نعم لتعذيب المعتقلين.. لا لمحاسبة القتلة!

2020.06.25 | 00:12 دمشق

101246075_709266509826802_6112241639101562880_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

لكن حتى قادة النظام في كل مواقفهم المثيرة للاستهجان هذه لم يبلغوا درجة الوقاحة التي بلغتها سيدة تقدم نفسها كممثلة عن المرأة والمجتمع المدني المستقل في سوريا.

كم كان مثيراً للاشمئزاز الظهور الأخير للسيدة "ميس كريدي" على إحدى محطات النظام الموالية للحديث عن دخول قانون العقوبات الأميركي المشدد، المعروف باسم قانون قيصر "حيز التنفيذ"، حيث تجاوزت مناقشة القانون وحتى انتقاده إلى مهاجمة تسريب الصور الـ ١١ لضحايا المعتقلات، واعتبرته فعلاً منافياً للأمانة والأخلاق!

لا أدري كيف استطاعت هذه (المعارضة السابقة) والتي عادت لحضن النظام عام ٢٠١٥ وبدأت بالتشبيح له منذ ذلك الوقت، أن تنطق هذه الكلمات بهذه السهولة والبساطة، رغم كل قسوتها.

لقد ثار جدل واسع في أوساط المعارضة والثورة حول الموقف من العقوبات الاقتصادية الجديدة ومدى تأثيرها على النظام وإضرارها بالشعب، واتخذ كثير منا موقفاً رافضاً لها لكن من منطلق أخلاقي بحت، يرى أن نظام الأسد لا يمكن أن يرضخ لمثل هذه الإجراءات أو يقدم أي تنازلات تحت ضغطها الذي لن ينال من رجالاته ورموزه منه شيء، بل سيقع كل الأذى والضرر على المواطن البسيط، في مناطق سيطرة النظام وخارجها.

بالمقابل كانت ردة فعل النظام على قانون قيصر غاية في الغطرسة واللامبالاة، فبثينة شعبان تؤكد أنه يجب "الاستمرار في التصدي والصمود" ووليد المعلم يعتبره "دعماً للإرهاب"، بينما بشار الأسد يقيل محافظ حمص ويستبدل رئيس الحكومة ويخاطب كوادر حزب البعث للمشاركة بالاستئناس من أجل اختيار مرشحي مجلس الشعب القادم!

لكن حتى قادة النظام في كل مواقفهم المثيرة للاستهجان هذه لم يبلغوا درجة الوقاحة التي بلغتها سيدة تقدم نفسها كممثلة عن المرأة والمجتمع المدني المستقل في سوريا، والتي لم تعد الجريمة تعنيها الآن (كما قالت حرفياً) ولا صحة الصور من عدمها، بل إن ما يعنيها ويزعجها هو كيف سمح "قيصر" لنفسه أن يسرب هذه الصور التي كان مؤتمناً عليها!!!

وفق هذا المنطق فإن أي موظف في أي شركة يبادر للكشف عن فساد يحدث فيها، ويستخدم وثائق الشركة كأدلة على هذا الفساد، فإنه يسيء الأمانة إذاً؟! طبعاً مع فارق المثال والأثر.

والواقع فإن كل مناقشات شبيحة النظام للعقوبات الجديدة لم تخرج عن إطار هذا المنطق الذي يتجاهل العديد من الحقائق أو يخفيها، فقط من أجل دفع المسؤولية عن النظام رغم أن قانون قيصر حسب تفسيرات الإدارة الأميركية لا يهدف إلى إسقاط النظام!

يقول نص القانون بوضوح إن العقوبات الجديدة سببها جرائم بحق الإنسانية والحرب التي يشنها على الشعب السوري، وإنه بالإمكان رفعها في حال توقف النظام عن قصف المدنيين، وأطلق سراح المعتقلين، ودخل في مفاوضات جدية مع المعارضة على أساس مرجعية جنيف والقرار ٢٢٥٤.

يستطيع هذا النظام الآن ومباشرة إحراج الجميع، بمن فيهم المعارضة، والإعلان عن وقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح كل المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين والتوجه إلى مفاوضات جدية.

لا يمكن على الإطلاق تصور أن هناك بشراً واحد على وجه الأرض يمتلك حداً أدنى من الإنسانية يمكن أن يعترض على هذه الشروط أو حتى يناقش فيها أصلاً، وإذا كان متوقعاً أن النظام الذي يرتكب هذه الجرائم المروعة سيعترض على هذه الشروط لأنها تطلب منه التوقف عن ممارسة وحشيته وهمجيته، فإن المدهش وجود من يعتبر هذه الشروط غير منطقية؟!

أعرف العديد من ذوي الضحايا الذين ظهرت صورهم ضمن مجموعة "قيصر" لكن رغم عمق الأثر الذي خلفته فيهم هذه الجريمة فإنهم عبروا وبكل حزم عن اعتراضهم على أي إجراء قد يسبب المزيد من التضييق الاقتصادي على المواطن السوري في مناطق سيطرة النظام، رغم وضوح قانون قيصر بهذا الخصوص في أنه لا يشمل أي قطاع مدني، بينما لا يتوانى المؤيدون للنظام عن السعي لإخلاء مسؤوليته عن كل ما لحق بسوريا والسوريين من إيذاء، ليس فقط خلال السنوات التسع الماضية، بل وطيلة خمسين عاماً حكم فيها البلاد!

على أي حال، يستطيع هذا النظام الآن ومباشرة إحراج الجميع، بمن فيهم المعارضة، والإعلان عن وقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح كل المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين والتوجه إلى مفاوضات جدية تنهي هذه الحرب الدامية، وتفتح الباب لاستعادة سوريا وضعها الطبيعي، لكن هل هناك عاقل يصدق أن النظام يمكن أن يفعل ذلك، سواء بوجود قانون قيصر أو عدمه؟!