ولادة الثورة السورية من جديد

2023.08.31 | 06:38 دمشق

آخر تحديث: 31.08.2023 | 06:38 دمشق

ولادة الثورة السورية من جديد
+A
حجم الخط
-A

خروج المظاهرات الحاشدة في عدة مدن سورية وعلى رأسها السويداء ودرعا يعد مؤشرا على ولادة جديدة للثورة السورية عام 2011، فمئات الأولوف ظهروا رافعين نفس شعار عام 2011 الذي لم يتحقق إلى اليوم مطالبين بسقوط نظام الأسد، لم يستطع الأسد برغم كل ما فعله على مدى الاثني عشر عاما السابقة لم يستطع قمع صوت الثورة السورية التي صدحت حناجرها مجددا عام 2023 وبنفس الزخم الأول وبنفس الاتساع وحجم المظاهرات مع تركيز أكبر على السويداء التي تبدو اليوم وكأنها هي اليوم مركز الثورة وحامل لوائها من جديد، فالنضال من أجل الحرية والديمقراطية يولد من جديد من حناجر المتظاهرين السلميين في كل من السويداء وحلب ودرعا وغيرها من المدن السورية.

الاختلاف الوحيد بين اليوم 2023 وعام 2011 هو أن نصف الشعب السوري بين مهجر ونازح، ورغم ذلك ما زالوا يناضلون من أجل تغيير النظام السياسي الذي قمعهم وقتلهم فهي تعيد بدايات المرحلة الأولى من الثورة السورية. فقد مرّت الثورة السياسية بخمس مراحل رئيسيّة.

كانت كل الإصابات تجري في القلب والرأس حسب تقرير توثيقي قامت بها منظمة هيومن رايتس واتش. كما تمّ تسجيل مقتل أكثر من 6300 ناشط سلمي خلال الفترة الممتدّة من آذار/مارس 2011 إلى أيلول /سبتمبر 2011 وذلك من أجل إخماد الثورة السّوريّة نهائيّا

أوّلها مرحلة سلميّة شهدت خروج المظاهرات مطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد وإدخال تغييرات جذرية على شكل النظام السياسي بما فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية، وتغيير الدستور الحالي لعام 2012 نحو دستور ديمقراطي يسمح بالتعددية السياسية والحزبية، إلّا أنّ هذه المظاهرات تمّ التعامل معها منذ الأسبوع الثاني من شهر نيسان/أبريل 2011 من قبل النّظام وفقا لسياسة “Shoot to kill policy”  "إطلاق النار ليس بهدف تفريق المتظاهرين وإنما بهدف قتلهم" والذي سعى من خلال هذه السياسة إلى قتل أكبر عدد من المتظاهرين بغاية ترهيبهم. ولذلك كانت كل الإصابات تجري في القلب والرأس حسب تقرير توثيقي قامت بها منظمة هيومن رايتس واتش. كما تمّ تسجيل مقتل أكثر من 6300 ناشط سلمي خلال الفترة الممتدّة من آذار/مارس 2011 إلى أيلول /سبتمبر 2011 وذلك من أجل إخماد الثورة السّوريّة نهائيّا.

أدّى ذلك إلى تحرّك المنظمات الدولية وخاصّة جامعة الدّول العربية في محاولة لإيجاد حل سياسي عبر إرسال المراقبين لإقناع النّظام بالتخلّي عن قتل المتظاهرين بالرصاص الحيّ، والسماح بالمظاهرات السلمية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

المرحلة الثانية كانت مرحلة تحول الثورة السورية إلى العنف، وهو ما أصبح يطلق عليه البعض بالثورة المسلحة حيث لعبت عدة عوامل في تحول الثورة السورية السلمية إلى ثورة مسلّحة. أوّلا، اندلاع الثورة الليبيّة وانتشار السلاح وتدخل الناتو الذي تفاءل به السوريون ليساعدهم على إطاحة نظام بشار الأسد. ثانيا، ارتفاع عدد القتلى من المتظاهرين السلميين وعدد المعتقلين وكل من لهم علاقة بالنشاط السلمي ومنع النظام الجرحى من العلاج، وأبرز هذ الحالات كان قتل الناشط غياث مطر صاحب فكرة تقديم الورود خلال المظاهرات إلى الأجهزة الأمنيّة كرسالة سلام للنظام، وتعذيب الطفل حمزة الخطيب وتامر الشرعي وغيرهم. ثالثاً حجم التعذيب الممارس ضد الناشطين السلميين داخل السجون السورية والتي قضت إلى مقتل كثير منهم تحت التعذيب، هذه العوامل دفعت السوريين إلى التسلّح في أواخر سنة 2011.

المرحلة الثالثة وهي مرحلة العسكرة الكاملة للثورة السورية عبر تزايد الانشقاقات الفرديّة والأفقيّة عن الجيش السوري. كما أنها تميزت على المستوى الدّولي، عبر تدخل كل من روسيا والصين في كل المنابر الدولية بما فيها مجلس الأمن الدولي من أجل حماية نظام الأسد، حيث استخدمت روسيا الفيتو 13 مرة داخل مجلس الأمن لمنع أي إدانة للنظام السوري. وهو ما أعطى ضوءا أخضر للنظام السوري أنه تحت شكل ما من أشكال الحماية الدولية شجعته على استخدام سلاح الجو فمنذ تموز/يوليو 2012 وحتى اليوم استخدم النظام السوري سلاح الجو وخاصة البراميل المتفجرة (عبارة عن صندوق حديدي يوضع داخله قطعا من الحديد وكمية كبيرة من مادة متفجرة لتكون شديدة الانفجار وتبلغ كلفته من 8 إلى 10 دولارات) عبر إلقائها بشكل عشوائي وهو ما يعتبر في القانون الدولي الإنساني الدولي جريمة حرب.

أمّا المرحلة الرابعة فهي مرحلة استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائيّة. فمقابل صمود المعارضة وتمكّنها من تحرير بعض المناطق في الشمال السوري وريف دمشق. استخدم النظام السلاح الكيميائي 31 مرّة. فقد سقط في الغوطة الشرقية في آب/أغسطس 2013 ما يفوق عن 1400 شخص بما فيهم 400 طفل في أوسع عملية لاستخدام السلاح الكيماوي. حيث أطلق النظام السوري 7 صواريخ محملة برؤوس كيماويّة على منطقة يقطنها مدنيون بالكامل في الغوطة الشرقية وبحدود الساعة الثانية صباحا مما ضاعف عدد القتلى نتيجة استخدام هذا السلاح الكيماوي.

اليوم نعود بداية إلى المرحلة الأولى حيث بدايات صعود المظاهرات السلمية حاملة معها الأمل بتغيير جديد لتغيير نظام الأسد

 أمّا المرحلة الخامسة والأخيرة من الثورة السورية فهي في أيلول /سبتمبر 2015. مع بداية التدخل العسكري الروسي لصالح النظام السوري بهدف سحق المعارضة المسلحة بشكل نهائي، مهما كانت كلفة ذلك على المدنيين كما بدا ذلك واضحاً في العملية العسكرية التي قادتها روسيا في حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016 ثم في الغوطة الشرقية في عام 2017 وقد صرّح وزير الدفاع الروسي بوجود 63 ألف جندي روسي على الأراضي السوريّة.

اليوم نعود بداية إلى المرحلة الأولى حيث بدايات صعود المظاهرات السلمية حاملة معها الأمل بتغيير جديد لتغيير نظام الأسد، وتغيير الواقع المؤلم الذي يعيشه السوريون اليوم كواقع اقتصادي واجتماعي وسياسي فرض عليهم التخلف، فهل تنجح بدايات الثورة الجديدة في أخذ الثورة إلى مستقبل جديد ومسار جديد يغير وجه سوريا التي أثقلها الأسد بالألم والحزن والمشقة؟