هل من خوف واقعي على السوريين في مصر؟

2024.01.13 | 05:40 دمشق

هل من خوف واقعي على السوريين في مصر؟
+A
حجم الخط
-A

ما نهاية اللجوء السوري في البلدان التي لا يحصل السوريون فيها على إقامة دائمة أو جنسية؟ وما نهاية تسامح دول عربية أو مجاورة، في مرحلة ارتفاع منسوب التعاطف مع الملف السوري، مع وضع إقامة السوريين قانونياً وإدارياً؟ يحضر هذان السؤالان كلما تعرض السوريون في بلد ما لابتزاز أو نقمة شعبية أو قرارات إدارية جائرة. لذلك من الطبيعي أن تستعاد تلك الأسئلة قبل أيام، إبان انتشار ترند "مقاطعة محال السوريين في مصر أو الدعوة لترحيل اللاجئين".

قراءة السياقات المشابهة تشير إلى أنه ما من وضع إداري أو قانوني لمن يقيمون في بلد آخر سواء عبر الاستثناء أو التغاضي أو التعاطف يبقى متسماً بالثبات، ولا سيما أننا نتحدث عن منطقة جغرافية، تبدو إمكانية التحولات فيها جالسة على كف عفريت محلياً وإقليمياً ودولياً.

ولعله من واجب السوريين أولاً، إنْ استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، البحث عن حلول قانونية وإدارية لأوضاعهم في أي بلد يعيشون فيه كي لا يبقوا نهباً للشائعات أو الترندات، وإن لم يكن ذلك الحل ممكناً في البلد الذي يقيمون به، فمن الأفضل لهم البحث عن حلول في بلد آخر إن كان ذلك ممكناً!

وفقاً للوقائع والمعطيات، فإنه لم يحدث شيء جديد في وضع السوريين في مصر استدعى هذه الحملة والاستجابة الحكومية والإعلامية السريعة لها، سوى أن هناك محاولة توظيف لها لأغراض يعلم المستجيب بها أكثر مما يعلم ممن وقعت عليه الحملة.

واقعياً، يبدو لزائر محال السوريين في مصر أن معظم العاملين فيها ومرتاديها من المصريين وهي تقدم منتجات بنكهة سورية، بمعنى آخر، لا ينتج السوريون في مصر منتجاتهم ولا تستقبل مطاعمهم السوريين فحسب، بل إن وجود المصريين فيها أكثر من السوريين، وهذا معاكس لصورة المطاعم السورية في كل من تركيا وأوروبا، إذ من النادر أن تجد عمالة من جنسية البلد الذي يعيشون فيه في الأنشطة السورية، بل إن مرتاديها يغلب عليهم أن يكونوا من السوريين سوى مصر والخليج.

تتسابق الكلمات إلى أذنيك في مصر، وأنت تسمع الترحيب من الشعب المصري بالمنتج السوري كونه سد فراغاً أو قدم نكهة جديدة، إضافة إلى ذكاء "البزنس" السوري وقدراته الكبيرة في شد الزبون ونيل رضاه.

ومن جهة أخرى فإن الشخصية المصرية بعراقتها وطيبتها وعاطفتها ومطاطيتها قابلت تلك الأنشطة بالترحيب والتجريب والاستجابة والإعجاب.

لا يخفى على زائر مصر أن البلد يمر بظروف اقتصادية صعبة، بخاصة أن ظروفه ليست على ما يرام في ظل حرب إسرائيل على غزة وما يحدث في البحر الأحمر، وعلى الرغم من ضخ الأموال الخليجية اللافتة ولا سيما في قطاع العقارات إلا أن عامة الشعب تزداد أوضاعها سوءاً وصعوبة.

محاولة وضع مشكلات البلد، أيّ بلد على السوريين فيها ظلم كبير، وكذلك محاولة إلحاق الأذى النفسي بأنشطتهم من خلال التركيز على حالات محددة لها علاقة بالنظافة أو بعض المواقف فيها استغلال لوضع عابر، فالسؤال هو: لِمَ لا تشدد الجهات الرقابية مراقبتها؟ ولماذا محاولة وسم السوريين، كل السوريين، بسمات معينة تعج بالكراهية والأحكام المسبقة والظلم؟

المطالبة بمقاطعة محال السوريين بحجة دعم اقتصاد بلدك مضحكة بالمفهوم التجاري والاقتصادي وفيها "استعباط مقصود"

وضعُ السوريين في مصر في سلة واحدة فيه تعويم وظلم كبير؛ فهناك شريحة كبيرة من التجار والمستثمرين، وهناك من يسافرون دورياً إلى سوريا، وهناك شريحة هاربة من الخدمة العسكرية وهناك شريحة من المطلوبين من قبل النظام، وهناك شريحة مسجلة كلاجئين تحت الحماية الدولية وهناك شريحة كبيرة تريد أن تعيش كبشر عاديين بظروف طبيعية لا تتوفر في سوريا!

المطالبة بمقاطعة محال السوريين بحجة دعم اقتصاد بلدك مضحكة بالمفهوم التجاري والاقتصادي وفيها "استعباط مقصود"، فالعزلة عن العالم لم تعد ممكنة، والمنتج الذي تبيعه محال السوريين في مصر هو منتج مصري، لا تشكل فائدة السوريين منه إلا نسبة قليلة، فمواده الأولية وعماله وفواتيره وإيجار المكان الذي يشغله هو محرك لاقتصاد البلد الذي يقيم به السوريون، وكل محاولة تطهر من ذلك المنتج محاولة ساذجة بمفهوم العمل التجاري، ضررها على الجميع، وإلا كيف ستحرك الاقتصاد وأنت تدعو إلى العزلة؟

مفهوم استهلاك المنتجات السورية والإقبال عليها في مصر يشير إلى حاجة ملأها التاجر السوري أو صاحب المطعم، أو سعر أقل أو طريقة جديدة في التسويق أو جودة من نوع ما، وهي لا تستدعي مقاطعة بقدر ما يمكن أن تولد حالة تحفيز ومنافسة بالمفهوم التجاري.

السوريون في مصر يعيشون مع المصريين ويتواصلون معهم لأسباب تجارية مثلما يتواصلون مع السوريين وأكثر ولم ينعزلوا في "كانتونات"، والمصريون من جهتهم من أكثر الشعوب العربية إقبالاً على المنتج السوري ثقة به وقبولاً وترحيباً وحاجة واستلطافاً لهو بالتأكيد ملاءمة سعره للمبلغ المخصص في ميزانياتهم.

مهما حاول "المترندون" في مصر استزراع الأزمات في حقل العمل السوري فإنه بعيد كل البعد عن طبيعة الشعب المصري الذي يبادرك بالحديث عن مشتركاته معك وذكرياته، وقد زار الشام يوماً أو حلم بزيارتها وهو يحدثك عن فايزة أحمد وسعاد حسني ونجاة وأسمهان وفريد الأطرش وفهد بلان وجمال سليمان وأصالة نصري ويوسف شاهين وجرجي زيدان..

وجود السوريين في مصر وسواها فيه جانبان: حكومي قانوني إداري. وشعبي جماهيري يتعلق بتقبل وجودهم والتواصل معهم.

في الجانب الأول لا توجد إشارات إلى أن هناك نهاية قريبة لأزمات السوريين في دول الهجرة واللجوء (مصر وسواها)، ولا يبدو أن هناك حلاً سياسياً في أي أفق قريب أو بعيد، لذلك من المهم، إن كان ذلك ممكناً أن يبحث السوريون عن حلول دائمة لإقامة طويلة في البلد الذي يعيشون فيه، والبحث عن مخارج قانونية لوجودهم، فمن لديه قدرة على الحصول على الجنسية فليقم بذلك، ومن لديه القدرة على الهجرة إلى بلد يحصل بعد مدة من الإقامة فيه على جنسية فليسعَ إلى ذلك، ومن لديه القدرة على تغطية وجوده بنشاط تجاري أو قانوني فالأفضل أن يقوم بذلك، وقد فعلها عشرات الآلاف من المقيمين السوريين في مصر.

في الجانب الثاني الشعبي الجماهيري لا يبدو أن الشخصية المصرية باعتدادها وعاداتها وتواصلها وتكوينها الثقافي والديني والتواصلي ومعرفتها بعدد سكان مصر (أكثر من 110 ملايين) أنها ستصل إلى مرحلة تحسب أن مشكلاتها تكمن في أولئك المليون ونصف المليون سوري، ولا سيما أن السوريين في مصر منتجون وفاعلون ولديهم الكثير من العلاقات الاجتماعية والتواصلية والعملية مع المصريين.

توقيت ترند "مقاطعة محال السوريين وترحيل اللاجئين" في هذه المرحلة مصرياً ومن يقوم به ويسلط الضوء عليه يشير إلى محاولة جس نبض لتصدير أزمة، وقراءة هل يمكن أن يكون ملف اللاجئين دواء ناجعاً أم "حبة باندول" تزيل الألم مؤقتاً، لا سيما أن الواقع لم تعد تنفع معه حبة البندول تلك بل بات بحاجة إلى عملية جراحية بأسرع وقت!

كل هذه التشابكات لا تعفي السوريين القادرين على تدبر أمرهم من البحث عن حلول أكثر ديمومة، إن كان ذلك ممكناً، إلا إنْ كانت العين بصيرة واليد قصيرة، فذلك ألم آخر يضاف إلى قائمة الوجع السوري، الذي لن يتوقف قبل وجود حل سياسي جذري يزيل مصدر الخراب والألم والمصائب السورية في السنوات الأخيرة وهو معروف ومعلوم للجميع!

جزء من القوة الناعمة للدول وتلقي المساعدات الدولية هو استقبالها للاجئين والعناية بهم، ولا سيما إنْ كانت تلك الدول ممن يربطك بها روابط كثيرة، صحيحٌ أن تلك الروابط في عالم الاقتصاد اليوم والاستهلاك والحاجات بات ضعيفاً.

التحول المفاهيمي في الروابط بين أبناء الدول المختلفة من روابط القيم والانتماء إلى روابط المصالح والمنافع ضمن معطيات اقتصاد الدولة الحديثة دفع كثيراً من السوريين للبحث عن مخارج لهم والتفكير بالبعد المصلحي بعيداً عن فكرة التعاطف مع وضع السوريين، التي باتت قديمة إلى حد ما ولم تعد تستجلب الجانب الإنساني الذي تستحقه!

المشهد يمكن وصفه بما يلي:

في سوريا الحياة صعبة جداً وأقرب إلى فكرة غير الممكنة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، مما يجعل الآلاف من السوريين يلجؤون ويهاجرون، وصار من الصعب على السوريين بعد أن رأوا رحابة العالم وجماليات الحياة العودة إلى كهف النظام السوري المظلم، حتى لو سقط غداً، بخاصة جيل الأطفال والشباب.

يبقى القرار والفيصل هو عند حكومات تلك الدول الشمولية وأجهزتها العميقة التي تحرك الشارع بألف طريقة وطريقة

الدول المستقبلة لها قدراتها وأزماتها ومشكلاتها لا سيما في ظل الغلاء العالمي والأزمات المتتالية مما يدفع الكثير من مواطني تلك البلدان إلى التفتيش في أسباب إضافية فتجد اللاجئين والمهاجرين أمامها.

يبقى القرار والفيصل هو عند حكومات تلك الدول الشمولية وأجهزتها العميقة التي تحرك الشارع بألف طريقة وطريقة: ما خططها وإلى أي حد تريد حضور السوريين أم لا؟ وما نواياها وكيف تفيد من توظيف الملف السوري في يومياتها؟

المثقفون المصريون في جلساتك "القاهرية" معهم، تجد أنك تتشارك معهم في معظم الأوجاع الثقافية العربية مناقشة وإحساساً وألماً.. لذلك على سبيل ختام جلسة الحوار الطويلة مع ثلة منهم، يضحكون على هذه الترندات ويقولون لك: "طنش يا باشا، دحنا دافنينه سوا، وعارفين إيه اللي بيحصل، ومين يحرك المترندين اليومين دول، وليه!".