نواة تمرة بتريليوني دولار!

2022.01.22 | 04:50 دمشق

112676image1.jpg
+A
حجم الخط
-A

توقف التاجر للراحة تحت شجرة، وأكل تمرًا من زوّادته، وبصق نواها، فخرج له عفريت بالسيف، يطالب بدم ابنه وحشاشة كبده، الذي قُتل بطلقة نواة التمرة التي بصقها التاجر. لا تتوفر القصدية في الجريمة المزعومة، فالقاضي معذور، والقتل إن وقع حقًا، كما زعم العفريت، قتل غير عمد، والجان مستور لا يراه البشر، لكنه حكم القوي وشريعة الجان.

 ولو احتكما لقضاء الإنس لطلب قاضي الإنس معاينة الجثة وفحص مكان الجريمة وحفظ أداة الجريمة، وطلب البيّنة، فالبينة على من ادّعى، ومن الغريب أنّ التاجر استسلم للتهمة، فهو وحيدٌ وأعزل وضعيف وإنسيٌ، والمتهم قوي ومقتدر وعفريت، والعفريت مخلوق من نار، والإنسان من طين، فسأل المتهم رغبته الأخيرة، وهي سنة، مهلة لوداع أهله كما في قصة حنظلة الطائي والنعمان بن المنذر في يومي النعيم والبؤس، فأين سيهرب من العفريت.

عاد التاجر إلى مكان "الجريمة" والمحكمة والحكم، بعد مرور سنة للوفاء بالوعد وتنفيذ الوعيد، ثم يمر به ثلاثة شيوخ، الأول معه غزالة، والثاني معه كلبتان سلوقيتان، والثالث بغلة زرزورية، فيعطفون عليه ويتشفعون له عند العفريت مقابل ثلاث حكايات، فيرضى العفريت المقتص، الفدية بالحكايات إن أعجبته، كل حكاية مقابل ثلث دم التاجر قصاصا، وتعجبه الحكايات الثلاث العجيبة، فيفتدون بها دمه، والحكاية معروفة.

القوي يختلق ذريعته لفرض هيمنته وسلطانه، وإن وهت وخالفت المنطق، وقد اتهم العفريت جورج بوش صدام حسين بقتل أبيه، عيانًا بيانًا

هناك حكمة شائعة تحضُّ على عدم الاستهانة بمخلوقات الله الصغيرة، يضع الله سره في أضعف خلقه، مثل الذبابة التي أهلكت النمرود، والأرضة التي أكلت منسأة النبي سليمان عليه السلام، والهدهد الذي دلّ على مملكة بلقيس، والفأرة التي قوضت سد مأرب، نواة التمر يضرب بها المثل في الرخص والهوان والذلة، فنقول: شروى نقير، ولا يظلمون فتيلا.

سندع النساء الممسوخات الثلاث، الغزالة والبغلة والكلبتان، فلها تأويل أيضًا، والشيوخ الثلاثة، وننظر في دعوى العفريت، لا في تهمة التاجر، فهو قوي وقادر وعاتٍ، ويستطيع البطش، القوي يختلق ذريعته لفرض هيمنته وسلطانه، وإن وهت وخالفت المنطق، وقد اتهم العفريت جورج بوش صدام حسين بقتل أبيه، عيانًا بيانًا، وكانت تهمة مضحكة، تشبه تهمة الذئب الذي اتهم الخروف بتعكير ماء النبع عليه مع أنه في أعلى العين، وكان بوش قد أضعف صدامًا بعد حصار العراق عقدين من الزمن في علبة، العلبة تذكّر بقمقم الجنيّ المحبوس، واختلق ذريعة الأسلحة الكيماوية، قبلها غزت أفغانستان بتهمة قريبة من تهمة القتل بنواة التمرة، فأفغانستان بلد ضعيف وممزق بحرب الاتحاد السوفياتي والحروب الأهلية، وكانت نواة التمرة أو ما يشبهها هي ذريعة السعودي أسامة بن لادن، الذي تبنّى ضرب البرجين، وهو أضعف من ذلك، فقصة ضرب البرجين المدمرين ما زالت على قيد البحث ومحيّرة، ويرفضها العلماء ومهندسو الطيران والعمران. وكان صدام نفسه قد اشتد عزمه، وكثرت نيرانه فطغى وغدا عفريتاً من جان الإنس، وأعلن حرب استعادة عربستان، وكانت إيران ضعيفة وقتها، القوي سيختلق ذريعة مثل ذريعة نواة التمر للقتل والاحتلال والغزو. وجد الألمان في قتل حليفهم وليّ عهد النمسا، فاحتلوا معظم البلقان، فدخل حلفاء السلافيين الروسُ الحرب، ثم اتسعت الحرب، فصارت العالمية الأولى تصنيفا.

وفي الحرب العالمية الثانية طالب هتلر بأراضي ألمانيا التي اقتطعت في الحرب العالمية الأولى؛ الألزاس واللورين وسنوندرلاند وبوسين وبروسيا الغربية وهلوتشين وسيلزيا الشرقية وأوين وملمودي ومنطقة زولداو.

وكان هتلر يدرك وهو محارب قديم، بعد خمس وعشرين سنة على الحرب العالمية الأولى أنه من الحمق محاربة دولتين، فتورط في الحرب على أكثر من جبهة، ثم اتسعت الحرب وخسرها، وانتحر.

تعرف أميركا بخبرتها العسكرية قواعد الحرب، لكن القوة مسكرة، فتورطت في أفغانستان، ثم خرجت مكرهة مهزومة، واضطرت إلى كشف معاناتها بلسان رئيسها بايدن لتبرير الانسحاب، وكان ترامب الجمهوري قد قرر الانسحاب من أفغانستان قبله. كشف بايدن أن أميركا أنفقت تريليوني دولار بمعدل 300 مليون دولار شهريًا في أفغانستان، وأن جنودها ينتحرون بمعدل 18 جندياً يومياً، من غير نوى بلح أو تمر، القوة من غير حكمة تؤدي إلى الهزيمة.

هناك قاعدة في علوم الحرب تقول: تستطيع الدخول في حرب متى شئت، لكن الخروج منها ليس بإرادتك. ونجد السعودية التي دعتها قوتها مع حلفيتها الإمارات لمهاجمة اليمن، متورطة بين جبالها لا تستطيع الخروج منها، وولي عهدها يعرض الخروج منها مقابل مكافآت ورشوات، وكذلك الإمارات التي دسّت أصبعها في كل جحر، في سوريا وسلطنة عمان وليبيا وبل الانتخابات الأميركية، وقد تألمتْ أمس من الحوثي، واشتكت إلى مجلس الأمن. عفاريت الجن يقبلون الافتداء بالحكايات، أما عفاريت البشر فلا يرعوون سوى بالقوة.

الرئيس العفريت يحبس ويقتل بتهم أمثال تهمة نواة التمر القاتلة؛ مثل تهمة العمالة لإسرائيل (حاليًا لحماس)

 ذريعة نواة التمر شائعة لدى الأنظمة العربية داخليًا أيضًا، سوريا ومصر والسعودية، الرئيس العفريت يحبس ويقتل بتهم أمثال تهمة نواة التمر القاتلة؛ مثل تهمة العمالة لإسرائيل (حاليًا لحماس)، وتوهين وإضعاف الشعور القومي. تهمة نور الدين البحيري كانت سراً من أسرار رئيسها العفريت الفصيح.

المطلوب من الشعوب العربية أكل التمر بنواه، أو أكل النوى من غير لحمه السكري مثل البعير.

ممنوع فتح الفم في بلاد يحكمها العفاريت الزرق، المجبولة من مارج من نار.