لماذا لم تؤثر حرب أوكرانيا على دور روسيا في سوريا؟

2024.02.29 | 06:52 دمشق

آخر تحديث: 29.02.2024 | 06:52 دمشق

لماذا لم تؤثر حرب أوكرانيا على دور روسيا في سوريا؟
+A
حجم الخط
-A

أعلن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشانيان في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط الجاري أن بلاده جمّدت عملياً مشاركتها في منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" التي تقودها روسيا وتضم جمهوريات سوفييتية سابقة. وعلى الرغم من أن الخطوة تعكس بشكل مباشر التوتر بين يريفان وموسكو على خلفية صراع إقليم قره باغ، فإنها تظهر من منظور جيوسياسي أوسع كإحدى الآثار غير المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على مكانة روسيا في الفضاء السوفييتي السابق. فمنذ اندلاع الحرب، التي طوت للتوّ عامها الثاني، ظهرت ديناميكيات جديدة في منطقتي آسيا الوسطى وجنوب القوقاز. ومع أن بعض دوافع هذه الديناميكيات كانت قائمة قبل الحرب على غرار صراع قره باغ، إلا أن الحرب خلقت حافزاً إضافياً لهذه الديناميكيات التي تتحرك من منظور أن حرب الاستنزاف التي دخلتها روسيا في أوكرانيا والعزلة الاقتصادية الغربية الكاسحة التي فُرضت عليها، تُقوضان من قدرتها على مواصلة دورها المُهيمن في فنائها الخلفي. وبشكل عام، فإن هذا التصور، شجّع أذربيجان في سبتمبر أيلول الماضي على شن هجوم حاسم لاستعادة السيطرة الكاملة على قره باغ، ودفع أرمينيا إلى محاولة تقليص تحالفها التاريخي مع موسكو، وحفز دول في آسيا الوسطى مثل كازاخستان على تعزيز شراكاتها الخارجية مع قوى غير روسيا.

روسيا استطاعت خلال العامين الماضيين أن تُحافظ على وجودها العسكري في سوريا وعلى دورها كضابط إيقاع في أدوار القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع

على العكس من ذلك، فإن آثار الحرب الروسية الأوكرانية على دور روسيا في سوريا بدت محدودة للغاية مقارنة بالتحولات الجيوسياسية في آسيا الوسطى والقوقاز بعد الحرب. مع استثناء أزمة تمرد فاغنر وتأثيرها على الدور الذي تلعبه المجموعة في سوريا، والذي أصبح مرتبطاً بشكل كامل بوزارة الدفاع الروسية، فإن روسيا استطاعت خلال العامين الماضيين أن تُحافظ على وجودها العسكري في سوريا وعلى دورها كضابط إيقاع في أدوار القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع كإيران وتركيا وإسرائيل. إن فكرة أن الحرب الأوكرانية ستؤثر على نشاط روسيا العسكري في سوريا كانت موضع شك منذ البداية لأسباب عديدة. فمن جانب، يقتصر الوجود العسكري الروسي في سوريا إلى جانب مرتزقة فاغنر على عناصر من أفراد الشرطة العسكرية وعدد من القواعد العسكرية أهمها قاعدة حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس. ولم تكن روسيا بحاجة إلى تقليص نشاطها العسكري في هذا البلد لأنها لم تنشر قوات برية على الأراضي السورية كي تضطر إلى سحبها أو تقليص حجمها لدعم مجهودها الحربي على الجبهات في أوكرانيا.

ومن جانب آخر، فإن حقيقة أن الصراع السوري تجاوز منذ عام 2017 مرحلة الحرب التقليدية على غرار السنوات الماضية، وبدأت تُديره منذ تلك الفترة ديناميكيات مختلفة ترتكز بشكل أساسي على التعاون الروسي التركي الإيراني ضمن منصة أستانا، ساعدت روسيا في الحد بشكل كبير من تأثير حرب أوكرانيا على دورها في سوريا. فتركيا، التي أحدثت تحولاً كبيراً على سياستها السورية منذ عام 2016، أصبحت تولي أهمية متزايدة لتعاونها مع روسيا وإيران في إدارة الوضع السوري. كما أن المعارضة السورية المسلحة، أصبحت مكبلة بالستاتيكو الجديد الذي أفرزته منصة أستانا، ولم تعد لديها القدرة على إعادة خلط الأوراق في الصراع. علاوة على ذلك، فإن أياً من دول العالم التي دعمت المعارضة السورية في بدايات الحرب لا ترغب في الانخراط مُجدداً في هذا الصراع. وفي علامة على أنّ روسيا تمكنت من الاحتفاظ بدورها كضابط إيقاع للأدوار الإقليمية في الصراع السوري في حقبة ما بعد الحرب في أوكرانيا، نجحت موسكو في إطلاق مسار تفاوضي بين تركيا والنظام السوري قبل أكثر من عام، والذي كان بمنزلة تتويج للحالة الجديدة بالنسبة لروسيا التي دخلها الصراع السوري منذ التدخل العسكري الروسي منتصف العقد الماضي.

تركيا أصبحت منذ الحرب الروسية الأوكرانية أكثر قدرة على القيام بعمليات عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني بقيود روسية أقل

مع ذلك، فإن بعض آثار الحرب الروسية الأوكرانية على دور روسيا في سوريا تظهر بشكل أوضح في العلاقات التركية الروسية. وبشكل عام، فإن حاجة موسكو إلى موقف أنقرة المحايد في الحرب ورفضها الانخراط في العقوبات الغربية ضدها، ساعدا تركيا في تعزيز موقفها في الشراكة مع روسيا في سوريا. إلى جانب الدور الذي لعبته موسكو في دفع النظام السوري إلى الدخول في المفاوضات مع أنقرة، فإن تركيا أصبحت منذ الحرب الروسية الأوكرانية أكثر قدرة على القيام بعمليات عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني بقيود روسية أقل. وكنتيجة لذلك أيضاً، أصبحت موسكو أكثر تناغماً مع السياسة التركية في سوريا خصوصاً لجهة هواجسها من المشروع الانفصالي الكردي والاعتراف بشكل متزايد بدور أنقرة في سوريا. إن هذه العوامل مُجتمعة إلى جانب الأرضية المشتركة التي تجمع روسيا مع تركيا وإيران في تقويض الوجود العسكري الأميركي في سوريا، لعبت الدور الأبرز في جعل آثار الحرب الروسية الأوكرانية على دور روسيا في سوريا محدودة للغاية ولم تؤثر عليه بشكل جوهري.

وحتى في الوقت الذي لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للحرب الروسية الأوكرانية، فإن روسيا ستبقى قادرة على مواصلة لعب دورها القوي في الصراع السوري في المستقبل. وتتعزز هذه القدرة بشكل أكبر من حقيقة أن العالم بدأ يتعاطى بشكل متزايد مع الواقع السوري الجديد الذي أفرزه التدخل العسكري الروسي وأن الولايات المتحدة والغرب لم يعد باستطاعتهما عكس هذا الواقع إن كان لجهة القدرة أو الرغبة أو كليهما معاً.