icon
التغطية الحية

"نَوَر": رصد الوعي في ظل الأنظمة الشمولية وتحليل تعقيدات المشهد السوري

2022.06.10 | 15:06 دمشق

nwr-_bd_allh_shahyn.jpg
إسطنبول ـ تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"نَوَر: سبر لتحول الوعي الفردي والجمعي في ظل الأنظمة الشمولية- المجتمع السوري مثالاً" كتابٌ يطرح من خلاله الكاتب عبد الله شاهين رؤيته الخاصة في التحولات الفكرية والسلوكية التي طرأت على المجتمع السوري عبر عقودٍ مضت، مستعرضاً نظرياتٍ تتناول أسباب هذه التحولات وأثرها على إبقاء المجتمع السوري في حالة تشظٍ كامل.

ويعلل شاهين استخدامه في العنوان لفظة "نَوَر" الفجة في قاموسنا العربي، برغبته في "استعارة مفهوم نزع الإنسانية والتشابه بيننا وبين من نسقط عليه هذه الشتيمة في ثقافتنا المعاصرة، حيث أن هذا المنظور نحو الآخر/ الضدّ لما نحن عليه هو أحد أشكال التعايش في ظل الأنظمة الشمولية القمعية، وهو المسؤول عن وأد كل أشكال البنى الاجتماعية التي يمكن أن تتكون في أي تجمع بشري" بحسب تعبيره.
الكتاب ليس نصاً هجائياً كما يبدو من صيغة العنوان، وإنما هو محاولة فردية لتحليل مشكلات معقدة سياسية وفكرية واجتماعية، لعل هذا التحليل يسهّل رسم معالم الطريق، والخلاص إلى مجموعة من نقاط العمل التي يمكنها أن تكون مفاتيح حل لمشكلات واقعنا اليومية كما لأزماتنا الحضارية والوجودية. كذلك؛ فإن الكتاب ليس محاولة لجلد الذات، إلا أن هذا لا يخفي أن قراءته وكتابته كلاهما تجارب مؤلمة.

ويمكننا القول إن هذا الكتاب هو عبارة عن محاولة للغوص إلى ما هو كامن تحت السطح؛ إنه تناول المبضع والشق عن أجزاء من الصدر، وبالرغم من أنه لا يكشف خبايا الأنفس فإنه يمنحنا نظرة أعمق وأكثر تفصيلاً.

مضمون الكتاب وتحولاته

يقع الكتاب في أربعة فصول موزّعة على 380 صفحة. ويبدأ الكاتب فيها بالحديث عن الحضارة وعكسها "اللاحضارة" وما بينهما، ويستفيض في محاولة شرح معنى الحضارة الضائع وملامحها ومكوناتها، وكيف يمكن "تخزينها"، وينتقل من الحديث عن الحضارة إلى الحديث عن الريادة، وكل منهما مفاهيم كبرى وكلية تشمل البشرية جمعاء. ثم ينتقل في الفصل الثاني إلى الحديث عن نقطة الانطلاق للمستوى الثاني من التحليل، وكيف يمكننا تحديد النقطة أو المركز الذي سيكون مركز المعاينة الدقيقة لظواهر التخلف وآثار الاستبداد.

نقطة الانطلاق اختارها الكاتب ضمن السياق السوري ومرتبطة بتاريخ سوريا الحديث وواقعها المعاصر، وتفاعلهما في خلق الهوية السورية اليوم، انطلاقاً من الحكم الخارجي ومن ثم الاستعمار، وصولاً إلى مرحلة الحكم السلطوي الداخلي ومن ثم الحكم الشمولي.

بدأ شاهين بتحليل الظواهر النفسية للشعوب المقهورة، أو "النوَرية"، وفهم كيف بنيت وتطورت مبادئهم الفكرية

وبدل أن يكون الحديث فقط عن ملامح ظاهرية وظروف خارجية، وجّه الكاتب المنظور نحو الداخل، نحو البنية الفكرية وملامحها في ظل الاستبداد، وتعمّق في فهم كيفية تكوين فكرة "الآخر" الذي جعلناه "ضدّاً"، ومن ثم عدواً، والأسباب التي جعلت ملامح هذا الآخر مطموسة وغير مميزة. وشيئاً فشيئاً تكونت صورة مبهمة للآخر "العدو" بحيث أصبح إسقاطها على أي شخص أمراً ممكناً، ومن هنا تكوّنت نواة التشظية الذاتية للمجتمع، التي تردف العمل الممنهج للأنظمة القمعية في تدمير أية بنى اجتماعية في مجتمعات القهر.

بعد ذلك، بدأ شاهين بتحليل الظواهر النفسية للشعوب المقهورة، أو "النورية" بحسب وصفه، وفهم كيف بنيت وتطورت هذه المبادئ الفكرية؛ فرصدَ في الفصل الثالث خمسة ملامح فكرية ميزت الشعوب النورية عن غيرها من الأمم، وفي الفصل الرابع حاول رصد بعض أهم الملامح السلوكية الشائعة في الشعوب النوَرية، دون أن تكون بالضرورة محصورة بها وحدها دون غيرها، إلا أن درجة شيوعها وتقبلها هو ما جعلها مرتبطة بالنَّوَر دون غيرهم. وفي الخاتمة، كان على الكاتب سرد عددٍ من اعترافات ذلك "النوَري" الذي يعرفه تمام المعرفة.

الفصل الأول: السياق

يتحدث هذا الفصل الطويل والمعقد عن تعريف الحضارة وظواهرها وما تقاس به، ويتحدث عن نشوئها تاريخياً، كما يتحدث بعدها عن قيام الحضارة الغربية وأثر الحركة الاستعمارية لا في تثبيت الفروق الحضارية بين العالم المستعمِر والمحتل فحسب، بل في خلق أيديولوجيا "الدونية" أو "اللا حضارة" وتثبيتها على الأمم المقهورة عبر مختلف الوسائل. وكيف تم تبني هذا المنظور داخلياً في تلك الأمم حتى بعد زوال الاستعمار.

الفصل الثاني: ويقع في قسمين

الراحلة: وتتحدث عن مفهوم النوري تاريخياً ومن أين جاء المصطلح، وكيفية الحفاظ على صورته النمطية في الأذهان عبر القرون. وعن محاولات النقد الاجتماعي التي قام بها بعض الكتّاب في مختلف حضارات العالم وأثرها على تلك المجتمعات.

معالم الطريق: ويتحدث هذا الفصل عن نظريتي في بنية التاريخ وأهمية السردية التاريخية في بناء الوعي الجمعي للأمم، ويدرس تاريخ سوريا المعاصر بدون إسهاب وأثر هذا التاريخ على سيرورة الأحداث التي نعاصرها نحن اليوم في السياق السوري.

الفصل الثالث: المتاع

ويتحدث عن خمسة ملامح فكرية للمجتمع "النوري" وأثرها على بناه الاجتماعية، هذه الملامح هي: الجهل، وعدم التمييز، والشمولية الفكرية، والإقصائية، والعزلة. وكيف أن هذه الملامح الفكرية هي شكل من أشكال التماهي مع المستبد والتعايش تحت وطأة بطشه، وكيف أنه تنتج حالة التشظي الاجتماعي والانتهاء بالمظلومية المطلقة وذوبان الذات الفاعلة.

الفصل الرابع: سقط المتاع

يتحدث هذا الفصل عن ستة ملامح فكرية في المجتمع النوري ويوضح أنها ليست فريدة فيه، بل أنها توجد في كل المجتمعات، لكن شيوعها وتقبلها بين أفراد المجتمع هو ما يميز سلوك الأفراد في المجتمع السوري. هذه الملامح هي: التنبلة، والإحساس بالعصمة، والأنانية، والحربقة، والكولكة، والعنترية. لا يمكن شرحها حقيقة لكنها مقاربة تحليلية لهذه الظواهر السلوكية بشكل أكثر عمقاً وتفهماً وليست مجرد إسقاط منظور أخلاقي وتنظيري على المجتمع.


الكتاب: "نَوَر: سبر لتحول الوعي الفردي والجمعي في ظل الأنظمة الشمولية - المجتمع السوري مثالاً".
المؤلف: عبد الله شاهين.
النشر: رياض الريس للكتب والنشر (2022).
الصفحات: 280 صفحة من القطع الوسط.