icon
التغطية الحية

نهاية أسبوع من المواجهات.. ما الذي أعاق تقدم العشائر باتجاه منبج؟

2023.09.09 | 13:17 دمشق

نهاية أسبوع من المواجهات.. ما الذي أعاق تقدم العشائر باتجاه منبج؟
نهاية أسبوع من المواجهات.. ما الذي أعاق تقدم العشائر باتجاه منبج؟
حلب ـ ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

مضى قرابة أسبوع على بدء قوات العشائر في شمال غربي سوريا هجماتها العسكرية باتجاه جبهات مدينة منبج بريف حلب الشرقي، بهدف إحداث تغيير في خريطة السيطرة، من بوابة استغلال الأحداث الميدانية في دير الزور والانتفاضة العشائرية هناك ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

على الرغم من أن هجمات قوات العشائر باتجاه مدينة منبج كانت شبه يومية ومن محاور مختلفة، وحظيت بدعم من الفصائل العسكرية خلال الأيام الثلاثة الماضية على الأقل، إلا أن تلك الهجمات لم تسفر عن تغيير في خريطة السيطرة أو إحداث خرق كبير في عمق مناطق سيطرة "قسد".

وفشلت هجمات العشائر بالسيطرة على أي منطقة في منبج على حساب "قسد"، رغم أن العشائر روّجت لمعركتها شرقي حلب بشكل كبير، وتوعدت "بالانتقام من قسد"، وسيّرت الأرتال من مختلف مناطق إدلب وريف حلب إلى محيط منبج محملةً بأعداد كبيرة من المقاتلين قُدّرت بالآلاف، فما هي الأسباب والعوامل التي أعاقت تقدم القوات المهاجمة؟

معركة لا تعكس الطموحات

رصد موقع تلفزيون سوريا خلال اليومين الماضيين واقع الجبهات المحيطة بمدينة منبج شرقي حلب، والتقى  عددا من العسكريين والمقاتلين للاطلاع على أسباب وعوامل فشل هجمات قوات العشائر حتى الآن بتحقيق تقدم عسكري هناك.

وفي سياق حديثه عن الأسباب التي أعاقت التقدم، قال أحد القادة العسكريين المشرفين على إدارة المعركة باتجاه مدينة منبج، إن هجمات المقاتلين من أبناء العشائر لا تعكس الطموحات بالسيطرة على مدينة منبج خلال فترة قصيرة كما توقع البعض.

وأعرب القيادي - الذي فضل عدم ذكر اسمه - عن أسفه بسبب التلاعب بعواطف السكان في "المناطق المحررة" لا سيما المهجرين من مدينة منبج، وأضاف أن معظم أرتال العشائر التي ظهرت على وسائل الإعلام كانت بغرض الدعاية والشهرة فقط، حيث لم يصل إلى خط الجبهة 10 في المئة مما انتشر على منصات وسائل التواصل الاجتماعي من أرتال وحشود.

ورفض القيادي تحميل قوات العشائر وحدهم مسؤولية عدم تحقيق المعركة لأهدافها، قائلاً إن مقاتلي العشائر الذي وصلوا إلى محاور مدينة منبج، لم يحظوا بدعم عسكري يمكّنهم من اختراق تحصينات "قسد" والسيطرة على مواقعها، ويقصد بذلك السلاح الثقيل والعربات المدرعة.

أرتال عسكرية على وسائل التواصل

أعرب القيادي خلال حديثه مع موقع تلفزيون سوريا عن امتنانه لجميع المقاتلين الذي "لبّوا نداء العشائر في دير الزور" وحاولوا تخفيف الضغط عليهم من خلال بدء أعمال عسكرية تستهدف مواقع سيطرة "قسد" بريف حلب.

لكن وفي الوقت نفسه، أوضح أن التغاضي عن الأخطاء قد يسبب خسائر أكبر، مشيراً إلى أنه لا بد من مكاشفة ومصارحة "تضع اليد على الجرح" وتظهر الأسباب الحقيقية لفشل الهجمات نحو منبج.

وقال القيادي: "أرسلت الكثير من العشائر قواتها إلى محيط منبج دون تنسيق جيد، وكانت تلك القوات تنقل حركتها لحظة بلحظة على منصات الإعلام، كما أن بعض المقاتلين جعلوا من تسيير الأرتال محتوى على تطبيق تيك توك، علماً أن غالبية هذه الأرتال لم تصل إلى خطوط التماس وعادت من حيث أتت بعد التقاط بعض الصور وتسجيل موقف بنصرة عشائر دير الزور من وجهة نظرهم".

وتحدث القيادي عن عدة عوامل أعاقت سير الهجمات باتجاه منبج، ومنها:

  • عدم التخطيط والاستطلاع الجيد وفضح تحركات المقاتلين إعلامياً قبل أن تبدأ الهجمات أصلاً ما يفقد الهجوم أهميته من ناحية المباغتة.
  • كثرة الألغام التي نصبتها "قسد" على خطوط التماس، ما عرقل تقدم المقاتلين وأحدث خسائر في صفوفهم، إضافة لتحصّن عناصر قسد ضمن أنفاق يصعب اختراقها.
  • ضعف التمهيد بالأسلحة الثقيلة قبل بدء التقدم البري، بسبب عدم جدية الفصائل بالمشاركة بشكل حقيقي في المعركة.
  • كان التردد واضحاً لدى الفصائل في المشاركة بالمعركة، وعندما انخرطت بعضها بالعمل، لوحظ ضعف الوجود البشري للعشائر مقارنة بما ينشر على الإعلام.
  • عدم وجود نية لدى غالبية المقاتلين للتضحية، معتبرين أن المعركة غير جدية، فضلاً عن تململهم من المعارك التي غلب عليها طابع السياسة خلال السنوات الماضية، فبدأت وانتهت بأوامر خارجية.
  • الدعم الروسي الخفي لـ "قسد"، مع مشاركة النظام السوري إلى جانب "قسد" في صد الهجمات مستخدماً الصواريخ والمدفعية الثقيلة وطائرات الاستطلاع.
  • مشاركة بعض الفصائل لم ترق للمستوى المطلوب، وبعض المجموعات شاركت لأهداف ثانوية، كـ "هيئة تحرير الشام" التي تسعى لوضع يدها على قطاع عسكري يضمن لها تماساً مباشراً مع مناطق سيطرة "قسد" لاعتبارات اقتصادية وتجارية، ونقطة انطلاق للتوغل أكثر في مناطق سيطرة الجيش الوطني.

"فزعة شعبية" وليست معركة

قال الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية، رشيد حوراني، إنه من وجهة نظر عسكرية لا يمكن إطلاق اسم "معركة" على الهجمات الأخيرة باتجاه منبج، إنما هي مجرد فزعة شعبية مؤقتة عملت على تحفيزها عدة عوامل منها محاولات "قسد" القضاء بالقوة على العشائر العربية، كما أن التحرك أظهر عدم وجود أي تحضيرات مسبقة للفصائل، فبدت الهجمات عشوائية.

وأشار الباحث في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى غياب الرصد والاستطلاع الذي من المفترض أن يبنى على أساسه مكان الهجوم والهدف المراد إنجازه من التقدم.

وعن الأسباب التي أعاقت تقدم قوات العشائر باتجاه منبج، قال حوراني: "يمكن رد الأسباب الى مستويين، الأول عام يتعلق بغياب التنسيق والتحضير وتوزيع المهام بين الفصائل في حال حدوث طارئ، خاصة أن هناك عدوين في المنطقة ومن المحتمل أن يتفقا ضد الفصائل، وآخر خاص يتعلق بالنزاعات الفصائلية التي تندلع بين الحين والآخر في المنطقة، وكانت فصائل الشرقية طرفاً في العديد منها، إضافة إلى عدم الرغبة في قطع الفوائد المادية التي يحصل عليها بعض المتنفذين في الفصائل من التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية".  

ولتحقيق نتائج ملموسة وسيطرة جغرافية في منبج، أشار الباحث إلى ضرورة إنشاء غرفة عمليات واحدة بين الفصائل تدرس الإمكانيات البشرية والمادية، وتوزيعها بما يتناسب مع الواقع، وتحضير مجموعات الإسناد، والقيام بالرصد والاستطلاع، واستغلال نقاط الضعف لدى الطرف الآخر، والبدء بها لما لها من تأثير في معنويات المقاتلين، كما يمكن استثمار رغبة أبناء المنطقة المهجرين في تحريرها والاستفادة من خبراتهم في فهم جغرافية منطقة الهجوم.

معركة منبج "ماتت قبل أن تولد"

من جهته، يعتقد الدكتور محمود السايح، أحد سكان مدينة الباب شرقي حلب، أن معركة فزعة العشائر ماتت قبل أن تولد، مضيفاً أن فشل التقدم باتجاه منبج يعود إلى عدم توفر إرادة جدية بالقتال وخضوع الحركة العسكرية لتكتيكات التحشيد الشكلي بعيداً عن أي مضمون واقعي.

وذكر السايح أنه وبعد رفع قوات "قسد" جاهزيتها لم تعد هنالك فرصة لأي عمل عسكري خاطف، والمطلوب بالتأكيد توفر نية أكيدة للعمل، والذي يتوضح ميدانياً باستعمال وسائط نارية للتمهيد المكثف والقصف المركز واستخدام كاسحات الألغام والمجنزرات وحاملات الجند المدرعة، والعمل العسكري الاحترافي.

بدوره ذكر الباحث في مركز "جسور" للدراسات، بسام أبو عدنان، أن مقاتلي العشائر استهانوا بشكل كبير بقدرات "قسد"، على اعتبار أن المعارك ضدها تتم عادة بتخطيط تركي، وقصف جوي يطول المواقع المراد اقتحامها لأيام متواصلة.

وأشار الباحث في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن أسباب عدم إنجاز تقدم عسكري في منبج يعود إلى التهاون وعدم إدراك قوة الخصم، وعدم التنظيم، أو وجود خطة موحدة تسيّر عمل الجبهة، فضلاً عن غياب الدعم للمعركة والأسلحة الثقيلة.

موقع منبج الاستراتيجي 

لمنطقة منبج موقع جغرافي استراتيجي، فهي تعد المنطقة الفاصلة بين شرق نهر الفرات وغربه وقريبة من الحدود السورية التركية ومدينة حلب، وفيها عقدة الطرق المؤدية إلى مختلف مناطق الريف الشرقي والشمالي لحلب، كما أن مرور الطريق الدولي M4 من خلالها منحها أهمية أكبر، وقد حاولت تركيا سابقاً السيطرة عليها لربط مناطق سيطرة الجيش الوطني في "درع الفرات" و"نبع السلام" جغرافياً.

وكان الجيش الوطني السوري مدعوماً من تركيا قد حاول أكثر من مرة انتزاع المدينة من قبضة "قسد"، آخرها في تشرين الأول عام 2019، بالتزامن مع بدء عملية "نبع السلام" شرق الفرات، لكن وزارة الدفاع الروسية أعلنت - حينذاك - سيطرة قوات النظام بشكل كامل على منبج وجميع البلدات المحيطة بها، وتسيير دوريات على الحدود الشمالية الغربية للمدينة، بعد تنظيم تعاون مع الجانب التركي، ومنذ ذلك الحين لم تتعرض المدينة لهجمات حقيقية، إذ تقتصر التحركات العسكرية على اشتباكات روتينية بين الجيش الوطني و"قسد".

وقبل أيام قال الباحث السوري فراس علاوي، إن العمل العسكري الذي قامت به العشائر شرقي حلب، سيكون في الغالب محدوداً ومرتبطاً بتوازنات إقليمية ودولية، متوقعاً في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن لا يتطور الهجوم لمواجهة شاملة مع "قسد" بريف حلب، لأنه عمل فردي غير مدعوم بشكل مباشر وغير منظم ويفتقد للدعم العسكري والتغطية النارية.