مهبط الطائرات بالكامل.

 

لماذا تعطيل مدرجات المطارات؟

أوضح الجنرال الإسرائيلي عاموس يادلين، رئيس شعبة المخابرات العسكرية "آمان" السابق، أن سبب اختيار مدرج المطارات الدولية هو لتجنب المواجهة الجوية مع الطائرات المستهدفة عملاً بـ "آلية منع التصادم" مع موسكو.

وقال يادلين، خلال مقابلة مع "إذاعة يديعوت أحرونوت"، في 7 أيلول/سبتمبر، إن إسرائيل حريصة على عدم حدوث تصادم مع الطائرات الروسية في الجو خلال ضرباتها، لمنع تكرار حادثة سقوط الطائرة الروسية في 2018.

وأضاف الجنرال الإسرائيلي، كان من الأفضل مهاجمة مدرج المطارات حتى لا تهبط الطائرات، وتعطيل حركة هبوط الشحنات الإيرانية بشكل استباقي.

 

أبرز النقاط في الضربات الإسرائيلية داخل سوريا خلال 2022

الوتيرة: بلغ معدل الهجمات نحو 3 شهرياً، وحافظت على وتيرة شبيهة بالسنة السابقة، ولم يخلُ شهر من هجوم واحد على الأقل، وأحياناً سجلت 4 ضربات شهرياً.

التوزع الجغرافي: شهدت دمشق وريفها نحو 17 هجوما أي نحو 52% من مجمل الضربات الإسرائيلية 7 منها كانت على مطار دمشق الدولي، وفي المرتبة الثانية جاءت المنطقة الجنوبية؛ بلدات الريف الشمالي والغربي للقنيطرة بمعدل 5 هجمات، ومن ثم المنطقة الوسطى بـ 5 هجمات، وهجومان في منطقة الساحل، وهجومان أيضاً على مطار حلب الدولي.

الإعلان والتبني: وكالة أنباء النظام "سانا" هي من تذيع خبر وقوع الهجوم الإسرائيلي، وإسرائيل كعادتها لا تعلن رسمياً مسؤوليتها، واللافت أن إيران باعتبارها مستهدفة تبقى صامتة.

كما يلاحظ هذا العام انخفاض مستوى الاعتراض وبيانات الإدانة من قبل الروس على الهجمات الإسرائيلية لانشغالهم بالحرب في أوكرانيا.

الأهداف: أماكن الاستهداف كانت مواقع عسكرية تابعة لنظام الأسد يستخدمها الإيرانيون و"حزب الله"، أبرزها مطار دمشق ومطار حلب، خلافاً لضربات الـ 2021 التي تركزت على الموانئ البحرية في اللاذقية وطرطوس.

كما شملت الأهداف شحنات الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى لبنان في القلمون وقدسيا، إضافة إلى المناطق الجنوبية للعاصمة مراكز تجمع الميليشيات الإيرانية، في حين استمر استهداف مواقع في محيط القنيطرة بما يُعرف بـ "حرب الجنوب".

 

التوقيت: من أصل 29 هجوماً كان هناك هجوم واحد في وضح النهار، أما الغالبية كما جرت العادة تحدث في ساعات ما بعد منتصف الليل.

التكتيك: اتبعت إسرائيل تكتيكين بارزين هما الغارة الجوية والقصف الصاروخي البري، الأول تشنه طائرات "F-15" و "F-16” وأحياناً المروحيات والطيران الاستطلاعي لرمي مناشير تحذيرية على المنطقة الجنوبية.

والتكتيك الثاني هو إطلاق صواريخ أرض- أرض، استخدمته إسرائيل 5 مرات على المنطقة الجنوبية، وف حالتين استخدمت نيران المدفعية على الأهداف القريبة من الحدود.

وحالة وحيدة سُجل فيها استخدام صاروخ موجه اغتالت فيه فريد فؤاد مصطفى، في بلدة الحضر بريف القنيطرة، في 6 تموز/يوليو الماضي.

الرد: دائماً كانت "سانا" تبلغ عن رد شكلي تعلن فيه تشغيل منظومات الدفاع الجوية التابعة للنظام (روسية الصنع) للتصدي للغارات، عدا الغارات التي تستهدف المناطق التي تقع تحت نطاق التشغيل العسكري لقوات الحرس الثوري الإيراني كما في الجولان والبوكمال.

السياق السياسي والدولي: لم تتأثر الضربات الإسرائيلية بالحرب الروسية في أوكرانيا على الرغم من تزايد التوتر بين بوتين وإسرائيل وعدم رضاه عن موقف الأخيرة من الحرب.

وأكدت مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن روسيا لم تضر بأي شكل من الأشكال بحرية إسرائيل في العمل ولم تمنع قط أي هجوم إسرائيلي على سوريا، بحسب "إذاعة الجيش الإسرائيلي".

كما أن الضربات لم تتأثر بالأزمة السياسية داخل إسرائيل بعد سقوط حكومة بينيت-لابيد، وكانت إسرائيل منذ منتصف العام المنصرم تدار من قبل حكومة تصريف أعمال بقيادة يائير لابيد وتستعد للانتخابات، التي حسمها نتنياهو الذي أعلن عن حكومته "اليمينية" قبل نهاية العام بثلاث أيام.

كل المؤشرات مع صعود اليمين الفاشي في إسرائيل تذهب إلى استمرار الضربات في العام الجديد، لا سيما أن هذه الحرب (المعركة بين الحروب) بدأت في عهد حكومات نتنياهو السابقة.

 

للاطلاع على سلسلة الضربات الإسرائيلية في سوريا خلال عام 2022، يمكن الضغط هنا.

 

لمحة تاريخية عن الضربات الإسرائيلية داخل سوريا

لم تقتصر الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية على ضرب الوجود الإيراني في سوريا، كما يحدث في "المعركة بين الحروب" بعد عام 2013.

قبل اندلاع الثورة والاحتجاجات في سوريا كانت الضربات الإسرائيلية أمراً مألوفاً، كان الهدف منها منع الأسد من امتلاك ترسانة نووية أو كيماوية، إضافة لوقف دعمه لـ "حماس" وحسن نصر الله.

لكن بعد 2011، اتخذت الضربات الإسرائيلية طابعاً جديداً، تؤكد إسرائيل مراراً أن الهدف ليس زعزعة نظام الأسد وإنما استهداف التموضع الإيراني على حدودها الشمالية.

أهم الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية بعد عام 2011:

في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر2012 إسرائيل تطلق نيران مدفعية باتجاه سوريا رداً على سقوط قذيفة على الجولان المحتل، وذلك بعد يوم من إطلاقها "أعيرة تحذيرية" على قذيفة مماثلة في أول قصف من نوعه منذ 1974.

أما أول غارة إسرائيلية في سوريا بعد الثورة فيعود تاريخها إلى 30 كانون الثاني/ ينار 2013، استهدفت مركز الأبحاث الأسلحة الجرثومية والكيميائية في موقع "جمرايا" خلف جبل قاسيون بدمشق.

وفي أيار/مايو من العام ذاته، استهدفت غارة إسرائيلية مجدداً ذات الموقع، أسفرت عن مقتل 42 عنصراً من قوات الأسد.

وبعدها شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية داخل الأراضي السورية مستهدفة شحنات أسلحة لحزب الله وأهدافاً إيرانية، من أبرزها غارة قتلت القيادي في حزب الله سمير القنطار، الأسير السابق لدى إسرائيل، في 19 كانون الأول/ديسمبر 2015 بدمشق.

وبعد 2018 أخذت "المعركة بين الحروب" منحى يشبه الحرب لطرد إيران، بعد حادثة إطلاق الحرس الثوري طائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، في 10 شباط/فبراير من ذلك العام، والتي شكلت نقطة تحول في التصعيد الإسرائيلي.

وقتها، وعلى الرغم من اعتراض إسرائيل للمسيرة الإيرانية وإسقاطها من دون حدوث خسائر أو أضرار، إلا أنها ردت بإرسال أربع طائرات لشن عدة غارات على أهداف سورية وإيرانية أوقعت خسائر، ويذكر أن إحدى الطائرات المهاجمة أسقطت.

كادت تلك الحادثة أن تشعل حرباً بين تل أبيب وطهران، ولكنها لم تحدث لعدم رغبة الطرفين بخوض مواجهة مباشرة، وإنما أفضت إلى تكثيف إسرائيل ضرباتها الجوية على أهداف إيرانية في عموم سوريا وليس فقط في منطقة الجنوب، بشكل متواتر ومنتظم.

في غضون ذلك، حافظت تل أبيب على تنسيق عالي المستوى مع موسكو، وفتحت غرفة عمليات مباشرة للتنسيق مع قاعدة حميميم "الروسية" ولمنع التصادم، وبالفعل امتنعت موسكو عن التدخل في الصراع العسكري الإسرائيلي الإيراني في سوريا.

وبحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية، تجاوز عدد الهجمات الإسرائيلية المئات في سوريا، جزء منها معلن وجزء كبير منها عمليات سرية وسايبرانية وليس فقط أعمال عسكرية.

ومن أبرز المواقع التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية، هي المنافذ الجوية والبحرية والطرق البرية والقواعد العسكرية من المطارات العسكرية والمدنية والموانئ البحرية و"الكاريدور" الإيراني على امتداد الجغرافيا السورية.