هل تراجع الغرب عن موقفه من الأسد؟

2022.11.07 | 05:25 دمشق

هل تراجع الغرب عن موقفه من الأسد؟
+A
حجم الخط
-A

في بدايات الثورة السورية، لجأ نظام بشار الأسد إلى شيطنة الحراك الشعبي المطالب بالحرية والديمقراطية وتصويره على أنه حرب يخوضها بالنيابة عن العالم في مواجهة الإرهاب. هذا التشويه للواقع فشل في تغيير الصورة العامة في الغرب عن الأسد كمجرم حرب يسعى للاحتفاظ بسلطته مهما كان الثمن، لكنّه نجح جزئياً في جعل الدول الغربية عاجزة مع مرور الوقت عن تطوير مقاربتها للصراع إلى خطوات متقدمة لإنهاء المأساة السورية. على الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تتخلَّ عن مطلبها بتحقيق انتقال سياسي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، إلاّ أن السياسات الغربية لطالما افتقرت إلى أدوات الضغط الفعالة لإجبار النظام وحلفائه على الامتثال لذلك. كان من شأن ذلك أيضاً أن يحد من التأثير الغربي على مسار الصراع. لم يكن يُتوقع أن يتدخل حلف شمال الأطلسي للإطاحة بنظام الأسد على غرار ما فعله مع القذافي في ليبيا، لكنّ استبعاد هذا الخيار من على الطاولة شجع النظام على تصعيد أعمال القتل ضد المدنيين وأفسح المجال أمام روسيا وإيران للانخراط بشكل أعمق في الحرب وتحويل مسارها.

أدى التركيز الغربي بعد عام 2014 على مكافحة صعود تنظيم داعش إلى تعقيد الصراع بدلاً من المساهمة في إنهائه من خلال تغذية معضلة المشروع الانفصالي الكردي ودفع تركيا إلى الابتعاد عن الغرب والدخول في تعاون مع روسيا وإيران في سوريا. مع نجاح الأسد في تحويل دفة الحرب وكسر عزلته العربية والإقليمية جزئياً، يتطلع الآن إلى استخدام بعض وسائل الإكراه لدفع الغرب إلى الانفتاح عليه. في الصيف المنصرم، تصاعدت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشكل ملحوظ من سوريا ولبنان عبر البحر الأبيض المتوسط صوب أوروبا. في حين أن انهيار الاقتصادين السوري واللبناني يُشكل سبباً مباشراً لهذه الظاهرة، إلآّ أن النظام رأى فيها وسيلة للضغط على أوروبا لتغيير سياساتها في سوريا. مؤخراً، كشفت صحيفة فورين بوليسي الأميركية أن دولاً أوروبية بينها إيطاليا واليونان والمجر استخدمت نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل تغيير سياسات الاتحاد في سوريا والبحث عن سبل للتعاون المباشر مع النظام. على الرغم من أن الجدل بين الأوروبيين بهذا الخصوص لم يظهر إلى العلن، إلآّ أن التغيير في بعض المواقف الأوروبية من الأسد بدأ يظهر بالفعل في العامين الأخيرين. منذ عام 2020، أعادت بعض الحكومات الأوروبية إقامة شكل من أشكال العلاقات الدبلوماسية مع دمشق بما في ذلك بلغاريا والمجر واليونان التي أرسلت قائماً بالأعمال إلى دمشق. كما وصفت الدنمارك العام الماضي المناطق التي يُسيطر عليها النظام في سوريا بأنها آمنة لعودة اللاجئين إليها.

أفسح تحول مسار الصراع السوري في السنوات الأخيرة المجال أمام الأصوات المطالبة بالانفتاح على الأسد للتعامل ببراغماتية مع الحالة السورية والتخلي عن المسوغ الأخلاقي

تشتكي دول جنوب ووسط أوروبا بشكل متكرر من القواعد الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي إزاء العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين السوريين بحجة أنها تعيق عمليات العودة وتغذي ظاهرة الهجرة. على الرغم من أن هذه الدول تبدو متضررة بشكل أكبر مقارنة بدول الشمال، إلآّ أنّها تستخدم هذه المظلومية لإيجاد مسوغ غير أخلاقي لانفتاحها على نظام الأسد. تلعب التحوّلات التي تطرأ على أوروبا في ظل صعود أحزاب اليمين المتطرف والضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، دوراً رئيسياً في إثارة نقاش داخل أوروبا حول تبني استراتيجية جديدة أقل حدّة تجاه النظام السوري. علاوة على ذلك، أفسح تحول مسار الصراع السوري في السنوات الأخيرة المجال أمام الأصوات المطالبة بالانفتاح على الأسد للتعامل ببراغماتية مع الحالة السورية والتخلي عن المسوغ الأخلاقي في التعاطي مع الحالة السورية من خلال الإقرار بأن الأسد انتصر في الحرب وبأن نظامه الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار في البلاد. تبدو هذه المقاربة قصيرة النظر بشكل يصعب معه الاعتقاد بأن دعم الأسد سيؤدي إلى تأمين المصالح الأوروبية. لا يزال الأسد عاجزاً عن إدارة سوريا كما كان قبل الحرب، كما أن الكثير من السوريين بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام يُفضّلون الهجرة خارج البلاد على العيش في بلد مفكك يحتاج عقوداً طويلة للتعافي من الحرب.

حتى الوقت الراهن، ما يزال الاتحاد الأوروبي يحتفظ بمجموعة واسعة من العقوبات على النظام والكيانات المرتبطة به ويواصل منع أي أنشطة متعلقة بالمساعدات الإنسانية من شأنها أن تفيد الأسد. لكنّ الجدل داخل الاتحاد بدأ يظهر حول إمكانية توسيع مفهوم التعافي المبكر لسوريا من خلال تطوير مشاريع التنمية المحلية المحدودة وفتح الباب أمام أنشطة إغاثية أخرى من شأنها أن ترتقي إلى المساهمة في إعادة إعمار سوريا بمعزل عن الموقف الأوروبي من التسوية السياسية. مثل هذا الجدل ينطوي على مخاطر كبيرة ليس فقط على صعيد إعادة منح شرعية لنظام الأسد والقفز على ضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، بل أيضاً على صعيد السياسة الأوروبية نفسها. في ضوء صعود أحزاب اليمين المتطرف ونجاحها في الوصول إلى السلطة في بعض الحالات كإيطاليا مؤخراً، فإنه من المرجح أن تزداد الانقسامات بين الأوروبيين بشأن الموقف من الأسد. سيُرسل ذلك أيضاً إشارة إلى الأسد وحلفائه بأنهم قادرون على إنهاء كسر العزلة الغربية للنظام من دون أن يُضطر إلى تقديم تنازلات في التسوية السياسية. لا يُمكن للاتحاد الأوروبي أن يستسلم للسياسات الأنانية لبعض دوله على حساب المصلحة الأوروبية العامة التي تتمثل في إيجاد حل جذري للصراع.

التخلي عن مقاربة الصراع السوري من منظور أخلاقي وإنساني سيُكرس قواعد خطيرة في السياسة الأوروبية في المنطقة ويُهدد بإضعاف آخر ورقة يمتلكها الغرب للضغط على الأسد

في ضوء ارتباط السياسة الأوروبية في سوريا بشكل وثيق بالسياسة الأميركية، فإن تراجع الاهتمام الأميركي بالمسألة السورية خلق فراغاً كبيراً في الاستراتيجية الغربية. كما أن هذا التراجع شجّع بعض الدول العربية للانفتاح على النظام السوري مع حقيقة أن واشنطن لم تُمارس ضغوطاً فعلية على تلك الدول لإبقاء الأسد معزولاً في محيطه العربي. بالنّظر إلى التحديات الكبيرة التي فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا على الغرب، فإنه لا ينبغي للغربيين والأوروبيين على وجه التحديد التعامل مع المسألة السورية على الهامش والتساهل مع مخاطر انفتاح بعض الدول الأوروبية على الأسد. إن التخلي عن مقاربة الصراع السوري من منظور أخلاقي وإنساني سيُكرس قواعد خطيرة في السياسة الأوروبية في المنطقة ويُهدد بإضعاف آخر ورقة يمتلكها الغرب للضغط على الأسد من أجل القبول بمعالجة جذرية للصراع على قاعدة تحقيق الانتقال السياسي. لدى الولايات المتحدة تجارب فاشلة في تدخلها العسكري في أفغانستان والعراق، وتكرار الإخفاق الغربي في القضية السورية سيُعمق من المخاطر التي تواجه المصالح الغربية في سوريا على المدى البعيد.