icon
التغطية الحية

هل التسجيل البيومتري للاجئين السوريين في الأردن يهدد خصوصيتهم؟

2022.10.25 | 17:01 دمشق

مسحة القزحية - المصدر: الإنترنت
مسحة القزحية - المصدر: الإنترنت
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل تسع سنوات تقريباً، وضع عزام رأسه داخل صندوق أسود ضيق في مكتب مفوضية اللاجئين بعمان، وحاول جاهداً أن يبقي عينيه مفتوحتين أمام الجهاز الذي أخذ يومض، فأرهقه كل ذلك.

قبل أشهر من وصول عزام إلى ذلك المكتب، شارك هذا الرجل في مظاهرة خرجت في حمص السورية، وسجن بسبب ذلك لمدة ثلاثة أشهر لاقى فيها من التعذيب ما لاقاه إلى أن فر إلى الأردن. وهناك أخذ يتمنى من تلك الآلة المتطورة أن تلتقط مسحة لقزحية عينه حتى يتم تسجيله كلاجئ، وليتحول ذلك الملف إلى بوابة لحياة أفضل.

وعن ذلك يحدثنا عزام وهو يفترش أرضية شقته بعمان وطفلته الرضيعة تغفو بين ذراعيه فيقول: "أعرف بأني مطلوب لدى النظام، ولكني سجلت لدى المفوضية حتى أحصل على مواد غذائية، فأخذوا مسحة لقزحية عيني، لكنهم لم يوضحوا لي كيف سيتم استخدامها أو حمايتها".

بدأت الحكومات والمنظمات الإنسانية بإعداد قواعد بيانات تضم كميات هائلة من المعلومات البيومترية حول اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب، إذ أصبح ذلك في أغلب الأحيان شرطاً مسبقاً لدخول أي دولة جديدة والحصول على مساعدات إنسانية، وذلك لأن البيانات البيومترية ساعدت المفوضية على تحقيق مكاسب كبيرة عبر تسجيل اللاجئين، حيث خفضت الفترة الزمنية اللازمة للانتظار من ثمانية أشهر إلى صفر في الأردن.

كما دفع انتشار كوفيد-19 المنظمات الإنسانية لتزيد من استخدامها للمعلومات البيومترية التي لا تحتاج إلى تواصل أو تماس، ولكن حتى مع توسع البيانات البيومترية، أبدى باحثون متخصصون في مجال حقوق الإنسان قلقهم إزاء المخاطر التي تلاحق اللاجئين من أمثال عزام.

إذ تخبرنا بلقيس ويلي وهي من كبار الباحثين لدى قسم النزاعات والأزمات لدى منظمة هيومان رايتس ووتش بأن: "قلقنا يأتي من أن هذا النوع من الأنشطة يحدث في دول لا يوجد لدى قسم كبير منها قوانين لحماية البيانات، ولهذا لا تشعر المنظمات الإنسانية بأنها ملزمة بأي قواعد أو قوانين لحماية البيانات غير تلك الموجودة ضمن سياساتها".

كيف يتم استخدام البيانات البيومترية؟

أصبحت المفوضية العليا للاجئين تستعين بالمعلومات البيومترية منذ أوائل الألفية الثالثة وذلك لتتعقب اللاجئين من بوروندي إلى ماليزيا، على الرغم من أن مكتب المفوضية في الأردن كان أول من استخدم مسحات القزحية لتسجيل اللاجئين وتوزيع المعونات.

تقوم المفوضية بجمع صور مسح القزحية للاجئين السوريين في الأردن وفي لبنان عبر الاستعانة بنظام  IrisGuard الذي تؤمنه شركة بريطانية-أردنية. وعبر النظر إلى آلة IrisGuard بوسع اللاجئين أن يدفعوا للبقال أو أن يسحبوا الأموال من ماكينات الصراف الآلي المخصصة لهم عبر شراكات عقدتها الأمم المتحدة مع بنك القاهرة عمان، أو ليبان بوست أو غيرها من البنوك الخاصة.

اعتمد القطاع الإنساني منذ أمد طويل على الصور لتحديد هوية اللاجئين، إلا أن البيانات البيومترية مثل بصمات الأصابع ومسحات القزحية أسرع وأدق.

لدى المفوضية اليوم واحدة من أكبر قواعد البيانات البيومترية المتعددة في العالم، حيث تحتفظ ببيانات لملايين البالغين والأطفال الذين تجاوزوا سن الخامسة. كما تستخدم تلك البيانات لتحديد هوياتهم ولمقارنة الملف البيومتري لشخص معين بقاعدة بيانات بهدف منع اللاجئين من التسجيل أو الحصول على المساعدات مرتين، إذ يقول ممثل المفوضية في الأردن، آندرو هاربر بأنه: "حتى لو انتقل اللاجئ من الأردن إلى مصر، يمكننا أن نعرف بأنه الشخص نفسه".

وخلال تفشي جائحة كوفيد-19، حظيت المعلومات البيومترية بموطئ قدم أكبر، إذ في الأردن، استخدم بنك القاهرة عمان حافلات متنقلة تابعة له بوسعها التعرف إلى اللاجئين من خلال قزحية العين وذلك لتساعدهم على سحب المساعدات الإنسانية، في حين استخدم برنامج الغذاء العالمي أجهزة متنقلة لتقوم بمسح قزحية العين من أجل تقديم المعونات الغذائية للاجئين. كما أصبحت الكثير من المنظمات غير الحكومية تستعين بماكينات الصراف الآلي التي تستخدم مسح قزحية العين وذلك للحد من الاتصال بين اللاجئين والموظفين.

تخبرنا ديمة التي تعمل لدى منظمة دولية غير حكومية كبيرة في الأردن بدأت تستخدم تقنيات مزودة بأجهزة لمسح العين من أجل توزيع الأموال على اللاجئين: "لقد بدأنا بالاستعانة بمسحات قزحية العين لأن ذلك صحي بنسبة أكبر، ثم إن كوفيد-19 سبب رئيسي لتحولنا لذلك" بيد أنها أعربت بأن منظمتها لا تخطط للتراجع عن ذلك، حتى بعد انتهاء الجائحة.

غياب الموافقة بعد الاطلاع على المعلومات

منذ أن بدأت المفوضية باستخدام البيانات البيومترية، تغيرت قواعد الموافقة وحماية البيانات الدولية.

إذ يقول كارل شتايناكر وهو مسؤول سابق لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة: "إن قضايا مثل حق الموافقة والحق بنسيان البيانات، أي تلك الميزة الموجودة في القانون المعاصر مثل القانون العام لحماية البيانات أو قانون كاليفورنيا حديثة نسبياً، وقد أنشئت تلك النظم الموروثة بناء على فرضيات مختلفة، أي أن الخصوصية لم تكن عنصراً جوهرياً عند إنشائها".

على الرغم من أن المفوضية تعلن بأن تقديم البيانات البيومترية أمر غير إجباري، إلا أن الاستثناءات هنا نادرة، على الرغم من وجود أدلة على أن اللاجئين السوريين يسعون لتجنب عملية تقديم بياناتهم البيومترية في أماكن أخرى.

ففي مسح غير رسمي شمل عشرة لاجئين سوريين يعيشون في الأردن تبين بأنهم جميعاً لا يتذكرون أنهم قدموا موافقتهم أو تعرفوا إلى الطريقة التي يتم من خلالها استخدام مسحات القزحية، وفي ذلك ما ينسجم مع ما خلصت إليه دراسة سابقة ظهرت في عمان، وكشفت بأن معظم اللاجئين السوريين لا يثقون بالغرض من أخذ مسحات القزحية الذي يمارس عليهم، ولا يعرفون من بوسعه الوصول إلى تلك البيانات.

Jordan Syria refugees 2017

سوريتان تقفان في طابور للتسجيل لدى مكتب التوظيف في مخيم الزعتري التاريخ 4 تشرين الأول 2017

 وهذه النتائج مفهومة في ظل افتقار المفوضية لسياسة حماية المعلومات المتوفرة للعموم حتى عام 2015، أي بعد مرور سنين على تقديم الكثير من اللاجئين لبياناتهم.

بل حتى اليوم، ما تزال إجراءات حماية البيانات لدى الأمم المتحدة يسودها الكثير من الغموض، إذ في إحدى المرات أطلقت المفوضية نشرة تخص اللاجئين جاء فيها: "لا يتم مشاركة البيانات البيومترية مع أي طرف ثالث"، إلا أنه ورد في السياسة الرسمية لحماية البيانات بأنها يمكن أن تقوم بتحويل البيانات الشخصية التي تشتمل على المعلومات البيومترية "للحكومات الوطنية أو المنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية أو كيانات ضمن القطاع الخاص أو أفراد".

فردت مفوضية اللاجئين في الأردن على الأسئلة التي تتصل بذلك الغموض في بريد إلكتروني جاء فيه: "إن وضعنا لا يخولنا الإجابة على تلك الأسئلة للأسف لأنها تتصل بشيء يقع خارج الأردن".

وقد باتت مظاهر الغموض تلك شيئاً ملحوظاً، بعد تزايد الحالات الشائنة لاستخدام البيانات البيومترية. إذ في أفغانستان، قامت الحكومة الأميركية والوكالات الأممية والبنك الدولي بتأسيس نظم تشتمل على معلومات بيومترية عن الأفغان، وذلك من أجل الأعمال الإنسانية في أغلب الأحيان. إلا أن طالبان منذ أن سيطرت على البلاد في الصيف الماضي، استطاعت الوصول إلى أجهزة المعلومات البيومترية التي تركتها القوات الأميركية خلفها، ما عرض الكثير من الناشطين وأعضاء مجتمع الميم، والأفغان وحلفائهم الأميركيين وغيرهم لمخاطر جمة.

جمعت مفوضية اللاجئين أيضاً معلومات بيومترية عن اللاجئين الروهينغيا في بنغلاديش بعد فرارهم من الإبادة في ماينمار. وعلى الرغم من عدم اكتشاف اللاجئين لذلك، إلا أن المفوضية كانت تشارك بنغلاديش بتلك البيانات، حتى في الوقت الذي كانت فيه الحكومة البنغالية تفاوض ماينمار على إعادة اللاجئين.

هل تقوم حكومات الدول المضيفة بجمع البيانات البيومترية؟

تهدف الحكومات التي تستقبل اللاجئين لجمع البيانات البيومترية، فقد جمعت تركيا بصمات أصابع وأكف لأكثر من مليون لاجئ سوري، بينهم أول من تم إدخالهم ضمن النظام الوطني البيومتري لبصمات الأصابع، وفي عام 2016، سنت تركيا قانون حماية البيانات الشخصية الذي يقوم على القانون العام لحماية البيانات والذي يمنع المنظمات مثل المفوضية من جمع بيانات بيومترية حول اللاجئين الموجودين في تركيا ومعالجتها ضمن مخدماتها خارج البلد.

وعلى عكس ما جرى في تركيا، فإن المفوضية زودت السلطات في لبنان والأردن بمعدات وتدريب للحصول على البيانات البيومترية. ولذلك أصبحت المفوضية والحكومتان في لبنان والأردن تستخدم النظام ذاته، أي IrisGuard، لجمع تلك البيانات.

ثم إن المفوضية تعمل على إرضاء الحكومات المضيفة، ولهذا تحتفظ بعلاقة إيجابية مع الحكومة بصورة أساسية، إذ تقول بلقيس عن ذلك: "تقوم السلطات الأردنية بجمع بياناتها البيومترية داخل المخيمات التي تديرها المفوضية، وذلك بموجب نظام أنشأته المفوضية، لذا ثمة تساؤلات حول الدور الذي تلعبه المفوضية بالأساس وهل يتمثل ذلك بتسهيل عملية جمع البيانات؟"

أما في لبنان، فقد خاض المسؤولون حرباً مع المفوضية ليصلوا إلى قاعدة بياناتها، على الرغم من تزويد المفوضية بالمعدات اللازمة لجمع البيانات البيومترية للحكومة اللبنانية، إذ في عام 2014، أعلن وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني وقتئذ، رشيد درباس، بأن الحكومة: "تتعاون مع المفوضية على تأسيس منظومة لتدوير تلك البيانات.. فلماذا لا يعطوننا إياها بما أنهم يعملون على الأراضي اللبنانية؟"

بيد أن العاملين لدى المفوضية أنكروا قيامهم بمشاركة مسحات القزحية مع الحكومة اللبنانية التي أصبحت تقترب من موالاة الأسد أكثر فأكثر.

ثم إن اللاجئين يقدمون بياناتهم البيومترية في أغلب الأحيان حتى يحصلوا على الغذاء والمال.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه الموافقة بعد قراءة المعلومات عنصراً أساسياً لدى معظم قوانين حماية البيانات، قد لا يتمكن اللاجئون الهاربون من تقديم موافقتهم بكل حرية عندما يصبح تقديمهم لبياناتهم الشخصية أمراً واجباً وشرطاً لحصولهم على وجبتهم التالية، وعندها يمكن للمفوضية أن تحتفظ ببياناتهم إلى أجل غير مسمى، حتى بعد انقطاع المساعدات وتوقفها.

وعلى ذلك يعلق عزام الذي يمسك بيد ابنته في أحد أحياء عمان التي ترتفع فيها الأسعار بشكل جنوني، فيقول: "عشت وأنا أخاف العودة إلى سجون نظام الأسد، والآن لم أعد أحصل على المساعدات، لذا فإن كل ما أفكر فيه اليوم هو كيف أعيل أسرتي".

المصدر: Middle East Eye