صفعة طالبان.. وفتنتها!

2021.07.21 | 06:44 دمشق

pasted-image-0-2.png
+A
حجم الخط
-A

صدمة عنيفة تسبب بها للكثير من المعارضين السوريين، التصريح الذي نسب إلى المتحدث باسم حركة طالبان حول العلاقة بين الحركة وتركيا، والذي يقول فيه إن "تركيا تصر على التعامل مع الحركة كما تتعامل مع فصائل المعارضة السورية.."!

وسواء كان هذا التصريح حقيقيا أم مختلقا، إلا أن تداوله على نطاق واسع والتفاعل معه بشكل مكثف من قبل السوريين، يعبر عن امتعاض كبير من الحال المتردي الذي بلغته مؤسسات المعارضة الرسمية، وخاصة الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة.

ما هو صادم وأكثر قسوة من التصريح نفسه، كان مسارعة قادة في هذه المؤسسات ومعارضين من خارجهما إلى التنديد به ليس باعتباره يسيء إلى المعارضة ومؤسساتها، بل من منطلق أنه يهدف إلى إيقاع الفتنة (هكذا حرفياً) بين المعارضة والحكومة التركية!

صدمة السوريين وتفاعلهم مع الكلمات التي نسبت للمتحدث باسم الحركة الأفغانية، كان محركها الشعور بالكرامة الوطنية التي أهدرت بلا أي حساب

والحق فإن الآلاف من الثوار السوريين الذين عبروا عن صدمتهم من هذا التصريح للوهلة الأولى، لم يكن دفاعهم للغيرة على قادة هذه المؤسسات ومكوناتها، الذين فقدت غالبية الجمهور السوري ثقتها بهم، ولم يعد يعنيهم كثيراً ما يقولونه أو يقررونه، بعد أن بات راسخاً لدى الجميع أنهم مسؤولون عما آلت إليه أوضاع الثورة والمعارضة.

صدمة السوريين وتفاعلهم مع الكلمات التي نسبت للمتحدث باسم الحركة الأفغانية، كان محركها الشعور بالكرامة الوطنية التي أهدرت بلا أي حساب من قبل قاداتنا، ودافعها الغيرة على فصائل ومؤسسات كان ثمنها مئات آلاف الضحايا من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين، الذين قدموا كل ما يمكنهم ليحظوا بالكرامة والاستقلال، فإذا بمن تسيّد هذه المؤسسات، التي يفترض أنها تمثل أصحاب هذه التضحيات الجسيمة، يقدمونها قرابين من أجل الاستحواذ على المناصب والاستمرار فيها.

لا يمكن لأي أحد أن يدّعي أنه اكتشف مع هذا التصريح مدى التبعية التي تحكم العلاقة بين قوى المعارضة الرسمية حالياً بتركيا، سواء المعارضة السياسية أو العسكرية، كما لا يمكن لقادة المعارضة إنكارها، رغم كل محاولاتهم تغليف هذه التبعية بصيغ تجميلية، كالمصلحة المشتركة والتحالف الوثيق.

لقد مثلت انتخابات الائتلاف الأخيرة، وقبلها انتخابات هيئة التفاوض، ذروة التحكم التركي بمفاصل مؤسسات المعارضة السياسية، التي كانت تحظى في السنوات الماضية بهامش واسع من سلطة القرار، رغم تدخلات الدول الصديقة ورغم التوازنات التي كانت تفرض دخول أو وصول أفراد أو مكونات إلى مواقع صنع القرار فيها، أما ما حدث أخيراً فقد تجاوز كل ذلك!

لقد كان متوقعاً، أن تفرض تركيا إيقاعها الكامل على فصائل المعارضة العسكرية بعد أن باتت الداعم الرئيسي لها، بل أكثر من مجرد داعم، خاصة بعد أن أصبح الطرفان يخوضان معركة واحدة في الشمال، سواء ضد أجندات حزب العمال الكردستاني، أو لمنع النظام من استكمال سيطرته على إدلب ومحيطها، خاصة في ظل غياب أي سلطة لمؤسسات المعارضة السياسية على الفصائل العسكرية، وحاجة هذه الفصائل للتسليح والتدريب وغير ذلك، وهو ما باتت توفره تركيا.

لكن ما ظل عصياً على الفهم هو الإصرار التركي على فرض الهيمنة المطلقة على مؤسسات المعارضة السياسية، إلى الحد الذي بات معه كثيرون ينظرون إلى الائتلاف باعتباره منصة معارضة يطلقون عليها اسم (منصة إسطنبول) مثلها مثل منصة القاهرة ومنصة موسكو، وليس كمؤسسة ممثلة للسوريين.

بل إن من المؤلم القول إن المنصات الأخرى التي ننتقدها باستمرار ونهاجم مواقفها، لم يبلغ بها الأمر أن باتت تختار قادتها والمسؤولين عنها بناء على توجيهات من حكومات الدول التي تقيم فيها، كما يحصل في هيئة التفاوض والائتلاف.

سيجادل كثير من السوريين بأنه لولا قبول كيانات وقادة الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة بهذا النوع من العلاقة لما تمكنت أنقرة من فرض هيمنتها على هذا النحو، وهذا صحيح بطبيعة الحال، لكن السؤال الذي لا يمكن تجاوزه هو: هل من مصلحة تركيا بالفعل إظهار أهم مؤسسات المعارضة بهذا الضعف وبهذه التبعية؟!

ألم يكن نزوع قوى المعارضة المتزايد للتبعية إلى تركيا من جهة، وتسارع خطوات السيطرة التركية على هذه المؤسسات من جهة أخرى، سبباً أساسياً في تخلي كثير من الدول عن دعمها لهذه المؤسسات والتوقف عن اعتبارها الممثل الشرعي للمعارضة، فكيف إذن سيكون الموقف منها الآن بعد أن باتت بيد أنقرة بشكل كامل؟!

من الظلم القول إن كل المعارضين قد قبلوا بهذا النوع من العلاقة مع الأخوة الأتراك، ورغم أن غالبية هؤلاء لا يختلفون على أهمية التحالف مع تركيا، وعلى دورها الفعال في مساندة الثورة السورية واستمرارها، إلا أنهم لم يقبلوا اختلال التوازن في العلاقة إلى هذا الحد، فاختاروا الاستقالة، كما أنه من الإنصاف أن نشير إلى وجود أشخاص في هذه المؤسسات حتى اليوم لا يقبلون بذلك، إلا أنهم لا يمتلكون القدرة على تغيير هذا الواقع.

فكما تم استبدال المستقلين بأعضاء جدد دخلوا إليها رافعين الراية البيضاء ويد الموافقة مسبقاً، فإنه لن يكون هناك أسهل من استبدال من تبقى من هذه الفئة بشخصيات أخرى طيّعة، مع وجود كثير من المتهافتين على المناصب بيننا، وعليه فإن المشكلة (والحل أيضاً) ليسا في البقاء بهذه المؤسسات أو بمغادرتها، بل في محددات، بعضها يتعلق بالجانب التركي، وبعضها يخص المعارضة.

يبدو أننا مضطرون باستمرار إلى التذكير بأهمية استقلالية القرار السياسي للمعارضة، أو على الأقل الحفاظ على الحد الأدنى من هذه الاستقلالية

لسنا مضطرين في كل مرة نوجه فيها الانتقاد إلى التأكيد على حرصنا الكبير على المصالح التركية، وضرورة استمرار هذا التحالف الذي لا يمكننا الاستغناء عنه، بل وامتناننا الأكيد لكل ما قدّمته تركيا، حكومة وشعباً، للسوريين في محنتهم العظيمة هذه، لكن يبدو أننا مضطرون باستمرار إلى التذكير بأهمية استقلالية القرار السياسي للمعارضة، أو على الأقل الحفاظ على الحد الأدنى من هذه الاستقلالية.

وعليه فقد كان حرياً بقادة الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة، التوجه إلى المسؤولين الأتراك من أجل مناقشتهم حول الآثار السلبية التي تخلفها هذه الهيمنة على قرار المعارضة، بدل الحديث عن "فتنة" يسعى بعضهم إلى إيقاعها بيننا، وإذا كان هذا هو مبلغ تفكير هؤلاء القادة، فبالتأكيد لا يمكن أن يعتقد أي مسؤول تركي بأن تصريحاً ما، سواء كان حقيقياً أم مختلقاً، يمكن أن يؤدي إلى الفتنة.