icon
التغطية الحية

يريده أردوغان.. لماذا محمد شيمشك شخصية مهمة للاقتصاد التركي؟

2023.05.31 | 17:14 دمشق

يريده أردوغان.. لماذا محمد شيمشك شخصية مهمة للاقتصاد التركي؟
الرئيس أردوغان ومحمد شيمشك
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

بعد طي صفحة الانتخابات التركية، والبدء من جديد في صياغة شكل الحكومة الجديدة للسنوات الخمس المقبلة في إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان، يأتي في مقدمة ما يشغل الشعب التركي، هو ملف الاقتصاد، ومن الذي سيستلم دفته؟ خصوصاً مع حجم التضخم الآخذ بالازدياد وانهيار قيمة الليرة التركية لأدنى مستوياتها.

يعد محمد شيمشك واحداً من أبرز الشخصيات الاقتصادية التركية التي تسلّمت حقيبة الاقتصاد لفترة مهمة من تاريخ البلاد، تحت ظل حزب العدالة والتنمية، وبقي اسمه مطروحاً في كواليس السياسية التركية مع التراجع الكبير الذي حصل لليرة التركية بعد عام 2021.

قاد شيمشك وزارة المالية التركية بين عامي 2009 و2015 في الفترة الذهبية تقريباً للاقتصاد التركي، خصوصاً بما يتعلق بالعملة الوطنية والوضع الاقتصادي العام، قبل أن يتغير الوضع بشكل كبير بعد الانقلاب العسكري الفاشل والتداعيات المترتبة عليه، وما بعد ذلك من أزمة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، والأزمة الاقتصادية العالمية.

هل يكون محمد شيمشك وزيراً من جديد؟

مع فوز الرئيس أردوغان بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، أكّد في خطاب "النصر" في 28 أيار، على أن البرنامج الأهم للحكومة الجديدة هو الاقتصاد وخفض نسب التضخم لأدنى المستويات مع الاحتفاظ بأسعار فائدة منخفضة أيضاً.

وبعد أقل من 24 ساعة التقى الرئيس أردوغان مع قيصر الاقتصاد السابق محمد شيمشك يوم الإثنين الماضي، بحسب صحيفة "صباح" التركية.

وكانت بعض التقارير أشارت قبل انتخابات 14 أيار، إلى احتمال ضم شيمشك إلى الحكومة الجديدة بعد حسم المعركة لصالح العدالة والتنمية.

وتحدث إبراهيم قالن الناطق باسم الرئاسة مؤخراً عن الشائعات المتعلقة بتعيين الوزير السابق شيمشك في الحكومة الجديدة، قائلاً إن شيمشك "أعرب عن دعمه غير المباشر لهذه العملية وسيواصل المضي قدماً".

شيمشك كان قد صرح في آذار الماضي بأنه غير مهتم بالعودة إلى العمل السياسي، لكن بعد لقائه مع الرئيس أردوغان (قبيل الانتخابات) قال إنه مستعد لتقديم الدعم اللازم. وكتب على تويتر "بسبب عملي في المؤسسات المالية الأجنبية، لا أفكر في الانخراط في السياسة النشطة".

ويبدو أن العلاقة الشخصية التي جمعت بين محمد شيمشك والرئيس أردوغان، جعلت الأول وفياً للرئيس حيث لم تخرج له أي تصريحات ناقدة للوضع الاقتصادي في البلاد، وعقد معه عدة لقاءات بعد تركه للمنصب.

عبد القادر سلفي، الصحفي المقرب من الحزب الحاكم، قال إن أردوغان التقى مع شيمشك، وسط رغبة من الرئيس أن يدير الأخير ملف الاقتصاد بهذه الفترة، إلا أن شيمشك اشترط كي يقبل بالمنصب أن يشكل فريقه بنفسه وألا يتدخل أحد في القرارات التي سيتخذها خلال عامين كي يضمن إيصال اقتصاد البلاد إلى بر الأمان. 

ويظل الخلاف بين أردوغان وشيمشاك حول نسبة الفائدة، فبينما يتمسك الأول بضرورة خفضها، يؤكد شيمشك على الحاجة إلى رفع الفائدة عندما تقتضي الضرورة. وحتى الآن لم يتم الفصل في هذا الموضوع بين الرجلين.

ومن بين الاقتصاديين الذين قد يكونوا في إدارة الرئيس الجديدة كل من "جودت يلماز ومصطفى إليتاش وفيدات دميروز، ووزير الخزانة والمالية السابق لطفي ألوان.

محمد شيمشك وأردوغان

ما أهمية محمد شيمشك؟

الأهمية الأساسية لوجود شيشمك في حكومة الرئيس أردوغان هو خبرته الاقتصادية والمالية العالية، وأداؤه الممتاز الذي استمر لأكثر من 11 عاماً في الحكومات السابقة.

الأمر الثاني هي علاقاته الواسعة في المؤسسات المالية العالمية والبنوك الدولية، ما يضمن وجود شخصية لديها علاقات مهمة في مؤسسات دولية مثل "النقد الدولي" و"البنك الدولي" ما قد يساهم في قدوم استثمارات أجنبية أكبر، وتحسين نظرة التصنيفات الائتمانية للاقتصاد التركي.

إلا أن ما قد يعيق شيشمك هو خلافه مع الرئيس بخصوص نسب الفائدة المنخفضة، خصوصاً أن أردوغان يصف نفسه بأنه "عدو للفائدة" بهدف تحفيز النمو الاقتصادي والصادرات والاستثمارات، وهو ما يحصل فعلياً حيث يرتفع النمو بشكل دوري بتركيا، إلا أن نسب التضخم ما زالت في صعود مع تبني سياسة فائدة أقل.

لا شك أن شيمشك قد يطلب شروطاً قبل أن يحصل على منصب وزاري تنفيذي، مثل الصلاحيات الواسعة، ومدة زمنية للحصول على نتائج، إلا أنه قد يصطدم برؤية الرئيس أردوغان الذي قد يمنحه بعضاً من المرونة بالعمل في ظل الوضع الاقتصادي المتردي وتراجع الليرة التركية.

محمد شيمشك

من قرية فقيرة إلى أقوى الشخصيات الاقتصادية في العالم

ولعله من المهم أن نعود بالتاريخ إلى الوراء قليلاً، لنقف على بدايات محمد شيمشك، وكيف ساهمت تلك البدايات في تعزيز موهبته ليغدو واحداً من أهم الاقتصاديين في العالم.

لم تكن السيرة الذاتية لأبرز وزراء المالية في حكومة الرئيس أردوغان، سيرة عادية، فهو قادم من عائلة كردية فقيرة جداً، إذ لم يكن محمد يعرف عن العالم سوى شوارع قريته التي فقد فيها والدته عن عمر 5 سنوات.

يقول شيمشك في تعريفه عن نفسه: "في بعض الأحيان يكون من حسن الحظ أن تبدأ الحياة بالفقر والصعوبات والمتاعب. في بعض الأحيان، قد يكون العيش في منطقة غير متطورة، في فقر ومستحيلات، صراعاً حقيقياً للتغلب على هذه السلبيات ومقاومة الحياة بقوة".

ويضيف: "لا شك أنه هناك تأثير للقُدوات والصُدف المحيطة في تجاوز كثير من الصعوبات وصولاً للنجاح، إلا أنني أعتقد أنه ينبغي أن نفرق بين تكافؤ الفرص والتعليم الجيد المؤهل للجيل والاعتماد على الصدف في تحديد ما نطمح له".

ولد محمد شيمشك عام 1967 في قرية أرجا في منطقة غيرجوش في ولاية باتمان (ذات غالبية كردية) جنوب شرقي تركيا، "حيث يتم الشعور بجميع أنواع المستحيلات كطفل لعائلة كبيرة، من دون كهرباء ومياه ثم مدرسة بعيدة، ثم يصل إلى منصب "الإدارة العليا" في ميريل لينش (إحدى أكبر شركات خدمات التمويل في العالم) ثم يتم إدراجه في قائمة الـ "500 شخص الأكثر نفوذاً في العالم" التي نشرتها فورين بوليسي في نيسان 2013، بعد سنوات من تسلمه وزارة المالية في حكومة الرئيس أردوغان.

كما اختارته مجلة Emerging Markets "أفضل وزير مالية للدول الأوروبية الناشئة".

وتعليقاً على ذلك قال شيمشك: "أنا أعظم دليل على وجود تكافؤ للفرص في هذا البلد (بعد عقود من غيابها)؛ تمكنت من اكتشاف عالم مختلف تماماً بنفسي عن الفرص غير الموجودة"، في قصة شاب قادم من الأناضول إلى موطن الحل والعقد في العاصمة أنقرة.

محمد شيمشك

من أنقرة.. إلى اكتشاف العالم

بعد أن أكمل دراسته الثانوية في باتمان، وجد نفسه فجأة في العاصمة، مما قلب خياله حول فكرة الحرم الجامعي، حيث لم يستطع التخلص من خجله لفترة طويلة؛ وفي أثناء ذلك عاش محمد صدمة ثقافية عن فوارق الحياة بين قريته وأنقرة.

درس في كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة محققاً نجاحاً باهراً بتخرجه الثاني على كليته، حيث أتيحت له الفرصة لمقابلة وجوه من مختلف ألوان جغرافيا الأناضول وصداقات من زخارف ثقافية مختلفة. جعلت فهمه وتصوراته ثرية. لكن لم تتركه صعوبات الحياة في هذه الفترة خصوصاً الاقتصادية منها، كما أنه لم يأخذ فرصته في ممارسة احترافية لكرة القدم حيث كان حلمه الأول.

كان من المستحيل أن ينسى الأوقات التي يصطف فيها على دور الطعام لطلاب الجامعة ووجوه من كانوا على قائمة الانتظار، ما زال يذكر كل أولئك الأصدقاء حتى الآن.

بعد التخرج واصل مسيرته الأكاديمية بالعلوم السياسية، إلا أنه أدرك ضرورة الدراسة خارج تركيا لتحقيق مثله العليا، فاتجه إلى بريطانيا ليتخرج في جامعة إكستر حاصلاً على الماجستير في المالية والاقتصاد عبر منحة حكومية عليه أن يوظف خبراته بردها.

محمد شيمشك

من وظيفة مكتبية إلى "عالم المال"

بعد عودته من لندن بدأ العمل في "Etibank إتي بنك" (مصرف تركي) بوظيفة مدنية بسيطة وروتينية لا تناسب مقدراته، ولم يكن راضيا عنها إلا أنه اضطر للعمل بها مقابل المنحة، ورغم ذلك بدأ البحث عن وظيفة أخرى بالصحف المعنية، وبالصدفة كانت السفارة الأميركية بأنقرة تبحث عن خبير اقتصادي، وباعتباره الشخص الوحيد من بين مئات الطلبات الذي يجيد المطلوب تم قبوله دون أي وسيط.

بدأ العمل في السفارة الأميركية كـ "خبير اقتصادي كبير" بالقسم الذي يحلل الاقتصاد التركي. وخصص كل راتبه تقريباً لدفع أقساط ديون Etibank لمدة خمس سنوات كخدمة إلزامية.

بعد فترة ناجحة قرابة أربع سنوات هنا، حصل على تصريح إقامة في الولايات المتحدة عام 1997. بدأ العمل في قسم تحليل الأسهم في بنك UBS، أحد الممثلين البارزين في وول ستريت بنيويورك.

ومع ذلك، سرعان ما عاد إلى إسطنبول حيث أراد متابعة تركيا والاقتصادات الناشئة. تلقى عرضاً من شركتين أجنبيتين منفصلتين للاستثمار والاستشارات هما Merrill Lynch ميريل لينش وCSFB - بعد أدائه الناجح في العمل الذي بدأه في Deutsche-Bender واستمر لمدة عامين جذب الانتباه في المنصة الدولية. 

باختيار ميريل لينش؛ تولى مسؤولية منطقة البحر الأبيض المتوسط ​التي تضم تركيا، وبدأ العمل في الوحدة التي تقوم بإجراء "التحليل الكلي" لهذه البلدان.

بعد وقت قصير، تم تضمين أوروبا الوسطى وروسيا أيضا في مسؤولياته، وخلال فترة ولايته التقى بعدد كبير من المسؤولين على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء دول المنطقة. وإدراكاً من المؤسسة لعقلية العمل الجادة والصادقة والواعية، عينته ميريل لينش رئيساً لقسم الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية في منطقة أوروبا الناشئة والشرق الأوسط وأفريقيا.

محمد شيمشك

إلى جانب الرئيس أردوغان

بقي 20 عاماً خارج البلاد وحصل على الجنسيتين الأميركية والبريطانية، إلا أن التطور الذي حصل بتركيا بعد قدوم العدالة والتنمية للحكم خصوصاً مع الخطط الإصلاحية والاقتصادية التي عملت عليها الحكومة، ما دفعه للعودة رغم عمله في مؤسسة مالية يبلغ حجمها 4 أضعاف حجم الاقتصاد التركي، مع حياة مالية ناجحة يتمناها أي شخص في مجاله.

تلك السيرة الذاتية المهمة أثارت اهتمام حكومة الرئيس أردوغان الذي رشحته لمنصب حاكم البنك المركزي التركي، وبينما كان يحلم بتحمّل هذا العبء على كتفيه بحماس كبير، لم تتم الموافقة على تعيينه على الرغم من أن هذا التناقض الرهيب تسبب في إحباط معنوياته على المدى القصير، لكنه لم يفقد الثقة.

بعد فترة وجيزة من حادثة البنك المركزي، وجه رئيس الوزراء (حينذاك) رجب طيب أردوغان دعوة إليه قائلاً له "نريدك معنا في المطبخ"، كانت تلك الدعوة ذات قيمة كبيرة لشيمشك لأنه أراد أن يكون له "بصمة اقتصادية" في تركيا الجديدة.

رشحه الرئيس أردوغان للبرلمان عن مدينة غازي عنتاب عام 2007 قائلاً لسكان الولاية: "أتيت لكم بأبي المال، دعوه يخدمكم، دعوه يعمل لأجلكم"، وبالفعل حصل على المعقد.

خدم شيمشك في الحكومات التي أسست تحت رئاسة أردوغان وأحمد داوود أوغلو وبن علي يلدريم. في الانتخابات العامة التركية 2007 و2011 ، وحزيران 2015 وتشرين الثاني 2015، من بينها وزير دولة، ووزير مالية، ونائب رئيس مجلس الوزراء.

بعد تسلمه وزارة المالية، قال عنه أستاذه من كلية العلوم السياسية يحيى سيزاي تيزيل "مهما كان المنصب، فقد حازه بعرقه وجهده وذكائه وشخصيته. إذا بدأ كطفل قروي فقير لا يستطيع التحدث باللغة التركية ولا يجيد القراءة والكتابة وجاء إلى المنصب الذي شغل فيه منصب وزير المالية في جمهورية تركيا. وصل إلى المكان الصحيح بكل جدارة، بتأكيد أن النجاح لا يأتي من المحسوبية".

محمد شيمشك

نهاية المشوار السياسي

في عام 2018، غادر شيمشك منصبه كنائب لرئيس الوزراء، مع تحول النظام البرلماني إلى رئاسي، واختيار الرئيس لحكومة جديدة لم يكن اسمه مطروحاً فيها وقال في كلمة وداع أخيرة: "الناس مؤقتون، والأهم هو خدمة أمتنا الحبيبة. لقد انتهى واجبي كوزير، الذي قمت به بشرف وفخر كبيرين لمدة 11 عاماً. أود أن أعبر عن امتناني لرئيسنا لإعطائي الفرصة لخدمة بلدي وتحقيق إرادة والدي". 

محمد شيمشك

وأضاف "منذ أن دخلت عالم السياسة في عام 2007، حاولت أن أترك إرثاً جيداً ورائي. لقد عملنا ليلاً ونهاراً من أجل بلدنا وأمتنا. أنا اليوم في سلام كامل لتسليم واجباتي بشرف لأصدقاء جدد. من فضلكم سامحوني".

وعاد شيمشك من جديد للعمل مع مؤسسات مالية عالمية متنقلاً بين أبرز العواصم الاقتصادية في العالم.