هل يتعرض الأطفال اللاجئون السوريون للتنمر في هولندا؟

2024.01.06 | 05:46 دمشق

هل يتعرض الأطفال اللاجئون السوريون للتنمر في هولندا؟
+A
حجم الخط
-A

يرى عدد من الباحثين أن شروط حادثة ما حتى توصف بأنها تقع في باب "التنمر" هي التكرار واختلال القوة بين الطرفين والقصدية، ويعرف التنمر بأنه ممارسة عنف لفظي أو جسدي أو نفسي أو اجتماعي ضد الآخر، وهنا يبرز السؤال: مَن منا أو مَن مِن البشر عامة لم يتعرض لتنمر من نوع ما!؟

ويختلف تأثر المتنمَّر عليه بالتنمر الذي يقع عليه، تبعاً لموقعه وقوته وموقفه وثقته بنفسه وأهله، بل إنه قد يتحول هو الآخر إلى متنمِّر على آخر، تعويضاً عما يتعرض له من تنمر.

الأطفال اللاجئون شريحة سهلة جداً لكي يقع عليهم التنمر انطلاقاً من كونهم مختلفين كلياً عن المجتمع الجديد بمظهرهم ولون شعرهم ولباسهم، وعدم تمكنهم من لغة البلد الجديد بداية، ولغتهم الأم، وضعف معرفتهم بثقافة المجتمع الجديد، ولكونهم قادمين من بلد أمٍّ فاشل، ولكونهم أبناء ثقافة الحرب، إضافة إلى ضعف موقع عوائلهم في المجتمع المضيف وكذلك لباسهم وأحوالهم المادية ومجتمعهم الأصلي أو دينهم.

أما أماكن ممارسة التنمر فتكون في المدارس غالباً وأحياناً في الشارع وفي المسبح وفي أثناء ممارسة الرياضة والحديقة وكذلك في أثناء التواصل مع الجيران وفي وسائل النقل العام والمطارات أحياناً.

أما آثار التنمر على الأطفال اللاجئين فقد يولد عدوانية عند شريحة كبيرة وردوداً عنيفة، خاصة عند من اختاروا التعليم المهني أو المتوسط، أما من اختاروا إكمال دراستهم فغالباً ما يتركون التنمر حبيس أنفسهم، أو يتحول فريق منهم إلى أطفال انطوائيين.

وتشير عينات عشوائية إلى أن الأطفال اللاجئين يتعرضون كثيراً لتنمر من أطفال "لاجئين" سابقين أو مهاجرين، غير أنهم لا يكترثون به ولا يقع موقعاً سلبياً في أنفسهم، كما هي حالة ردة فعلهم على التنمر الذي يتعرضون له من قبل الأطفال ممن هم أبناء البلد (الشُقر) الذين يختلفون عنهم ديناً وعادات وتقاليد ويعدون أنفسهم أصحاب البلد الأصليين.

تستعمل جملة (أطفال المخيم) في المدارس في محاولة تنمر على ظرف مر به الطفل اللاجئ وليس له ذنب وأنه ليس أكثر من رقم من ضمن أرقام اللاجئين

من الجمل التي تستعمل ضد الأطفال اللاجئين (الصبايا خاصة) أنهن من فئة (قرد البافيان) إشارة إلى الشعر الذي يظهر فوق الفم أو الحاجبين أو سوى ذلك مما يظهر على الوجه.

وتستعمل جملة (أطفال المخيم) في المدارس في محاولة تنمر على ظرف مر به الطفل اللاجئ وليس له ذنب وأنه ليس أكثر من رقم من ضمن أرقام اللاجئين. وينجم هذا النوع من التنمر عن عدم المعرفة بوضع مخيمات اللجوء، وهي مهما كانت سيئة أو مكتظة إلا أنها تتوفر فيها شروط العيش الإنساني وما هي إلا مرحلة عابرة في حياة الطفل في الدولة المضيفة، وتتم مقارنتها غالباً بمخيمات اللجوء بعد الحرب العالمية الثانية.

ومفردة (لاجئ) باتت تستعمل للتنمر على مستوى مخارج اللغة بين الهولنديين أنفسهم، حيث يقول الأول للثاني إن أخطأ باللغة (كأنك لاجئ).

وإنْ حمل شخص هولندي عدداً من الأكياس والحقائب في يده فإن من يراه من معارفه يقول له: (كأنك لاجئ)! إشارة إلى أنه يحمل حياته في حقيبته.

ويتم تحذير المراهقات مثلاً من إقامة علاقات مع المراهقين اللاجئين، حيث يتم تحذيرهن من أن الشاب اللاجئ (غير متوازن نفسياً) وقادم من منطقة حرب إذ قد يضرب صديقته، وقد يستغلها مادياً أو جسدياً، وقد يجرها إلى دينه، وهو جاهل بثقافتها، وقد يزور صديقته المراهقة في بيتها ويسرق شيئاً من منزلهم، وهو قادم من ثقافة تفرض نمطاً معيناً من اللباس وربما سيشترط عليها أن تتحجب بعد فترة مستغلاً عواطفها، وتعضد هذه المواقف مر بها هولنديون أو قرؤوا عنها أو سمعوا بها!

ويستعمل عدد من المفردات ضد الأطفال اللاجئين في أول مشادة كلامية مع أطفال غير لاجئين: مثل (مضيِّع) و(حشاش) و(حرامي) و(غشاش).

والتنمر اللغوي ضد الأطفال اللاجئين من زملائهم حاضر جداً على مستوى قلة المفردات التي يستعملونها أو بناء الجملة أو مخارج الحروف خاصة.

ومن اللافت أن هناك تغيرا كبيرا جداً في دلالة اللاجئ في الثقافة الهولندية بسرعة كبيرة نتيجة سلوكات اللاجئين أنفسهم وحاولة استغلال أي ثغرة قانونية أو عملهم بالأسود، وكذلك كثرتهم، وقدوم مستويات متعددة اجتماعية من اللاجئين بحيث طغت الحمولات السلبية خلال فترة قصيرة على المصطلح، وبالتأكيد الكثير من ذلك قادم نتيجة وجود أزمات معيشية واقتصادية في المجتمعات المضيفة ذاتها.

ومن أمثلة التنمر نذكر ثيمة (رائحة أجساد الأطفال اللاجئين) إذ إن كثيرا منهم قادمون من مناطق قليلة المياه، لذلك فإنهم اعتادوا أن يستحموا مرة أو مرتين أسبوعياً كنوع من الاستجابة لفكرة توفير المياه أو مواد الاستحمام. إضافة إلى أن السوريين يستعملون بهارات كثيرة في طعامهم مما يجعل لأجسامهم رائحة تعرق مختلفة، بحيث تصبح رائحة أجسادهم مصدر تنمر على أطفالهم في مدارسهم، فيما يستحم الهولندي يومياً حماماً سريعاً كتقليد راسخ في ثقافته وهو يعيش في بلد ربع مساحته ماء، ويقول أحد السوريين من أصحاب الشركات أن مستعملي البناء من الشركات الأخرى قد اشتكوا أكثر من مرة من رائحة زبائنه وهم معظمهم من اللاجئين، ولا يتعلق الأمر بالنظافة دائماً بل يكون ناجماً مرات عدة عن عوامل جسدية واختلافات جينية.

وإبان حديث المدرسين عن اللاجئين وما يتعرضون له وضرورة التعاطف معهم ينظر الأطفال الهولنديون مثلاً إلى الطفل اللاجئ كعينة وضحية ومثال مؤلم مما يجعل المنطقة بين حدود التعاطف والسخرية ضعيفة أو رمادية.

الكثير مما يتعرض له الأطفال اللاجئون من قبل الأطفال (الشقر) يعود إلى قلة معرفتهم بما تعرض له أولئك الأطفال اللاجئون من معاناة وألم، أو بسبب تربية عنصرية في منازلهم أو رغبة بالشعور بالتميز.

والكثير من المدارس الابتدائية الهولندية تقيم سنوياً ورشات تدريبية وأيام تدريبية لطلابها بهدف تعريفهم باللاجئين وما مروا به، فيما ترفض مدارس هولندية أخرى تسجيل اللاجئين بحجة اكتمال العدد الذي يمكنهم استقباله!

لدى سؤال طفلة سورية (غدت هولندية) عن موقف حدث معها، تقول: كلما ذكرت مفردة اللجوء يلتفت الجميع نحوي ضاحكين! تغلبت على الأمر بـ (التطنيش) تعبت من دور اللاجئة!

في حين يجيب طفل هولندي من جذور سورية عن الأسباب التي تدفعه لعدم إقامة صداقات مع أطفال هولنديين بالقول: حاولت، لكن يشعرونني دائماً بأنني أقل منهم ولا يثقون بي، إنهم باختصار يخافون من المختلف، ولا يريدون أن يبذلوا جهداً للتعرف إلي أو إلى نمطي أو عاداتي أو ثقافتي، ويتعصبون للأشقر الذي يشبههم ويغفرون له أخطاءه!

هناك طفل سوري صبغ شعره بصبغة شقراء أجاب: أريد أن أكون مثلهم، أتعبني شعري الأسود، أبدو غريباً ومختلفاً وموضع أنظارهم دائماً، أريد أن أكون عادياً!

الكثير من مواقف التنمر التي يمر بها الأطفال السوريون لها امتدادات واستطالات عميقة في نفسياتهم إبان بحثهم عن هوياتهم، إذ تتحول في مرات كثيرة إلى حالات انطوائية أو عدوانية أو نقمة أو رغبة بالهجرة من هذا البلد أو اعتزاز شديد بالبلد الأم وتمجيد ذكرياته والمبالغة بها. وفي صور ارتدادية قد ينكفئ الطفل في علاقاته الاجتماعية على من يشبهونه! أو يحاول التخلي عن كل ما يخص هويته رغبة بإيجاد هوية غير إشكالية، وتحدث ارتدادات أخرى على شكل نقمة من قبل الأطفال على أهلهم نتيجة ضعفهم وعدم قدرتهم على مواجهة كل هذا الكم من التنمر والمصاعب. وما درى أولئك الأطفال أن أهلهم لديهم سردياتهم وآلامهم وأنهم غالباً ما تركوا وطنهم الأم رغبة بالمحافظة على أمان أطفالهم، إنها كرة ثلج اللجوء!

لا يمكن وصف التنمر ضد الأطفال اللاجئين في هولندا بأنه تنمر جماعي، أو سمة عامة للمجتمع الهولندي بل هو تنمر فردي، يقوم به أطفال ضد أطفال، وتقف ضده الثقافة العامة

موقع الطفل اللاجئ في المجتمع الجديد هدف سهل جداً جداً للتنمر؛ لذلك يورثه ذلك كثيرا من الألم والمعاناة المكشوفة أو المسكوت عنها، قد تخرج على شكل زفرات او تحفر عميقاً في وجدانه! لذلك يستدعي التنمر ضدهم ضرورة تغيير نمط علاقة الأهل مع أولادهم نحو مزيد من الانفتاح والتواصل والإصغاء، وتفهم أن أطفالهم يقضون ساعات طويلة مع الأطفال الهولنديين وبالتالي يحتاجون إلى دعم نفسي وتعزيز للثقة والبحث عن حلول معاً، وتأكيد فكرة أن اللجوء ليس شتيمة أو خياراً، بل هو حالة اضطرارية ناجمة عن الحرب وتبعاتها في البلد الأم!

لا يمكن وصف التنمر ضد الأطفال اللاجئين في هولندا بأنه تنمر جماعي، أو سمة عامة للمجتمع الهولندي بل هو تنمر فردي، يقوم به أطفال ضد أطفال، وتقف ضده الثقافة العامة لأنه مظهر عنفي في وقت تحاول الثقافة السائدة والقوانين التخلص من أي مظهر عنفي في المجتمع حفاظاً على أمنه وأمانه والصحة النفسية لمواطنيه. لكن نظراً لحساسية شخصية الطفل عامة واللاجئ خاصة وتلقيه الصدمات من جهات عدة في حياته والخلافات العائلية أحياناً وتغير معطيات المجتمع ورغبته بأن يكون طفلاً عادياً بأقصى سرعة يجعل منه حالة جديرة بالعناية والتوجيه والرعاية، ولا تفوتنا الإشارة إلى أن طول فترة اللجوء وكثرة اللاجئين جعل من التنمر سمة تنمو سنة بعد سنة، خاصة بعد انخفاض منسوب  التعاطف مع السوريين، وبروز مشكلات دولية جديدة وانشغال الشعوب الأوروبية ذاتها بأزماتها، بل إنك تسمع من الهولنديين أنفسهم الجملة التالية: (نريد أن نلجأ إلى بلدنا هولندا لعلنا نحصل على بيوت من السكن الاجتماعي بسرعة أسوة باللاجئين!).