وسائل التواصل والرأي العام

2022.02.23 | 05:54 دمشق

1-7.jpg
+A
حجم الخط
-A

فواز حر أخيراً، لا يمكن لسوري ألا يفرح لمثل هذا الخبر أياً كان انتماؤه أو وجهة نظره السياسية وهذا بحد ذاته يعد انتصاراً لقيمة في غاية الأهمية لدى السوريين، قيمة تتقدم أهمية على الفكر أو الانتماء السياسي، قيمة ترفض استخدام الأطفال في المعارك الحاصلة على الأرض وتثمن وجودهم بحد ذاته.

لم تكن قضية فواز تتصدر الأخبار قبل أن ينشر الفيديو الذي يتعرض فيه للضرب على منصة الفيس بوك، لكن المشهد المؤلم ترك أثره لدى كثيرين قرروا ألا يتوقفوا عند المشاهدة فقط وآثروا أن يقوموا بفعل ولو بسيط من أجل دعم الطفل وتحريره.

ثم تطورت الأمور إلى مشاركة النشر مراراً وتكراراً وكأن الآراء اجتمعت على ضرورة نشر حكاية الطفل على نطاق أوسع، بهدف حشد كل الإمكانيات لتحريره والحفاظ على حياته ونستطيع القول إن ذلك الأمر قد حصد نجاحاً جيداً.

مؤخراً نكتشف نحن السوريين أهمية حشد الأصوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأهمية أن نصدر (هاشتاغاً) بخصوص موضوع معين، كي يصبح خبراً رئيسياً يتداوله الناشطون المؤثرون في سوريا أو في العالم.

يستخدم السكان في سوريا معظمهم منصة الفيس بوك أو التويتر بحسب اختلاف الشرائح ويعبرون فيها عما يعد ذا أهمية بالنسبة إلى قضايانا أو مجال اهتماماتنا

حدث ذلك بعد انتشار قضايا عدة عبر منصة الفيس بوك أو تويتر وغيره، ومؤخراً ربما بدأنا نكتشف أهمية تكوين رأي عام وأهمية وجود منابر حرة من أجل التعبير عنه، بعد أن يئسنا من أن تعبر وسائل الإعلام عن أحقية قضيتنا وحقيقة ما يدور في كواليسها.

تختلف أهمية وسائل التواصل من دولة إلى أخرى وقد يختلف شكل المنصة التي قد تلاقي إقبالاً جماهيرياً أكثر من غيرها بحسب تطلعات وطبيعة المجتمع المحتمل، إذ يستخدم السكان في سوريا معظمهم منصة الفيس بوك أو التويتر بحسب اختلاف الشرائح ويعبرون فيها عما يعد ذا أهمية بالنسبة إلى قضايانا أو مجال اهتماماتنا.

في مصر مثلاً يشكل الرأي العام عامل ضغط كبير على منافذ القرار وقد يعجل ويساهم بشكل كبير بالدفع نحو حل مشكلات اجتماعية تتعلق بالتحرش أو بحقوق المرأة أو الفقر، ولا يترك المستخدمون والناشطون وسيلة تواصل إلا وقد يستخدمونها بهدف دعم قضاياهم وينجحون في ذلك إلى حد كبير.

يبدو تأثير الرأي العام في سوريا أو نجاعة استخدام وسائل التواصل لدعم غرض معين أقل بشكل كبير، وقد يكون تأثيره محدوداً لأسباب مختلفة أهمها قلة المعرفة بأهمية وطريقة استخدام تلك الوسائل من جهة أو عدم الإيمان بالقدرة على الضغط على السلطات المختصة أو حتى شحن الرأي العام من جهة أخرى، وذلك لأن السوريين عايشوا فترات متعاقبة كان رأي الفرد فيها غير مؤثر بالمرة وبالتالي لم يكن من الممكن التفكير بأن وجود رأي عام يمكن أن يغير في مسار الأمور أو يتحكم في مجراها بحيث تشكل فارقاً في حياة الإنسان السوري.

ما يمكن أن يعد من أكثر الأسباب أهمية، أننا لم نستطع حتى الآن أن نكوّن رأياً مشتركاً واضحاً بخصوص قضايانا السياسية والإنسانية، وأن آراء السوريين ما زالت ترتكز في كثير من النواحي على ذاتية مفرطة في التحليل واقتراح الحلول وفي مرات كثيرة قد تكون مرهونة لمصالح شخصية أو ذات نطاق ضيق بعيد عن الصالح العام.

يبدو الاختلاف الجوهري حول القضايا الإنسانية نقطة مهمة وفاصلة في دعم القضايا والأهداف، وعلى الرغم من أن الخلاف في الفكر أو الرأي أمر مشروع ومصون، إلا أن الخلاف حول الأخلاق والقيم واعتبار أنها متغيرة مع تغير الظروف والمرجعيات أمر غير مقبول وقد يشكل سقطة مدوية في تاريخ المجتمعات.

فلو أن القضية السورية أخذت حصتها الحقيقية من الدعم الإعلامي الحقيقي والموضوعي أو لو أننا استطعنا كرأي عام الضغط على منافذ التأثير في الملف السوري دولياً، لربما كانت الأمور أكثر شفافية خاصة أن الرأي العام العالمي يحصل اليوم على صورة مشوهة عن أحقية القضية السورية بسبب تعدد الآراء واختلافها وانحياز بعضها بما يخص الثورة السورية.

يشهد العالم للسوريين اليوم بأنهم شعب طموح قوي وحيّ وناجح في مجالات العمل كافة، وهذا أمر يحسب لصالحهم لأنهم استطاعوا الخروج من تحت أنقاض الحرب والدمار متمسكين بحقهم في الحياة، لكن ذلك أتاح الحصول على مكاسب شخصية متفرقة فقط ولم يتمكن من دعم القضية السورية أو إنهاء مأساة السوريين الإنسانية على الأصعدة كافة.

إن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها السوريون اليوم والتي قد تشكل عائقاً في تشكيل قوة ضاغطة أو دعم رأي عام أو تدويل قضية معينة، هو الإحساس المفجع باللا جدوى

إن عدم اتخاذ موقف يعد موقفاً بحد ذاته، وهذا أمر آخر مصون في حقوق الإنسان لكن المشكلة تكمن في إدراك الحد الفاصل بين السلبية والحياد وقد لا يشكل ذلك أثراً إلا بالنتائج الناجمة عنه.

إن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها السوريون اليوم والتي قد تشكل عائقاً في تشكيل قوة ضاغطة أو دعم رأي عام أو تدويل قضية معينة، هو الإحساس المفجع باللا جدوى الذي ترسخ لدينا عبر سنوات من التهميش والقمع وسياسة كمّ الأفواه والرغبة بتحقيق الخلاص الفردي بسبب انعدام الثقة بتحقيق نجاة جماعية.

ربما لا تشكل وسائل التواصل منبراً حراً وقادراً على توضيح الصورة بشكل جليّ ومن دون ارتباطات أو مرجعيات، لكنها على الأقل تساعد في أن تجعل الحكايات السورية أياً كان نوعها في مقدمة الأخبار العاجلة التي تحتاج عناية واهتماماً خاصين في ظل عالم يتنافس على حصد أعداد المشاهدين بغض النظر عن المحتوى والقيمة.