icon
التغطية الحية

هل بوسع "جزار سوريا" أن ينقذ بوتين وروسيا من هزيمة أخرى؟

2022.10.26 | 19:17 دمشق

من آثار القصف الذي تعرضت له أوكرانيا
من آثار القصف الذي تعرضت له أوكرانيا
POLITICO - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ليست عمليات القتل الجماعية ونشر الرعب بغريبة عن الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين، إذ في الشيشان، تعهد هذا الضابط المعتق ذو الرأس الحليق وصاحب جسد المصارع والتعابير التي تشي برغبته بالمنازلة، بسحق ثلاثة مقاتلين شيشانيين عن كل جندي يقتل من روسيا، كما لن ينسى أحد ما فعله بشمالي سوريا عندما حول معظم أجزاء مدينة حلب إلى ركام.

لقد أشرف هذا الجنرال في سلاح الجو البالغ من العمر 56 عاماً على قصف لا يرحم استهدف المراكز الطبية والمشافي والبنية التحتية المدنية في إدلب التي يسيطر عليها الثوار، وذلك في عام 2019، ضمن سعيه لتحطيم إرادة المعارضين، وخلق موجة لجوء في أوروبا عبر الجارة تركيا، ولذلك أبدت الحملة العسكرية التي استمرت لأحد عشر شهرا: "استخفافاً واضحاً بأرواح ما لا يقل عن ثلاثة ملايين مدني في تلك المنطقة" بحسب ما ورد في تقرير لاذع أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش.

واليوم، يكرر هذا الرجل الاسترشاد بدليل العمل الذي اتبعه في سوريا مع أوكرانيا.

قبل أسبوعين من الزمان، قام فلاديمير بوتين بتعيين سوروفيكين كقائد عام لما يعرف "بالعملية العسكرية الخاصة" الروسية، ليرضي صقور موسكو. وقد أثنى رئيس الشيشان رمضان قديروف على سوروفيكين ووصفه بأنه: "جنرال ومحارب حقيقي" وبأنه: "سيحسن الوضع"، وذلك ضمن منشور ظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

إلا أن تغيير مسار سلسلة الانتصارات الأوكرانية المذهلة في ساحة الوغى وقلب كفة الحرب لصالح روسيا بعيد عن متناول سوروفيكين الذي لا يرحم. فلقد أبدى الأوكران طوال هذا العام أنهم مخلوقون من طينة الصلابة والصمود، وبأن جرائم الحرب لن تبث الرعب في قلوبهم، ولذلك تحملوا القصف والقنابل التي أنزلها عليهم غيره من الجنرالات الروس معدومي الضمير.

بيد أن مسؤولين ومحللين عسكريين غربيين يرون أن هنالك مؤشرات ظهرت مسبقاً لوجود مستوى أعلى من التماسك التكتيكي مقارنة بما شهدناه مع سلفه الجنرال ألكساندر دفورنيكوف، إذ يقول ضابط رفيع لدى الاستخبارات العسكرية البريطانية: "إن أساليبه الحربية تخرق قواعد الحرب، لكنها أثبتت فعاليتها ونجاعتها في سوريا للأسف. وبما أنه مخطط استراتيجي حربي لذا لديه سجل حافل بالأساليب الناجعة، ولكنه شرير".

يربط سوروفيكين وغيره من المسؤولين عملية استهداف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا بسلسلة هجمات كبيرة حدثت خلال الأسبوع الماضي، حيث نجم عن تلك الضربات بنهاية الأسبوع  انقطاع الكهرباء في عموم البلاد، ما حرم أكثر من مليون بيت من الكهرباء، وذلك بحسب ما ذكره نائب رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية، كيريلو تيموشينكو يوم السبت الماضي.

وفي خطاب وجهه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مساء ذلك اليوم عبر الفيديو، قال: "إنها ضربات شائنة استهدفت مواقع حساسة، وبوسع العالم، بل يجب عليه أن يوقف هذا الإرهاب... فجغرافيا هذه الغارة الهائلة الأخيرة واسعة النطاق"، وأضاف: "بالطبع ليس لدينا القدرة التقنية على ضرب الصواريخ والمسيرات الروسية بنسبة 100%، إلا أني على يقين من أننا سنحقق ذلك بالتدريج بمساعدة شركائنا، إذ سبق أن أسقطنا غالبية صواريخ الكروز ومعظم المسيرات".

بيد أن اعتراض غالبية ما يطلقه الروس على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا لا يكفي لوقف التخلخل والبلبلة التي يحاول سوروفيكين أن يثيرها عبر تلك الغارات، وذلك لأن حجم التدمير الذي لحق بمنظومة الطاقة الأوكرانية بنهاية الأسبوع الماضي تجاوز ما لحق بالبلاد خلال الموجة الأولى للغارات التي استهدفت البنية التحتية للطاقة في 10 تشرين الأول، بحسب ما ورد في منشور لمؤسسة  Ukrenergo الحكومية على تيليغرام والتي تعمل على تشغيل شبكة الطاقة في البلاد.

ذخيرة رخيصة

تعرض ثلث محطات الكهرباء في أوكرانيا للتدمير منذ بداية الهجمات بحسب ما ذكرته السلطات الأوكرانية.

ولكن كلفة الهجوم الجوي رخيصة بالنسبة لروسيا، كونها تعتمد على مسيرات إيرانية من نوع شهيد-136، والتي تقوم بإطلاق قنابل تعرف باسم: "مسيرات الكاميكاز" لأنها تنفجر بمجرد ارتطامها بسطح ما.

مسيرة تحلق فوق كييف في أثناء الهجوم في 17 تشرين الأول 2022

وهذه المسيرات التي يبلغ متوسط التحليق لديها 2500 كم، تحوم حول الهدف إلى أن يصلها الأمر بالهجوم. وبما أن طول جناحيها لا يتعدى 2.5 م لذا من الصعب تحديد موقعها عبر الرادار ثم إنها لا تكلف أكثر من 20 ألف يورو عند التصنيع، مقارنة بصواريخ كروز التي تكلف أكثر من مليوني يورو لإنتاجها.

خلال الأسبوع الماضي أعلن البيت الأبيض أن خبراء إيرانيين متخصصين بالمسيرات، وهم عبارة عن مدربين وعمال دعم فني، قد تم نقلهم إلى ساحة المعركة ضمن الأراضي التي ضمتها روسيا من القرم وذلك حتى يساعدوا في عمليات إطلاق تلك الهجمات على أوكرانيا، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي أن: "طهران باتت مشاركة بشكل مباشر على الأرض، وعبر تقديم الأسلحة التي تضر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية في أوكرانيا".

ولكن طلب المساعدة من إيران يظهر مدى ضعف روسيا بحسب ما يراه أحد المستشارين في البنتاغون، لأن استعانة الروس بالمسيرات الإيرانية تعني نفاد الصواريخ لديهم، إذ يقول ذلك المستشار: "لا أعتقد بأن قدراتهم جيدة كما يدّعون، ولأني أعتقد دوماً أن الروس يمثلون قوة جوفاء، وليس لديهم عمق في مدى الإمكانيات ولا يمكنهم تطبيقها بشكل فعال للغاية، لذا فإن توجههم للإيرانيين من أجل الحصول على تقنية المسيرات يعتبر تصريحاً سيئاً بالنسبة لما كانوا يتبجحون به حول الصناعة العسكرية الروسية أو السوفييتية".

وفي الوقت الذي تسهم فيه تلك المسيرات بإحداث ضرر جسيم، فإن حمولاتها المتفجرة الخفيفة التي تزن 36 كيلو غرام تعتبر مشكلة بالنسبة للروس، لأنها ليست قوية بما فيه الكفاية لتتسبب بإحداث تدمير يعطل محطات الكهرباء الكبرى، ولذلك يتم توجيهها عوضاً عن ذلك لمحطات فرعية أصغر حجماً. وفي نهاية الأمر يمكن للخبراء الغربيين والأوكرانيين أن يتوصلوا لطرق تعطل منظومة تحديد الموقع الجغرافي التي تعتمد عليها تلك المسيرات لحرفها عن الهدف. ولذلك قد تكون فترة صلاحيتها قصيرة بحسب رأي المسؤولين الغربيين.

إن عدم وجود ما يكفي من الإمكانيات لا يمثل المشكلة الوحيدة التي يواجهها الجنرالات الروس، إذ من بين كبرى المشكلات التي أنهكت قواهم عدم وجود قيادة للوحدات الروسية الصغيرة، إلى جانب عدم وجود إشراف يتمتع بالكفاءة ضمن ساحة المعركة.

جنود وضباط شرطة أوكرانيون يحرسون أحد الشوارع بعد غارة بمسيرة في كييف في 17 تشرين الأول 2022

تشرّب الأوكرانيون العقيدة العسكرية الأميركية إلى جانب التزامهم بالتدريب العسكري على الطريقة الأميركية منذ عام 2014، بما أن تلك العقيدة تركز على تشكيل فيلق محترف من العُرفاء والرُّقباء الذين يفهمون الصورة الكبرى ويتمتعون بالصلاحية التي تخوّلهم اتخاذ قرارات في ساحة المعركة عند قيادتهم لقطعاتهم بحسب ما ذكره جون بارانكو وهو محلل لدى المجلس الأطلسي الذي أشرف على أولى عمليات قوات البحرية الأميركية في أفغانستان عقب الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول، كما خدم في العراق أيضاً.

إن فشل الروس في تأسيس مثل هذه الكوادر أصابهم في مقتل في أوكرانيا، وليس لدى سوروفيكين الوقت الكافي لتصحيح هذا العيب. لذا من المحتمل أن يسوء الوضع أكثر مع قيام الكرملين برمي مجندين غير مدربين بشكل كاف في ساحة المعركة بعدما أصدر بوتين أوامره بالتعبئة الجزئية.

الانسحاب الروسي

بعد أيام قليلة من التدريب، أخذ المجندون الروس يلفظون أنفاسهم الأخيرة في أوكرانيا، إذ يتم إرسال من تم سحبهم للاحتياط إلى ما تحول اليوم لجبهة حاسمة خلال هذه المرحلة من الحرب، أي مدينة خيرسون الجنوبية، حيث أمرت السلطات الروسية كل الأهالي بالرحيل قبل تقدم القوات الأوكرانية الذي بات وشيكاً.

كانت مدينة خيرسون المركز الوحيد الذي تمكنت روسيا من السيطرة عليه في تلك المنطقة منذ بدء الغزو، إذ كانت بمثابة الجائزة الكبرى بالنسبة لإقامة جسر بري بين القرم وجنوبي أوكرانيا، بالإضافة إلى فتح السبيل أمام هجوم محتمل يستهدف ميناء أوديسا على البحر الأسود.

غير أن الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ خلال الصيف تركز اليوم على مدينة خيرسون، وذلك لأن الوضع التكتيكي الروسي بات مخترقاً في تلك المنطقة إلى حد كبير، حيث تتمركز قوات المظليين على الضفة الغربية لنهر دينيبر مما يعرضها لخطر كبير، إذ يقول جاك واتلينغ وهو خبير بالحرب البرية لدى المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة: "من وجهة نظر هندسية بالنسبة لساحة المعركة، يعتبر ذلك تمركزاً مريعاً بالنسبة للروس".  

يخبرنا واتلينغ وهو محلل العمليات العسكرية يتعاون مع قيادة الأركان في أوكرانيا أن الروس على الضفة الغربية يعتبرون من أشد الجنود انكشافاً ولا يمكن تزويدهم بالمؤن والعتاد على الفور "وبالدرجة المطلوبة ليصبحوا منافسين" كما لا يستطيعون أن يقوموا بهجوم مضاد، إذ يقول واتلينغ: "يمتلك الأوكرانيون زمام المبادرة وبوسعهم أن يحددوا إيقاع المعركة، إذ من خلال نظرة عسكرية صرف، بوسعنا القول إنه من الأفضل للروس الانسحاب من مدينة خيرسون والتركيز على السيطرة على النهر (من جهة الضفة الشرقية) ومن ثم فرز معظم القوات على محور زاباروجيا، ولكن لأسباب سياسية، تباطؤوا في القيام بذلك ويبدو بأنهم على استعداد للقتال ضمن عمل عسكري مؤجل".   

صورة ملتقطة في 19 تشرين الأول 2022 تظهر شاخصة مرورية كتب عليها "خيرسون"

ينسجم كل ذلك مع ما أوردته القيادة العامة الأوكرانية في نهاية الأسبوع الماضي، والتي جاء فيها بأن تحركات للجنود الروس ظهرت في منطقة خيرسون وذلك من خلال بعض القطعات التي تستعد لقتال المدن، في حين أخذت قطعات أخرى تنسحب من المنطقة.

بالمختصر، يمكن القول بأن سوروفيكين اضطر لتطبيق إحدى أصعب المناورات العسكرية، أي الانسحاب المنظم وذلك لإعادة تمركز القوات التي تضم مجندين جدداً ممن لم يحصلوا سوى على تدريب ضئيل وقطعات تفتقر إلى التماسك. وذلك لأنه عندما حاولت قوات روسية مدربة بشكل أكبر أن تقوم بالتحركات نفسها بالقرب من خاركيف في شمال شرقي أوكرانيا خلال الشهر الماضي، تعرضت لهزيمة مدوية.

بيد أن البلطجة والوحشية وحدها لن تنقذ المجندين الروس من القوات الأوكرانية المتحفزة ذات الحركة الرشيقة، ولهذا بات التعويل منصبّاً بشكل كبير على المهارات التكتيكية لدى سوروفيكين عبر تدبير أمور الانسحاب المحفوف بالمخاطر.

المصدر: POLITICO