icon
التغطية الحية

الخطف يتصاعد في درعا من جديد.. ما دور النظام السوري والجماعات المرتبطة به؟

2023.09.09 | 11:41 دمشق

عناصر من قوات النظام السوري في درعا ـ رويترز
عناصر من قوات النظام السوري في درعا ـ رويترز
درعا ـ أيمن أبو نقطة
+A
حجم الخط
-A

بعد أكثر من خمس سنوات على سيطرة النظام السوري وحلفائه على محافظة درعا، جنوبي سوريا، لا تكاد تتوقف عمليات الخطف وابتزاز السكان، وسط حالة من القلق وعدم الاستقرار وخوف من تنامي ظاهرة الخطف وتحوّلها إلى ظاهرة عامة.

ويعود ازدياد حوادث الخطف  للفلتان الأمني وغياب الأمن الذي تشهده معظم مناطق درعا، وسط ارتفاع ملحوظ في عمليات الخطف سجلتها شبكات إعلامية وحقوقية في المنطقة.

ولا تسلم أي فئة من تلك العمليات، إذ سجل اختطاف عشرات الأطفال وبعض النساء وآخرين من الكوادر الطبية في محافظة درعا، منذ سيطرة النظام عام 2018 الأمر الذي لم تشهده المحافظة عندما كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة قبيل اتفاق التسوية.

اختطاف أطفال ومسنين في درعا

في الثالث من أيلول الجاري، اختطف مسلّحون الطفل علي خلدون جمال الأسعد (5 سنوات) من أمام منزله في حي ذنيبة بمدينة إزرع شمال شرق درعا، و اقتادوه إلى جهة مجهولة.

وتعتبر مدينة إزرع من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بشكل فعلي، إذ تنتشر فروع تابعة لأجهزة النظام الأمنية، وميليشيات محلية مدعومة من تلك الأجهزة، بعضها يتلقى دعماً وتمويلاً من ميليشيا حزب الله اللبناني.

ومن أبرز الميليشيات المنتشرة في مدينة إزرع، تلك التي يتزعمها المدعو حسام القباطي المتهم بعمليات خطف واعتقال واغتيال لصالح جهاز الأمن العسكري، لاسيما عمله في تجارة وتهريب المخدرات لصالح ميليشيا حزب الله.

في آب الفائت سجّل مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" المحلي، اختطاف 11 شخصا، بينهم 3 أطباء ومهندس، في محافظة درعا.

وبحسب المكتب فإن أحد المخطوفين رجلا طاعنا في السن، مختار قرية كحيل شرقي درعا، قتل في ظروف غامضة بعد اختطافه بنحو شهر، في حين أفرج خاطفون عن شخص بعد دفع ذويه فدية مالية للجهة الخاطفة، وبقي 9 أشخاص في عداد المخطوفين حتى الآن.

ومن بين المخطوفين خلال الشهر الفائت، الشاب الطبيب "محمد أمجد الزعبي" من مدينة طفس، اختطف في أثناء محاولته التوجه إلى مزرعتهم الواقعة جنوبي مدينة طفس، بعدها بيوم ورد اتصال هاتفي لوالد الزعبي من العصابة الخاطفة طلبت مبلغًا ماليًا قدره 100 ألف دولار مقابل الإفراج عنه، ثم خفّضوا المبلغ لـ 75 ألف دولار أميركي.

النظام السوري متورط

قال مدير مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران، المحامي عاصم الزعبي، إنه من الملاحظ أن عمليات الخطف خاصة بالنسبة للأطفال تتم في مناطق سيطرة النظام، فعملية الخطف الشهيرة سابقاً للطفل من عائلة القطيفان تمت بهذه المناطق وطريقة الإفراج عن المخطوفين تتم بطريقة درامية معدة بشكل مسبق.

يضيف الزعبي "ذات الأمر يشابه حادثة الطفل المخطوف حاليا في ازرع، ومعروف أن ازرع تعتبر مربعا أمنيا أهم من مدينة درعا مركز المحافظة ولا توجد فيها إلا قوات النظام والميليشيات الإيرانية إضافة لوجود روسي محدود".

وتابع "أيضا هناك خطف في بقية المناطق يتم من قبل مجموعات مسلحة أوجدها النظام في الأصل أو كانت تتبع للمعارضة ولاحقا انضمت للنظام".

"يمكن القول بأن هناك مجموعات تابعة للأجهزة الأمنية وخاصة المخابرات الجوية تقوم بعمليات خطف من خلال استدراج الضحايا، توجد بعضها في منطقة اللجاة كما هي حادثة الخطف الأخيرة التي جرت هناك" بحسب الزعبي.

وقال مصدر محلي فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لموقع "تلفزيون سوريا" إن عاطف الطربوش الملقب (أبو فلاح) من الطائفة المسيحية، من أبناء بلدة نامر شرقي درعا، تعرض لعملية خطف من قبل مجموعة أشخاص من عشائر البدو، في 25 من آب الفائت، وذلك بعد استدراجه من قبل امرأة إلى منطقة تبعد نحو 3 كم عن مجمع الغزالي القريب من قرية قرفا، والذي يعد مقراً للمخابرات الجوية.

وأشار إلى أن الأشخاص الذين نفذوا عملية الخطف يحملون بطاقات أمنية من قسم المخابرات الجوية بدرعا، وطالبوا ذوي الطربوش بدفع فدية مالية قدرها 500 ألف دولار أميركي مقابل إطلاق سراحه.

وبحسب المصدر فإن دورية تتبع للواء الثامن داهمت المكان الذي استُدرج إليه الطربوش واعتقلت المرأة ومعها 3 أشخاص، وبعد التحقيق معهم اعترفوا بعملية اختطاف الطربوش الذي مازال مختطفاً ويطالب خاطفوه بدفع الفدية المالية مقابل الإفراج عنه.

المصدر يؤكد مسؤولية ضباط من النظام السوري عن عمليات خطف تحصل في محافظة درعا، ويشير في حديثه إلى تسجيل 9 حوادث خطف وسلب أموال ومواد عينية بالقرب من مقر المخابرات الجوية الواقع داخل مجمع الغزالي، منذ مطلع العام الجاري.

ويضيف أن معظم عمليات تبادل المخطوفين بمبالغ مالية طائلة تحصل ضمن مواقع مسيطر عليها فعلياً من قبل قوات النظام قرب حواجز عسكرية وحواجز مؤقتة "طيّارة" وطرق إمداد خاصة بالنظام، يتركز بعضها بين مدينتي الشيخ مسكين ونوى، ومدينتي ازرع والشيخ مسكين.

من جانبه بيّن "أحمد المصري" (37 عاما) من سكان درعا أن كثيرا من عمليات الخطف تحصل على مرأى من حواجز النظام المنتشرة بكثرة في أرياف المحافظة الأمر الذي يؤكد وجود تعاون كبير بين تلك الحواجز والمجموعات المسلّحة التي تتلقى دعمها من النظام.

وحمّل المصري مسؤولية ما يجري للنظام "لكونه المسيطر على المحافظة ويمثل السلطة فيها ولا يقوم بأي إجراءات لمنع ذلك".

واستدرك المصري "فروع النظام الأمنية تدعم المجموعات المرتبطة بها والتي في نهاية الأمر تسعى لأهداف مادية في ظل الفوضى الحاصلة في عموم سوريا وسط الوضع الاقتصادي المنهار".

وفي مدينة طفس غربي درعا، تعمل مجموعة "عبد الناصر كيوان" الملقب بـ (عبود الشلبك) على تنفيذ عمليات خطف وسلب من أصحاب الأموال بعد استدراجهم إلى طرقات فرعية في محيط المدينة.

وترتبط مجموعة الشلبك بجهاز المخابرات الجوية في مدينة درعا، ويملك عناصر المجموعة بطاقات أمنية صادرة عن ذات الجهاز، إضافة لامتلاكهم أسلحة فردية خفيفة.

تجارة المخدرات والاختطاف في درعا

بدوره، يؤكد المحامي الزعبي أن عمليات الخطف بشكل عام هدفها مادي وهو الحصول على فدية مالية من ذوي المخطوفين، وتعتمد عصابات الخطف في معظم الأحيان على طلب الفدية بالدولار الأميركي بالرغم من عدم توفره بعد منع النظام التعامل بغير الليرة السورية.

ويتفق الصحفي يوسف المصلح من درعا مع الزعبي، إذ يشير إلى "ارتفاع ملحوظ بوتيرة عمليات الخطف مقابل الفدية المالية لعدة أسباب أهمها انتشار المخدرات بشكل كبير في المحافظة وانتشار عصابات تقوم بعمليات الخطف وطلب الفدية لتأمين الأموال اللازمة لشراء المخدرات والاتجار بها".

ولفت المصلح إلى "وجود عشرات المجموعات المسلحة التي تتعامل مع النظام ويغض النظر عنها ويسمح لها بالقيام في عمليات الخطف بهدف تمويل نفسها مقابل تنفيذ عمليات أمنية لصالحه في المحافظة".

ولم يستبعد المصلح أن تلعب البطالة وانتشار السلاح دوراً في تنامي ظاهرة الخطف، بالإضافة لعدم وجود جهات شرطية أو لجان عشائرية وظيفتها ضبط الأمن وملاحقة الجناة، مبيناً أن الجهود المبذولة محلياً في ملاحقة عصابات الخطف هي جهود مجتمعية في الغالب.

إلى جانب ذلك انتشرت عمليات ابتزاز خطيرة لإرهاب الأطباء وميسوري الحال من خلال رسائل نصية أو ورقية يطلب من خلالها مبالغ مالية باهظة، تحت عنوان "ادفع تسلم"، وهذه العمليات انتشرت مؤخراً في مدينة نوى، أكبر مدن محافظة درعا.

يشير الزعبي إلى أن مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" سجّل وجود مجموعتين في مدينة نوى، جل عناصرها من أبناء المدينة، إحداهما مرتبطة بشعبة المخابرات العسكرية "سرية المداهمة 215" والأخرى بفرع أمن الدولة، ويتركز عملها في عمليات الخطف والاغتيال وتجارة المخدرات.

ويُعرف عن عناصر هاتين المجموعتين حيازتهم لبطاقات أمنية تتيح لهم سهولة التنقل والحركة عبر حواجز النظام، إضافة لتسلّمهم بنادق آلية ودراجات نارية بهدف تأمين الطرقات الفرعية لحظة تنفيذ عمليات الخطف أو الاغتيال.

وسبق أن تمكنت مجموعة محلية معارضة في مدينة نوى من إلقاء القبض على عناصر من المجموعة المرتبطة بفرع أمن الدولة، اعترفوا بتلقيهم تعليمات من مسؤول مفرزة أمن الدولة في مدينة نوى سابقًا المساعد نبيل محمد الديري الملقب بـ (أبو ميسم) المنحدر من مدينة الشيخ مسكين، والمساعد "محمد أبو حيدرة" المنحدر من مدينة تلكلخ بمحافظة حمص.

"اعترف العناصر بعمليات مراقبة أشخاص في مدينة نوى وإرسال معلومات عنهم للمساعد محمد أبو حيدرة ليقوم الأخير بتفعيل أرقام خارجية ويتواصل مع الضحايا وتهديدهم باسم أبو خالد الفلسطيني من تنظيم داعش من أجل دفع مبالغ مالية ضخمة مقابل عدم التعرض لهم، بحجة أنهم مطلوبون للتنظيم" وفق حديث المحامي عاصم الزعبي.

وبحسب الزعبي فإن أحد الأشخاص في مدينة نوى تعرض لعملية ابتزاز من قبل شخص عرّف نفسه باسم "أبو خالد الفلسطيني" من تنظيم الدولة، هدده بمداهمة منزله واختطاف ابنه أو دفع مبلغ مالي قدره 15 مليون ليرة سوري.

وفي كثير من الأحيان لا يتمكن ذوو المخطوفين من دفع الفدية المالية، الأمر الذي يدفعهم لإطلاق مناشدات إنسانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتخوّف الأهالي من تحول ظاهرة الخطف إلى ظاهرة عامة بعد دفع الأموال لعصابات الخطف.

71 حادثة خطف موثقة

خلال العام المنصرم 2022 سجل مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران 71 حادثة خطف في عموم محافظة درعا، من بينهم 3 أطفال و 3 سيدات و طبيبان، في حين لا يزال مصير الطفلة سلام حسن الخلف، المختطفة من بلدة الطيبة منذ 10 آذار 2020 مجهولاً حتى اليوم.

وكان أبرز حوادث الخطف، حادثة الطفل فواز القطيفان (8 أعوام) الذي طلب خاطفوه فدية مالية قدرها 140 ألف دولار قبل أن يفرجوا عنه في شباط 2022.

ويشير التجمع إلى أن معظم حوادث الخطف الموثقة خلال العام الفائت كانت بهدف الحصول على فدية مالية، وبعضها لأسباب انتقامية وعمليات خطف متبادلة بين طرفين.

تتواصل عمليات الخطف في محافظة درعا دون حسيب ولا رقيب ولا حتى رادع لتلك العصابات المحمية من قبل أجهزة النظام الأمنية التي لو أرادت ضبط الأمن لفعلت ذلك، ما يؤكد انتفاع ضباط تلك الأجهزة من تلك العمليات بأموال باهظة في كثير من الأحيان.