icon
التغطية الحية

وديعة ترامب في إسرائيل

2021.01.13 | 16:40 دمشق

margalit-trumpisrael.jpg
نيويوركر- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في بقعة قاحلة من مرتفعات الجولان وعلى بعد 64 كم تقريباً من جنوب غربي دمشق، نصبت لافتة ضخمة كتبت بحروف ذهبية اللون، لتشير إلى مرتفعات ترامب، ذلك المكان الذي سمي باسم دونالد ترامب تخليداً له لاعترافه بسيادة إسرائيل على تلك المنطقة التي انتزعت من سوريا في عام 1967. ففي صيف عام 2019، كشف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن هذه المنطقة الجديدة خلال احتفالية نصبت فيها الكاميرات، وحضرها ديفيد فريدمان، السفير الأميركي إلى إسرائيل الذي يؤيد فكرة الاستيطان، ليتحدث عن انتماء ترامب "إلى حفنة صغيرة من الأبطال الإسرائيليين". إلا أن هذه الناحية، بعد مرور عام ونصف على ذلك، تقف خاوية على عروشها، إذ من المقرر أن تنتقل عشرون أسرة إسرائيلية إلى مساكن مؤقتة أقيمت في هذه الناحية بنهاية شهر كانون الثاني من هذا العام.

قد تكون لافتة ترامب الضخمة التي وضعت في قرية صغيرة ونائية ومتنازع عليها أشبه بكناية سيئة عن وديعة الرئيس الذي يتأهب لمغادرة البيت الأبيض والتي تركها في إسرائيل، وهي وديعة ثقيلة الوطأة في مراسمها. إذ يخبرنا آلون بينكاس وهو قنصل عام سابق لإسرائيل في نيويورك: "إن السياسة الأميركية في إسرائيل رمزية بمجملها"، ولهذا يشبّه جزءاً كبيراً من تلك السياسة بـ"زبد البحر"، بيد أن الرمزية في إسرائيل أمر مهم للغاية، إذ عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ألغى بذلك أي احتمال لقيام قدس شرقية تعود للدولة الفلسطينية. وعندما نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في عام 2018، ألمح إلى تخليه حتى عن التظاهر بإجراء مفاوضات بنية حسنة مع الفلسطينيين.

وبدلاً من الاستعانة بالإيحاء بالقيام بتلك اللفتات كمحرض لنتنياهو يدفعه لتبني خطة سلام شاملة في المنطقة، قام ترامب ببساطة بكل ذلك. وبالطريقة ذاتها، وخلال الشهور القليلة الماضية، أي عندما دخلت الولايات المتحدة في وساطة لعقد اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان، ومؤخراً المغرب، سمح ترامب لإسرائيل بجني ثمار العلاقات الدبلوماسية مع تلك الدول العربية مقابل إرجاء خطة نتنياهو المتطرفة التي تسعى لضم جزء من الضفة الغربية المحتلة. إذ على مدار سنوات طويلة، مارست إسرائيل دبلوماسيتها عبر قناة خلفية مع تلك الدول، إلا أن علاقاتهم لم يعبر عنها بصيغة رسمية بسبب إصرار تلك الدول على إقامة دولة فلسطينية. والآن، تعهدت إسرائيل رسمياً بتعليق مخطط الضم، غير أن إدارة ترامب وافقت بصورة غير رسمية على إجراءات لم يكن أحد يفكر بها في السابق، والتي حولت اتفاقيات التطبيع إلى اتفاقيات مربحة بالنسبة لتلك الدول العربية.

إذ بالنسبة للدولة الأهم، وهي الإمارات، كانت هنالك اتفاقية بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار، وتشتمل على شراء خمسين طائرة شبح من طراز إف-35، وعن ذلك يخبرنا أميت سيغال، كبير المحللين السياسيين في القناة الإسرائيلية 12: "لقد حصل نتنياهو على كل شيء يريده من ترامب"، وذلك لأن انحياز ترامب لنتنياهو كان كاملاً، لدرجة أنه قبل الانتخابات الأميركية، كان 63% من الإسرائيليين يؤيدون ترامب، و17% فقط منهم يدعمون جو بايدن، بحسب استطلاع الرأي الذي أجراه معهد الديمقراطية في إسرائيل في شهر تشرين الثاني الفائت. إذ لو كانت إسرائيل ولاية أميركية، فلابد وأن تكون "الولاية الأشد احمراراً في ذلك الاتحاد"، بحسب ما ورد في عمود نشر في صحيفة هاآرتس ذات الميول اليسارية.

عندما تتصفح تغريدات كتبها أشد المؤيدين حماسة لنتنياهو فلن يلومك أحد إن ظننت بأنك عثرت على حسابات تعود لشون هانيتي أو تاكر كارلسون، إذ يقول شمعون ريكلين وهو محلل لدى القناة العشرين، الذي يوصف بأنه قناة فوكس نيوز الإسرائيلية: "الرئيس ترامب المبجل، أشكرك على كل ما فعلته لجعل أميركا عظيمة وقوية". وبعد مرور ثلاثة أسابيع على الانتخابات الأميركية، أعلن ينون ماغال وهو خبير مشهور ونائب يميني سابق عبر أثير راديو إسرائيل: "إننا مانزال نصلي حتى تحدث معجزة لترامب، ابن فريد، ليفوز بالانتخابات". ويوم الأحد الماضي، بعدما اقتحمت شرذمة من مؤيدي ترامب مبنى البنتاغون الأميركي، بدأ المعلق اليميني غادي توب مدونته الصوتية الأسبوعية بالقول: "إنه لأمر مرعب بالفعل!" وذلك قبل أن يوضح بأنه يشير إلى حظر الرئيس من تويتر، حيث تابع قائلاً: "إنها لأجواء ستالينية" ثم استنكر ذلك الفعل بقوله: "إذ لم يقوموا بحظر أي أحد من المعارضة السياسية".

ولعل أبلغ مثال على الترامبية الإسرائيلية يتجلى بشكل فاضح على صفحات صحيفة إسرائيل حيوم (إسرائيل اليوم) اليومية المجانية التي تعمل على الترويج لمصالح نتنياهو بأناقة. فلقد تأسست هذه الصحيفة في عام 2007 على يد شيلدون أديلسون، وهو صاحب ملهى ليلي في الولايات المتحدة وأحد المتبرعين الأسخياء للحزب الجمهوري، بالتعاون مع زوجته الإسرائيلية ميريام (وفور  نشر هذه المقالة بلغنا خبر وفاة أديلسون ليلة الاثنين الماضي عن عمر ناهز 87 عاماً). إذعشية الانتخابات الأميركية، نشرت ميريام أديلسون مقالة في الصفحة الأولى تحمل العنوان: "لا تخاف"، وفيها كتبت: "آمل وأؤمن من أعماق قلبي بأن نتيجة التصويت لابد وأن تعكس رغبة الأميركيين الشديدة بالتمديد لترامب في ولاية ثانية". ويوم الأحد الفائت، عقب الهجوم على مبنى البنتاغون، ادعت تلك الصحيفة بأن: "الديمقراطيين والإعلام يريدون رأس ترامب قبل حفل التنصيب".

فيما ذكر بواز بيسموث وهو رئيس تحرير تلك الصحيفة بأنه: "عندما أنظر إلى ترامب، أرى أولاً وقبل كل شيء رجلاً قوياً، ولهذا أحببته منذ البداية"، وعليه فإن التوازي بين الترامبية وما يعرف في إسرائيل باسم البايبية/الازدواجية لا يمكن أن تخطئه العين، إذ ثمة ازدراء ظاهري للصحافة مع هوس داخلي بها، إلى جانب احتقار النخب الثقافية وعناصر ما يعرف باسم الدولة العميقة، ناهيك عن التحريض العنصري (نتنياهو: الناخبون العرب يخرجون في قطعان، ترامب: إنهم ليس ببشر، بل إنهم حيوانات)، فضلاً عن سمة الشعبوية القومية التي تجذرت بالشكل نفسه في دول قصية أخرى مثل الهند وهنغاريا والبرازيل.

والجزء الأكبر من الصلة التي تربط بين اليمين الإسرائيلي وترامب يأتي من استعداده لتأييد إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، مع تجاهل الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، إذ يقول أحد كبار المستوطنين خلال صلاة جماعية أقيمت في الجليل من أجل ترامب، قبل أيام قليلة من الانتخابات الأميركية: "كل مخطط لبناء وضع أمامي تمت الموافقة عليه. أما خلال فترة أوباما، فلم نكن نجرؤ حتى على أن نحلم بذلك". ما يعني أن اليمين يقدر أيضاً التجاهل والاستخفاف الكبير الذي تمارسه إدارة ترامب تجاه الفلسطينيين، إذ عندما أعلن ترامب عن خطة سلام من أجل إسرائيل وفلسطين، أو ما يعرف باسم: (صفقة القرن) في هذه المنطقة، قبل أن يبلغ الفسطينيين بأي شيء حيال ذلك، كان على ما يبدو يتمنى زوالهم. ورداً على ذلك، وصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطة ترامب بأنها: "صفعة القرن"، والمفارقة تكمن في أن اليمين المتشدد الإسرائيلي حتى بعد حصوله على كل ما يتمناه في ظل إدارة ترامب، ظل رافضاً لتلك الصفقة التي تقدم بها ترامب، حيث اعترض على ذكر الدولة الفلسطينية التي تقلصت حدودها كثيراً في خطته ولم تعد تتمتع بأي استقلال أمني، ناهيك عن انتشار المستوطنات اليهودية فيها.

ويرى بيسموث بأنه لو فاز ترامب بولاية ثانية، عندها سيسمح لإسرائيل بضم المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية، أو، حسب تعبير بيسموث: "سيعترف بسيادتنا على يهودا والسامرة" أي الضفة الغربية. كما ينسب هذا الرجل الفضل لترامب في جعل الدول الخليجية تفضل إسرائيل على فلسطين بشكل مؤثر وفعلي، ولهذا يقول: "إسرائيل يجب ألا تكون الخليلة بل الزوجة في العالم العربي، وقد ساعدنا ترامب في الحصول على صفة الزوجة". ويرى بيسموث أيضاً: "فجأة أصبح لدينا رئيس أميركي يقول: أمهلوني دقيقة، وستكون أموركم بخير، فنجاحكم ووجودكم وقدرتكم على الازدهار لن تكون رهناً بيد الفلسطينيين".

فيما يحذر إسرائيليون آخرون، بينهم مسؤولون رفيعون سابقون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من استبعاد الفلسطينيين وإخراجهم من تلك التسويات الدبلوماسية في المنطقة، لأن ذلك لابد وأن تترتب عليه عواقب وخيمة، بالنسبة للفلسطينيين وكذلك لمستقبل إسرائيل، وحول ذلك يخبرنا عاموس جلعاد، وهو لواء متقاعد في الاستخبارات العسكرية ورئيس معهد السياسات والاستراتيجيات وهو مركز متعدد الاختصاصات في هيرتزيليا، فيقول: "لا يمكنك إزالة القضية الفلسطينية، لأن ذلك خطأ جسيم، وإذا انهارت العلاقة بيننا وبينهم، أي في حال تغلبنا وسيطرتنا وتولينا للأمر، أو إذا أصبحوا جزءاً من دولتنا، فعندها لن يكون لدينا دولة يهودية ديمقراطية". أما الدبلوماسي السابق بينكاس فقد أضاف قائلاً: "بمجرد أن ينتهي استعراض العلاقات العامة، لن يبقى مع القضية الفلسطينية إلا نحن، أي لن نجد معها أي إماراتي أو بحريني أو عماني أو حتى أميركي، وهكذا سيتركوننا مع ثلاثة ملايين ونصف فلسطيني، ولهذا أتمنى حظاً طيباً لكل من يعتبر عدم حل تلك القضية إنجازاً ".

لقد أميط اللثام عن صفقة البيع التي خططت لها الولايات المتحدة والتي سيتم بموجبها بيع أسلحة متطورة للإمارات بعد الإعلان عن اتفاقية التطبيع وليس قبلها، ولهذا ادعى نتنياهو بأنه لم يسمع بها، بالرغم من وجود تقارير تشير إلى أنه كان على علم بها. وقد رحب الضابط المتقاعد جلعاد بتلك الاتفاقية، لكنه اعتبر صفقة بيع طائرات إف-35 بمثابة: "خرق للمبدأ المقدس"، الذي ينص على التزام الولايات المتحدة بدعم التفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة، ولهذا يقول: "إذا باعت الولايات المتحدة تلك الطائرات لهم، فهذا يعني احتمال بيعها لغيرهم، إذ من سيضمن عدم حدوث ذلك؟"

أما أوزي عراد وهو مستشار سابق في الأمن القومي لدى نتنياهو، والذي تحول منذ ذلك الحين إلى منتقد له، فقد أعلن بأن الجهود التي بذلها ترامب في المنطقة "ضاعت سدى" عبر لفتات خاطئة. إذ بدلاً من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان الأولى بترامب أن يلبي حاجة ملحة أكثر وتتمثل بالتصدي لتحصن القوات الإيرانية في سوريا. والأنكى من ذلك أن ترامب فضل على ذلك الخروج من الاتفاق النووي مع إيران الذي تم التفاوض عليه أيام باراك أوباما. وبتنا على علم اليوم بأن إيران خصبت من اليورانيوم ما يصل إلى 12 ضعف من الحد المسموح به في تلك الاتفاقية. وعن ذلك يقول عراد: "إن ما يعتبر إنجازاً عظيماً يتمثل بالتماهي مع أمريكا في تخليها عن ذلك الاتفاق يبدو أشبه بشهر عسل، ولكن إلى أين سيقودنا شهر العسل هذا؟"

إن نقض ترامب للاتفاق النووي مع إيران بدا مقصوداً وذلك لنقض وديعة أوباما، إذ غالباً ما يتحدث الإسرائيليون عن أوباما بالنبرة العدائية ذاتها، وهذا ما وصفه بيسماوث بالقول: "مع ترامب كانت الأمور تصب في شعار: أميركا أولاً، ولكن خلال فترة حكم أوباما كان الشعار: إيران أولاً، فكيف لا أفضل ترامب بعد كل هذا؟" لقد سمعنا كثيرا من النظريات التي انتشرت حول سبب معاداة إسرائيل وكرهها لأوباما، على الرغم من أنه حافظ على أكبر حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل في تاريخ كلتا الدولتين. إحدى هذه النظريات تدور حول التوجس العميق الذي يثيره اسمه الأوسط: حسين، والذي كثيراً ما أكدت عليه الصحافة المحافظة في إسرائيل، وأكده قراره في بداية فترته الرئاسية، والذي يقضي بجعل مصر من بين أولى الوجهات الأجنبية التي قصدها. أما النظرية الثانية فتقوم على أمور تتصل بالحالة المزاجية، وذلك عندما خطط أوباما لعزلة هانئة في دولة ذات مشاعر فياضة. وبالتأكيد فإن قراره الذي اتخذه خلال سنته الأولى في الرئاسة والذي يقضي بالضغط على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات قد أثار سخط نتنياهو ووزرائه. وبالمقابل أعطى إشارة للناس للاعتقاد بأن إدارة أوباما تعادي إسرائيل بحد ذاتها لا سياستها المتشددة.

وعندما وقف نتنياهو أمام الكونغرس في عام 2015، وعارض الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه أوباما، أصبح الخط الفاصل بين الإسرائيليين والأميركيين اليهود واضحاً للعيان بشكل علني لأول مرة. أما اليوم فقد تحول خط الفالق هذا إلى واد سحيق، فقد كشف استطلاع للرأي أجرته أسوشيتد برس بأن 68% من الأميركيين اليهود قد صوتوا لبايدن، في حين صوت 30% منهم فقط لترامب. كما كشف استطلاع للرأي أجراه لوبي جي ستريت الموالي لإسرائيل عن وجود فارق أكبر، حيث صوت 77% من هؤلاء لبايدن في حين صوت 21% فقط لترامب، وهذا يناقض تماماً توجهات الإسرائيليين. وبحسب ما ذكره جيرمي بين-آمي رئيس ذلك اللوبي، فإن الانقسام بين اليهود الأميركيين واليهود الإسرائيليين قد انعكس أيضاً في الصدع القائم بين اليهود الأميركان، حيث يقول: "ينقسم السكان اليهود، بصرف النظر عن مكان إقامتهم، إلى معسكرين، أحدهما أكثر قومية من الناحية الإثنية، وأكثر تديناً، والثاني أكثر إنسانية وتحرراً". وذلك لأن التوجه الإنساني يتنامى بشكل سريع داخل الولايات المتحدة، إلا أن: "النقيض يحدث داخل إسرائيل"، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن إسرائيل لم تعد أولوية كما كانت بالنسبة للأميركيين اليهود، كما أن تلك المجتمعات التي كانت في السابق متماسكة بدأت تتفكك. والدعم الأميركي لنتنياهو اليوم يعتمد على تحالف لا يرجح قيامه بين اليهود المحافظين والمسيحيين الإنجيليين. وقد أدى ذلك لظهور لحظات سوريالية عديدة، مثل تلك الحفلة التي أقيمت على شرف افتتاح السفارة الأميركية في القدس، والتي ظهرت فيها شخصية إعلامية تعمل لدى محطة تلفزيونية إنجيلية، وكانت تلك الشخصية قد أعلنت في وقت سابق بأن المحرقة هي بكل بساطة الطريقة التي اتبعها الرب لإعادة الشعب اليهودي إلى إسرائيل.

وإذا لم يؤثر أوباما بفكره القويم وخطابه المجلجل على الرأي العام الإسرائيلي إلى قليلاً، فلعل بايدن الذي لا يمتلك من تلك المهارات سوى النذر اليسير، بوسعه أن يتجنب المصير ذاته. وذلك لأن الخبراء الإسرائيليين يعتقدون بأن دفء شخصية بايدن الذي يكون مفرطاً في بعض الأحيان، وميله للتجرد من القيود أثناء الحديث، أي تلك الصفات التي جعلت حملته الانتخابية محمومة ومتوترة خوفاً من أي زلة، يمكن لها أن تقطع شوطاً طويلاً مع الإسرائيليين (وتلك حقيقة تتجلى في زواج ثلاثة من أبنائه بيهود، ما يعني أن عائلته تعتبر عائلة يهودية متميزة، وهذا بحد ذاته لا يضر، برأي صحيفة جويش كرونيكل. ويتذكر مستشار الأمن القومي السابق لدى نتنياهو، أي عراد زيارة قام بها إلى البيت الأبيض، ضمن وفد أرسله حينها رئيس الوزراء في عام 2010، حيث كان يسير في أحد الممرات إلى جانب نائب الرئيس الأسبق، فيصفه لنا بالقول: "إنه طويل القامة، لكنه أحاطني بذراعه". وفجأة التفت بايدن إليه وقال: "تذكر يا أوزي بأنني أفضل صديق لك هنا". وقد قدر عراد تلك اللفتة التي وجدها بأنها تدل على أسلوب أوباما العملي تجاه إسرائيل، في حين أن بايدن سيكون أكثر تعاطفاً حسب زعمه.

كما أن في اختيار بايدن لوزير الخارجية فرصة للتقارب بين الحزب الديمقراطي والإسرائيليين المحافظين، فأنطوني بلينكين الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما معروف بأنه هو المسؤول عن تأمين تجديد لمنظومة مضادات الصواريخ الإسرائيلية خلال الهجوم الذي شنته إسرائيل على غزة في العام 2014. وكما يصف بلينكين بلسانه ما جرى، يخبرنا هذا الرجل بأنه تلقى اتصالاً في وقت متأخر من الليل من قبل السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، رون ديرمير، الذي طلب منه تمويل المزيد من الصواريخ الاعتراضية، فما كان من بلينكين إلا أن هرع إلى المكتب البيضاوي لملاقاة أوباما، ومعه بايدن، ليطلب منه أن يقوم بذلك. حيث يخبرنا ستيف إسرائيل العضو في لجنة الدفاع الفرعية المنبثقة عن لجنة المخصصات في ذلك الحين بأن موافقة الكونغرس على ذلك التمويل "جرت بشكل أسرع مما جرى مع أي قرار آخر شهدته" على حد تعبيره.

إلا أن صلات بلينكين وبايدن الوثيقة بإسرائيل قد تصبح مثار خلاف، على الأقل في الوقت الراهن. إذ مع انتشار الجائحة على مستوى العالم، رمت الولايات المتحدة بتحالفاتها عرض الحائط وذلك لتقوم بإصلاح اقتصادها وتدبير أموره حتى يعود لسابق عهده، ما يعني أن إسرائيل لن تحتل رأس قائمة الأولويات ضمن أجندة الرئيس المنتخب، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات القادمة فيها، والتي ستجري في شهر آذار، وتعتبر تلك الانتخابات الرابعة من نوعها خلال سنتين. وحتى في حال فوز نتنياهو في الانتخابات من جديد (بما أنه المفضل حسب استطلاعات الرأي)، قد يبدي بايدن حذره تجاه لفتات مهمة، وهو معذور في ذلك. ثم إن بايدن لا شك يتذكر قرصة تلك الزيارة التي قام بها لإسرائيل في عام 2010، وذلك عندما صدمه إعلان حكومة نتنياهو عن عزمها توسيع بناء المستوطنات في القدس الشرقية، إذ كما كتب مارتن إنديك وهو المبعوث الأميركي الأسبق إلى هذه المنطقة وقال في تغريدة على تويتر بعدما أعلن نتنياهو عن معرفته السابقة ببايدن: "صحيح أن نتنياهو يعرف بايدن منذ حوالي أربعين سنة، إلا أنه يمكن القول بإن بايدن قد عرف نتنياهو هو أيضاً قبل قرابة أربعين سنة".

المصدر: نيويوركر