icon
التغطية الحية

نيويورك تايمز: لاجئون يديرون أهم مطبخ في مدينة ميسولا الأميركية

2022.05.28 | 05:53 دمشق

kkk.png
نيويورك تايمز - ترجمة ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تصدر غالية أحمد فايز المصري وهي ترتدي مئزر الطباخ الرمادي المتغضن فوق سترتها الوردية تعليماتها على الفريق العامل في المطبخ في الوقت الذي تتدفق فيه أغان مصرية ولبنانية من أحد الهواتف النقالة. كان على فريقها أن يعد 150 وجبة في أحد الأمسيات خلال آذار الماضي، وقد بيعت كل تلك الوجبات يومها.

ذاع صيت غالية، 33 عاماً، كطباخة في مدينة ميسولا الأميركية وما حولها، بما أنها مدينة تشتمل على كلية، ويعيش فيها نحو 75 ألف نسمة، إذ يأتيها زبائن يرتدون بنطالاً من الجينز وأحذية واسعة كتلك التي يرتديها الطلاب حيث يصطفون بالدور خارج مطبخها حتى عندما تهبط درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، ليتذوقوا طبق البابا غنوج الذي تعده، وكذلك طبق الحلاوة بسميد، والهريسة التي تزينها بالفستق، وعن ذلك تحدثنا غالية فتقول: "أصبح الناس يعرفونني، ولهذا عندما أطبخ فإن وجبتي تنتهي بسرعة البرق، ولم يستغرق بيعها اليوم أكثر من ربع ساعة".

Mrs. AlMasri’s halawa bi smeed, a semolina-based pudding garnished with cream, pistachios and coconut.

الحلاوة بسميد من يد غالية المصري

 

Missoulians stand in line to pick up their orders. More than 2,200 people receive the weekly menu via email on Thursday mornings.

الزبائن وهم ينتظرون دورهم للحصول على وجباتهم

بدايات المشروع

يقع هذا المطبخ الذي تعمل فيه غالية، والذي يعتبر أشهر مطعم في المدينة، في قبو تعيس تابع للكنيسة الميثودية المتحدة الأولى الموجودة في الشارع الرئيسي الشرقي. وتعتبر تلك الوجبات جزءاً من برنامج أسبوعي يعرف باسم: United We Eat @Home حيث تقوم لاجئات وغيرهن من المهاجرات اللواتي يقمن في تلك المدينة بطهي وإعداد وجبات جاهزة لزيادة دخلهن.

On average, the chefs who participate earn $850 per meal service, which they use to supplement their income or send to family members in other countries.

الطاهيات منهمكات بالعمل

أقامت منظمة سوفت لاندينغ ميسولا، وهي منظمة غير ربحية، هذا المطبخ خلال فترة انتشار الجائحة، بهدف دعم اللاجئين والمهاجرين من مختلف بقاع العالم، وقد ذاع صيت تلك الوجبات، حيث أصبحت قائمة طعام ذلك المطبخ تصل لأكثر من 2200 شخص عبر البريد الإلكتروني كل يوم خميس عند الساعة التاسعة صباحاً. إذ عندما يصل الإشعار بوصول تلك الرسالة إلى البريد الوارد، يتحول الأمر إلى سباق مع الزمن، وهكذا تباع الواجبات على مدار الأسبوع، في غضون أقل من نصف ساعة.

وقد شجع النجاح الذي حالف هذا المطعم القائمين عليه على توظيف أول لاجئة ضمن فريقه، وهي روزان شبيب، لتعمل مساعدة في ذلك المطبخ خلال العام الماضي. وقد ساعد ذلك البرنامج اللاجئين في الحصول على تصاريح خاصة بالفلاحين في الأسواق، ما شجع مطبخ مازالا الهندي الواقع وسط المدينة على توظيف كادر كامل من اللاجئين.

وصلت غالية المصري التي هربت من النزاع في دمشق بسوريا إلى ميسولا في عام 2017 برفقة زوجها وولديها، وكان عمر أحدهما ستة أعوام والآخر ثمانية. فكانت من بين 431 لاجئاً و100 أفغاني تم إخراجهم من أفغانستان وأتوا ليستقروا في ميسولا عبر لجنة الإنقاذ الدولية منذ عام 2016، ولذلك تشارك طاهية واحدة من بين 18 طاهية منزلية في برنامج  United We Eat.

تواجه تلك الطاهيات اللواتي تعود أصولهن إلى سوريا وأفغانستان وأريتريا والعراق وباكستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها كثيرا من التحديات بوصفهن طباخات يعملن في مطعم. ولذلك تخطط كل منهن لما سيظهر في قائمة الطعام لديها لمدة شهر مقدماً لضمان توافر الوقت الكافي لطلب مواد محددة، مثل اللحم الحلال، ودقيق التف الأريتيري، والأرز البسمتي من ماركة آهو باراه، كما تقدر كل منهن كمية التوابل الحارة التي بوسعها إضافتها للصلصات بحيث لا تؤذي الذائقة الحساسة لدى الناس، إلا أن الجميع يقلق حيال طعامه وهل سيبقى شهياً عندما يصل إلى البيوت أم لا.

تنوع لغوي

أمام عدد من الزبائن، تضع غالية المصري الوجبات بحذر شديد داخل أكياس قماشية اشتراها المطبخ لهذا الغرض، كما ترتب العلب المملوءة بالشاكرية والزهرة المقلية، ثم تضع عبوات البابا غنوج التي يزن كل منها ثماني أوقيات فوق بعضها البعض، وهي تشرح لنا معنى ذلك الاسم، وتخبرنا بأن أطباق اللحوم هي الأكثر مبيعاً في مونتانا.

يشكرها بعض الزبائن بالعربية، بعدما كتبت ترجمة كلمة شكراً إلى جانب مقابلتها بالإنكليزية على لوح أبيض وضع بالقرب من المنضدة التي يجري البيع فوقها، وهذا ما شجع أهالي ميسولا على التواصل مع غالية باللغة العربية، بما أنها لغتها الأم. وثمة كلمات أخرى كتبت بالعربية إلى جانب مقابلاتها بالإنكليزية مثل بندورة ودجاجة.

Customers are encouraged to use greetings in each chef’s native language, which are written on a whiteboard in the pickup area.

زبونة تحاول أن تحيي الطاهية بلغتها الأم

وعن ذلك المشروع تحدثنا مديرته بيث بيكر فتقول: "إن المسألة تقوم على تغيير ديناميات السلطة عبر تحويل هذه المساحة إلى عالم يخص الطاهية اللاجئة".

مال وفير يتقاضاه الطهاة في ميسولا

تتقاضى كل طاهية ربحاً يعادل وسطياً 850 دولاراً عن كل وجبة تقوم بإعدادها، إذ إن بيع وجبات كفتة لحم البقر، وبطاطا باكورة، والروتي قد ساعد فريدة عبد العزيز، 51 عاماً، على إرسال المال لابنها سهيل في أفغانستان، وذلك لأن الطهي جعلها تكسب "الكثير من المال" الذي يأتيها بالإضافة إلى راتبها الذي تتقاضاه عن عملها في قسم الأطعمة المصنعة بمتجر وولمارت في تلك المدينة.

إلا أن فريدة تعقب على ذلك بقولها: "ما يهمني ليس فقط كسب المال، بل أيضاً السعادة التي أحس بها بفضل إسعادي للناس".

تقدمت فريدة بطلب للجوء في الولايات المتحدة في عام 2014، بعدما تركت أولادها الخمسة، وبينهم سهيل الذين كان أصغرهم ولم يتجاوز عمره وقتها 12 سنة، في أفغانستان. وفي مطلع شهر آذار الماضي، شمل برنامج خدمات الجنسية الأميركية والهجرة ابنها سهيل بما أن هذا البرنامج يعمل على لم شمل العائلات والأسر اللاجئة وكذلك الأمر بالنسبة لطالبي اللجوء. وهكذا، وبعد مرور ثماني سنوات على الفراق، عانقت تلك الأم ابنها عناقاً طويلاً في مطار ميسولا بمونتانا. وقد نشر مشروع United We Eat ذلك الخبر، حتى يتعرف الزبائن على فريدة وعائلتها بشكل أكبر.

وجبات سريعة في نفادها أيضاً

معظم الزبائن يعرفون وجوه الطاهيات المألوفة، ويبحثون عن نوع محدد من المطابخ، إلا أن الشيء الوحيد الذي يدفعهم للشكوى هو أن الوجبات تباع بسرعة.

ينتظر جيم ستريتر، 72 عاماً، وهو محاسب ومتخصص مالي متقاعد يعيش في ميسولا، أمام الحاسوب في بيته حتى يصله بريد يوم الخميس الصباحي، إذ في أسبوع من أسابيع شهر شباط، نزل جيم إلى الطابق السفلي ليخبر زوجته سارة عما ورد في قائمة الطعام التي وصلته، ولكن الوجبات قد نفدت عندما عاد إلى حاسوبه.

مطبخ قائم على التنوع

يقول الزبائن بأن الوجبات تعبر عن تنوع كبير لا يجدونه في أي مكان آخر، فقد قدر مكتب الإحصاء نسبة البيض من سكان مقاطعة ميسولا بنحو 91.7% في عام 2021، لذا، لولا برنامج United We Eat، فلن يكون بوسع أهالي ميسولا أن يطلبوا أطعمة كونغولية وباكستانية وغينية من أي مكان آخر.

يخبرنا تري فام، 49 عاماً، وهو مستشار في مدرسة ثانوية صار يطلب الطعام عبر هذا البرنامج كل أسبوع منذ الخريف الماضي، بأن زوجته وبناته يبحثون عن التنوع، وهذا ما توفره القصاصات الورقية التي تأتي مع كل وجبة، كونها تشرح مكونات كل طبق وتتحدث عن جنسية الطاهية وخبراتها، فقد شملت السيرة الذاتية لغالية المصري تاريخ قدومها إلى ميسولا خلال موجة برد لم تشهد لها البلاد مثيلاً، كما تتطرق للحديث عن الباذنجان المستخدم في وصفة بابا غنوج والذي يشوى بلهيب النار ليعطي الطبق نكهة مدخنة.

Mrs. AlMasri serves her baba ghanouj with parsley, walnuts, pomegranate seeds and olive oil.

طبق البابا غنوج من يد غالية المصري

ويعلق تري على ذلك بقوله: "نحب أن نعرف بناتنا على ذلك حتى تصبح لديهم رؤية أوسع للعالم، وحتى لا تقتصر الوجبات لديهم على الهامبرغر مع البطاطا المقلية".

الطبخ كوسيلة للتبادل الثقافي

  هذا ويقدم برنامج سوفت لاندينغ للطبخ برامج أخرى في ولايات أخرى، مثل برنامج New Arrival Supper Club في لوس أنجلوس، و Welcome Neighbor STL في سانت لويس، و Break Bread, Break Borders في دالاس، و Sanctuary Kitchenفي نيو هافن. ولكن، بما أن مونتانا كانت إحدى الولايتين اللتين لم تستقبلا لاجئين عندما بدأ برنامج سوفت لاندينغ في ميسولا عام 2015، لذا فقد تحول هذا البرنامج هناك إلى وسيلة مهمة للتبادل الثقافي.

يقول ديف إيريكسون، 40 عاماً، وهو أحد الكتاب في صحيفة ذا موسوليان: "هنالك كثير من الأمور التي تتصل بثقافة تلك الدول أكثر من تلك التي يشاهدها الناس في الأخبار، لأننا قد نسمع بأن هنالك لاجئين، ولكن عندما نلتقي فعلياً بشخص من جمهورية الكونغو الديمقراطية نكتشف بأن ميسولا أصبحت موطناً يضم مجتمعاً كاملاً من الأشخاص الذين أتوا من تلك الدولة".

For chefs who aspire to open their own restaurant, United We Eat also provides access to a local Business 101 class.

التجهيز للوجبات

في حين ترغب ماري بول، وهي المديرة التنفيذية لبرنامج سوفت لاندينغ في ميسولا، بأن يستقبل أهالي ميسولا اللاجئين والمهاجرين على اعتبار أنهم ثروة تغني تلك المنطقة، وذلك لأن كثيرا من هؤلاء القادمين الجدد يطمح لفتح مشاريع تجارية يدعمها هذا البرنامج من خلال مركز التعلم مدى الحياة في ميسولا.

ولذلك فإن هدف غالية المصري هو افتتاح مطعم سوري خاص بها، وقد شجعها على التفكير بذلك شهرتها في مجال إعداد الوجبات السريعة، كما أنها تفكر بتوسيع قائمة الوجبات لتشمل الكباب الهندي والفريكة والسلطات المرافقة، وتعلق على ذلك بقولها: "إن بعض الزبائن لا يعرفونني لكنهم يتذوقون طعامي، ويتعرفون علي في المرة التالية، أي أن الجميع يعرف طعامي".

المصدر:  نيويورك تايمز