يا بثينة يا شعبان.. الشعب السوري جوعان

2022.12.04 | 16:28 دمشق

مظاهرات السويداء 2020
+A
حجم الخط
-A

بعد انطلاق انتفاضة الكرامة في درعا وارتقاء شهداء الثورة السورية الأوائل في آذار عام 2011، خرجت بثنية شعبان، مستشارة بشار الأسد، إلى الإعلام مهددة بفتنة ومقتلة طائفية قادمة كمقدمة لتبرير العنف المفرط ضد المحتجين واعدة المواطنين السوريين بمكرمة رئاسية بصرف زيادة على رواتب الموظفين والعاملين بالدولة.

ردة فعل المحتجين، ورغم تلقائيتها، كانت واضحة وحاسمة من خلال تكرار شعار "يا بثينة ويا شعبان.. شعب درعا مو جوعان" أو "الشعب السوري مو جوعان"، والتأكيد على ما يجري هو ثورة كرامة كان شباب درعا أوّل من أطّرها في مطالب سياسية واضحة تبدأ بإطلاق الحريات العامة وإلغاء حالة الطوارئ وهيمنة حزب البعث وتنتهي بإطلاق مسار إصلاحي حقيقي وشامل، نظراً لأنّ الهتافات لم تصل إلى حد إسقاط النظام ذلك الوقت.

حقيقة الأمر أن النظام السوري ومن خلال بعض مظاهر قوته الناعمة التي استثمر بها لعقود، سعى إلى وصم الثورة السورية بأنها "ثورة جياع أو فقراء" أو "ثورة ريفية" أو ثورة أطراف". ظهر ذلك من خلال ظهور عدة مقالات ودراسات لأكاديميين سوريين وعرب مقربين منه استخدمت هذي المسميات وحاولت تعميمها على قوة النظام ووجود حواضن شعبية له خارج مناطق تأييده التقليدية في إشارة إلى المراكز المدينية الكبرى مثل دمشق وحلب.

 

بعد 11 عاماً من درب الآلام السوري، لم يسقط النظام وما زالت رموزه باقية جاثمة على صدور ما تبقى من الشعب السوري في الداخل ولا أفق قريباً للخلاص مع تعقّد المشهد الدولي والإقليمي بعد التدخل الروسي وتعطل كل مساعي التسوية السياسية وغياب الصراع السوري ككل عن دائرة الاهتمام الدولي

لكن العارفين بسياسات النظام وطريقة تعامله مع المجتمع السوري كانوا يدركون أن الهدف الرئيس لمسعى النظام تأطير الحراك الاحتجاجي ضمن مسمى "ثورة الفقراء"، هدفه نزع الصبغة السياسية عنها التي تستهدف شرعيته داخلياً وخارجياً. بكلمات أكثر تفصيلاً، إن ثورة الأطراف، كما هو معروف أكاديمياً ولدى الدول أيضاً، لا تعبّر عن نفسها سلمياً أو ضمن مطالب سياسية، بل بشكل عنفي غير منضبط غايته الانتقام من المركز فقط. وعليه، تصبح مهمة السلطة أولاً وقبل كل شيء، ضبط الأمن ومنع الفوضى والتفرغ لاحقاً لحل المشكلات على المستوى المناطقي لا الوطني.

اليوم، وبعد 11 عاماً من درب الآلام السوري، لم يسقط النظام وما زالت رموزه باقية جاثمة على صدور ما تبقى من الشعب السوري في الداخل ولا أفق قريباً للخلاص مع تعقّد المشهد الدولي والإقليمي بعد التدخل الروسي وتعطل كل مساعي التسوية السياسية وغياب الصراع السوري ككل عن دائرة الاهتمام الدولي.

في ظل هذا الواقع، لا يترك النظام وإعلامه فرصة للتشدق بمقولات الانتصار رغم تشظي البلاد وهجرة سكانها وتبعيتها مباشرة أو عبر مناطق النفوذ لقوى دولية وإقليمية عديدة. لكن المقولات التعبوية تلك لا تجد صدى لها عن المواطن السوري في المناطق التي يسيطر عليها النظام بعد أن بلغ سوء ظروف الحياة وشروطها موضعا لا يمكن وصفه إلى درجة دفعت ما يسمّى الدولة أو الحكومة السورية إلى تعطيل أعمالها، المعطلة أصلاً، بشكل رسمي بسبب نفاد الوقود نهائياً بما في ذلك المرافق الحيوية مثل المخابر والمقاسم والمستشفيات.. إلخ.

في ظل هذا الواقع، لامس الفقر، العوز، الجوع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى أكثر من 90٪ بحسب إحصائيات الأمم المتحدة وبات البقاء على قيد الحياة صعباً أمام انهيار كل شيء بما فيها الدولة التي يتباهى الأسد بالحفاظ عليها.

رغم كل ما جرى ويجري لا يتوانى النظام عن الإمعان في إذلال السوريين والتنكيل ليس بهم مادياً من خلال إسقاط كل آثار فشله على حياتهم اليومية، بل معنوياً ونفسياً أيضاً من خلال استفزازهم بصور يومية من حياة رموزه ومسؤوليه. فعلى سبيل المثال، ظهرت المستشارة العجوز بثينة شعبان في لقاء حواري مع صحفي عماني شارحة نمط حياتها الجميل عبر الغذاء الصحي وممارسة رياضة اليوغا والتأمل والسفر.

وعلى المنوال ذاته، خرجت لونا الشبل، المستشارة الأكثر تصابياً، تدعو السوريين للصمود أمام الفاقة والفقر ناسية أن تزيل علامات البراندات العالمية الكبرى عن ملابسها قبل أن تدعو الأغنياء والمؤثرين للتمتع بالطعام والموسيقا الروسية الجميلة في حفل افتتاح مطعمها الخاص.

في السياق ذاته، تظهر أسماء الأسد كملهم لمستشارات زوجها في اختيار العلامات العالمية والحفلات والبذخ المختلف.

هذا المقال ليس مخصصاً بالتأكيد لمراقبة الناس والتضييق عليهم في نمط حيواتهم أو الحكم عليهم من خلالها، بل لتوصيف نهج إذلال وإمعان يعكف النظام وإعلامه على تنفيذه يومياً، عبّر عنه صراحة وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام عمر سالم، حيث دعا السوريين إلى تحديد سعراتهم الحرارية اليومية للتغلّب على الصعوبات التي خلفتها الحرب.

السويداء اليوم قالت كلاماً مختلفاً، ذهب رجالها إلى مبنى السرايا، انتزعوا صور بشار الأسد ونكّلوا بها، وقالوا بصوت عال: الشعب السوري جوعان، لكنه لا يتخلى عن الكرامة

ضمن السياق ذاته، كان واضحاً حنق السوريين بعد انتشار فيديو لصحفية في جريدة الوطن القريبة من النظام تسأل رجلاً طاعناً في السن عن أكلته المفضلة ساردة عدة أسماء من اليبرق السوري، واللحم، والفروج وغير ذلك من طعام السوريين القديم. نظرة الرجل الدالة وتجاهله الإجابة لم تلتقطها الصحفية الغبية قبيل أن تسيل دمعته مع جملة "الأوضاع صعبة.. الله يفرجها".

أراد الرجل أن يقول إنّ الشعب السوري جوعان وإن الأكلات التي تنطقين بها باتت من الماضي، وإن الناس تتوقّع منكم كف ألسنتكم على الأقل والتوقف عن هذا الإذلال اليومي. دمعة الرجل العزيزة كانت أسلوب مقاومة، لكن السويداء اليوم قالت كلاماً مختلفاً، ذهب رجالها إلى مبنى السرايا، انتزعوا صور بشار الأسد ونكّلوا بها، وقالوا بصوت عال: الشعب السوري جوعان، لكنه لا يتخلى عن الكرامة.