هل من أمل للحل في سوريا؟!

2022.02.09 | 05:53 دمشق

w.jpg
+A
حجم الخط
-A

التغيير من الداخل

انجلت السنوات المنصرمة من عمر سوريا ومن عمر النظام والمعارضة عن تبلور ثلاث جبهات: الأولى هي جبهة تضم قسما من المعارضة السورية ومن خلفها روسيا وأميركا وتركيا، والثانية هي جبهة تضم روسيا ومن خلفها النظام وإيران، وجبهة ثالثة مهمشة من الجبهتين السابقتين أضعفتها خلافاتها البينية وغالبها خلافات غير مبدئية بل إيديولوجية وشخصية وتضم هذه الجبهة ما تبقى من المعارضة السورية التي تمثل الشارع السوري الثائر المعارض.

كلا الجبهتين الأولى والثانية تحاولان إفشال أي مشروع للحل يطرحه الطرف الثاني، وأما الجبهة الثالثة فهي أيضا ترفض الجميع، وبالتالي تبقى سوريا والمعارضة والنظام عند النقطة صفر، الصفر السياسي..

وبينما يظهر في العلن أن الرؤوس الحامية للدول والقوى الكبرى تتناطح - وكذلك يفعل النظام والمعارضة، اللذين تحولا إلى قناعين أو إلى دميتين يستخدمهما أصحاب المصالح الكبرى المتصارعون على سوريا وأوكرانيا - فإن هذه القوى الكبرى الدولية والإقليمية تهندس خريطة مصالحها بهدوء، ويوما بعد يوم يظهر ما يؤكد أن كلّا منها أخذ حصته وبدأ يحصّن مواقعه فيها منتظرا الزمن ليبلور اعترافا ضمنيا ما بين هذه القوى بحصصها، متنكرة لإنضاج حل سياسي لأجل سوريا، فيما يبدو أن الحل في سوريا هو الحل على حساب سوريا شعبا وجغرافية، ما يعني خروج السوري من سباق تقسيم الحصص دون أي حصة سوى حصة الخيبة والخراب ليكون بذلك الخاسر الأكبر.

في الخارج توثّق ارتباط نخب اللاجئين ببلدانهم الجديدة لتتحول إلى أوطان جديدة لهم، ويبتعد حلم العودة إلى الوطن سوريا، وفي الداخل يشتد حصار النظام-العصابة ونهبه وتجويعه للشعب وتتراجع فرص البقاء، ويهاجر مزيد من الشباب..

وتشير طبيعة الهجرة السورية إلى أوروبا بالخصوص ألمانيا إلى أنها ليست هجرة طبيعية نتيجة ظروف عادية بل هي هجرة شعب كامل - لو أتيح لكل السوريين فرصة أو إمكانية الهجرة لما بقي أحد منهم في سوريا - هجرة شعب كامل من الشباب والأسر الشابة، وأخطر ما في هذه الهجرة على مستقبل سوريا هو هجرة الطبقة المثقفة العاملة السورية بكاملها تقريبا، وبالتالي فموضوع الاستنزاف هذا يؤكد طبيعة الحل الذي يحدث في سوريا.

فطالما أنه لم يعد داخل سوريا نخب مثقفة ذات خبرة فهذا يعني التأسيس لدولة فاشلة في جميع المجالات، وثانيا فإن إمكانية البناء أو إعادة البناء لو تقررت فعلا فسوف تتطلب الاستعانة بخبرات غير سوريا، غالبها ربما يكون روسياً أو إيرانياً أو تركياً..

هل من أمل في حل سوري؟ التفكير من خارج الصندوق:

طالما أنه في الوضعية السورية لا يمكن لأي معارضة أن تسقط النظام من الخارج ولا من الداخل على اعتبار أن هذا النظام هو جزء راسخ من النظام الإقليمي إلى جانب إسرائيل، فالأفضل أن يجري التركيز على تغيير النظام من الداخل وفي الحقول غير السياسية كالاقتصاد والثقافة والمجتمع وعن طريق ممارسة الضغط المستمر الهادئ للتغيير في كل مكان وبشكل فردي أو جماعي عن طريق جماعات أو جمعيات، أو عبر نشاط مدني غير مرخص رغم احتمالات التعرض للتوقيف والسجن.

أي عمل مدني يغير في سلوك المجتمع إلى الأفضل هو أفضل بمليون مرة من معارضة سياسية من الخارج أسهمت في إطالة عمر النظام دون قصد منها، لأنها رفضت الخوض في المياه الآسنة القذرة للسياسات الإقليمية والدولية التي تغطّي أو تحمي النظام من ناحية، ولأن هذه المعارضة قضت وقتها في حروب بينية جماعاتية شللية أو فردية على المناصب والجاه والمال وصراع الأفكار على خلفية إيديولوجيات متناقضة، حول ما هو مصيب أو غير مصيب، مثلما تقاتلت على النفوذ والحصص...إلخ

فلا يمكن تغيير النظام ولا يمكن تغيير سلوكه طالما هو جزء أساسي من نظام إقليمي، لكن يمكن محاولة تغيير المجتمع الذي دمره النظام.

كما أن التغيير من الداخل أفضل من معارضة مازالت تحتفظ بجسور غير مرئية مع إيران وتحاول عدم قطع شعرة معاوية مع النظام (بيان الإخوان المسلمين ردا على القصف الإسرائيلي لمرفأ اللاذقية كانون أول 2021 الذي يذكرنا ببيانهم إثر العدوان على غزة 2008 حينما علّقوا من طرف واحد معارضتهم للنظام).

إذا كان هناك من أمل في حل، فالحل هو حتما سوري سوري بإشراف أممي وليس العكس، ولن يكون عبر طريق آخر..

والحل السوري السوري ليس بين معارضة ونظام وفيما بينهما.. فالنظام المجرم المافيوي لا يمكن أن يقبل أي حل سوى بقائه كما هو، والمعارضة الرسمية من جهتها تحوي على قياديين وأفراد أقرب ما يكونون إلى نهج الفئوية والتبعية والفساد.. واللقاء بين هذين الطرفين لا ينتج حلا بل سينتج إعادة إنتاج النظام بذات الصفات السابقة التي صنعت الأزمة والخراب.

الحل السوري السوري ربما يكون ممكنا بين جهات وأفراد في النظام يرفضون توجهه التخريبي ولم يتلوثوا بالدم وبين معارضين شرفاء في الداخل وبين معارضة ومعارضين شرفاء في الخارج..

حل سحري ساخر لمعارضة عجزت عن إنجاز الحل:

من باب السخرية يقترح أحدهم خطة "فعّالة" لإدارة اجتماعات النخب السياسية المعارضة وإيصالها إلى اجتماع أخير يثمر عن حل واتفاق، وهو حل صالح أيضا للوفود والهيئات الموكلة بإنتاج حل أو اتفاق سياسي ينهي الأزمة السورية أو أي أزمة مشابهة، نهائيا.. هذا الحل مستعار من عالم المسرح الساخر والمسرح الإيمائي الساخر...

الخطة هي كالتالي: بعد فشل عشر جولات من الاجتماع المصيري، يحمل المسؤول المختار لإدارة الجولة الحادية عشرة مسدسا بلاستيكيا ويضعه أمامه على طاولة الاجتماع في إيحاء أو تهديد مبطن للمجتمعين بإطلاق النار إذا لم يتفقوا...

يبدو هذا حلا عبثيا أو خطة جهنمية لكن ربما يكون حلاً ما لنخبة لا تخجل ولا تهتم بموت شعب ثم هي بعد ذلك تتحدث باسمه..

هناك حل ثان أقوى من الحل الأول الساخر، وهو تغريم جميع المتحاورين مبلغاً من المال في حال عدم اتفاقهم عند اللقاء أو الاجتماع الرابع أو الخامس.. يذهب إلى دعم النازحين في المخيمات، ولنتخيل جميعا أن الوقت المهدور دون إنجاز اتفاقات داخل المعارضة هو فرصة إضافية للنظام لقتل السوريين!!

نعم إن عدم اتفاق النخب المعارضة المتقاعسة على حل بعد سنوات الحرب والخراب العشرة، هو بمثابة رصاص توجهه هذه النخب إلى صدور السوريين.