نصر الله الخائف من الانتخابات الّتي سيربحها

2022.04.16 | 05:03 دمشق

5201425224536.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يظهر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير في هيئة الواثق من النّصر في معركة الانتخابات النيابيّة القادمة على ما جرت عليه عادته في التّعبير عن سلسلة لا تنقطع من الانتصارات المحسومة والمتتالية.

نبّه في الخطاب الّذي كرّسه بشكل شبه حصريّ للشّأن الانتخابيّ من مغبّة التّراخي في التّصويت، وشدّد على ضرورة الالتزام بدعم الحلفاء مؤكّدا على أنّ الحزب يخوض الانتخابات ضمن شبكة تحالفات موحّدة، وأنّه يجب على جمهوره التّعامل معها وفق هذا المعيار.

مخاوف نصر الله تبدو مستغربة، ويمكن ردها إلى نوع من الدعاية أو التّحفيز الانتخابيّ الضّروريّ لو لم يكن الجميع، بمن فيهم خصوم الحزب، يؤكّدون على أنّه لا شك في فوزه فيها، وأنّه الجهة الأكثر تماسكاً وصلابة انتخابياً من بين كلّ القوى الّتي تخوض الانتخابات.

التّمعّن في المشهد العام الدّاخلي والإقليمي معطوفاً على جملة من التّحولات الدّوليّة المتسارعة، يسهم في تفسير مشهد ما بعد الانتخابات الّذي يرعب نصر الله، ويسحب من فوزه المتوقع المعنى والقدرة على التّوظيف والاستثمار.

قبل كلّ شيء يجب النّظر إلى مشهد الحليف الأساسي للحزب في هذه الانتخابات أي التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، الّذي لا يشارك نصر الله الطّموحات نفسها.

الفترة الأخيرة شهدت محاولات عديدة قام بها بغية تقديم أوراق اعتماد إلى جهات إقليميّة ودوليّة، كما خرق محرمات الحزب الثّاّبتة بتصريحاته حول التّفاهم مع إسرائيل، ولمّح مراراً وتكراراً إلى استعداده للانفصال عنه في إطار صفقة مناسبة.

محاولات باسيل لتقديم أوراق اعتماد لروسيا والأسد لا تستطيع منافسة العروضات العربية والخليجيّة السخيّة، وكذلك الأمر فيما يخص مواقفه من إسرائيل ومحاولات بيعه مثل هذه المواقف للأميركيّين

لم يعرض عليه أي طرف فاعل إنجاز مثل هذه الصفقة، لأنه قد بات بلا قيمة تذكر، ولا يملك القدرة على التأثير على مسارات كبرى تتم في المنطقة، وتشارك فيها دول فاعلة وغنيّة وتملك شبكات من العلاقات والمصالح مع القوى الكبرى.

محاولات باسيل لتقديم أوراق اعتماد لروسيا والأسد لا تستطيع منافسة العروضات العربية والخليجيّة السخيّة، وكذلك الأمر فيما يخص مواقفه من إسرائيل ومحاولات بيعه مثل هذه المواقف للأميركيّين.

كل المخارج والصفقات التي يمكن أن يركّبها سبقته إليها الدّول، وتاليا فقد باتت العلاقة معه في الدّاخل اللّبناني بالنسبة لنصر الله نوعاً من حلف إلزاميّ يهدّد مشروع سيطرته على المجلس النّيابيّ، أو يجعله أسير ابتزاز اعتاد باسيل على التّعامل من خلاله مع الجميع.

اعتكاف سعد الحريري وعدم خوض تيار المستقبل الانتخابات بشكل مباشر، أظهر أنّ الحلف الأساسيّ والجديّ لنصر الله كان معه لأنه كان الجهة الوحيدة الّتي تمسك فعليّاً بزمام الطائفة السنية في كل البلد. تاليا كان التّحالف معه يضمن سريان كلّ المشاريع بشكل سلس.

سعد الحريري كان لا يزال يملك، وعلى الرّغم من حجب الدعم السّعودي عنه، جملة علاقات وارتباطات دوليّة مع الغرب عموماً ومع بوتين والعرب، وكان يمكن الاستفادة منها من خلال تكريسه في موقع رئاسة الحكومة.

لا أحد من حلفاء الحزب الحاليين يملك أيّ علاقات دوليّة، لا بل يحرصون على بيعه غياب هذه العلاقات بوصفها ثمناً لعلاقتهم به، ويفترضون تالياً أنّ دعمهم انتخابيّاً والدّفاع عنهم بكل الأشكال الممكنة ليس منة بل بمثابة حق لهم عليه مقابل ما سبق أن باعوه له من مواقف أدّت إلى استهدافهم بالعقوبات الغربية، وحصرت حضورهم في الّداخل.

ومن ناحية أخرى بدا وضحاً أنّ شعار العداء لحزب الله وسلاحه قد بات عنواناً عاماً للشرعيّة الانتخابيّة والسّياسيّة والأخلاقيّة عند كل من يخوضون الانتخابات خارج تحالفاته. كان مثل هذا الخطاب يقال سابقاً بشكل مخاتل ومراوغ غير مباشر، أو يظهر بوصفه نوعاً من الخداع لتبرير التّحالفات الفعليّة أو الضمنيّة معه، وندر أن يخرج أحد على هذه الصيغة العامة ما خلا قلة قليلة يمكن اختصارها بأفراد وليس بتيارات وجماعات.

الجديد في هذه الانتخابات أن عنوان التّناقض التّام معه يتخذ صيغة جديّة وراديكاليّة ويصعب التّنصل منها، لأنها لا تخاطب اللحظة القائمة بل تتعامل مع واقع قد يكون العالم فيه لا يهتم ولا يبالي فعليّاً بالانتخابات في حد ذاتها، ولكنّه ينظر إليها بوصفها امتحاناً نهائيّاً للمواقف، ويسجّل المعلومات والمواقف والخطابات، ويبني على أساسها معالم وملامح المرحلة المقبلة.

من هنا فإنّ التّمادي المقصود في إعلان العداء لحزب الله يتجلى في كونه عابراً للشّأن الانتخابيّ وموصولاً بمحاولة انتزاع مواقع ضمن خريطة التّرتيبات الّتي ستليها، والّتي ستعمل على ربط أي حياة ممكنة للبلد بخروج الحزب وسلاحة من دائرة الشّرعنة قانونيّا وشعبيّاً.

لا تغيب كتلة الحقائق الصّلبة هذه عن ذهن نصر الله ولا عن المعلومات والتّقديرات الّتي يجمعها حزبه، والّتي تصله من كل حدب وصوب، وكذلك لا يبدو أنّه يجهل أنّ توقيت ما بعد الانتخابات سيتزامن مع وصول الانهيار إلى ذروته بسبب فقدان البلد كل عناوين المناعة الاقتصاديّة والسّياسيّة، وهكذا لن يكون شعار "نحمي ونبني" الذي يخوض الانتخابات على أساسه سوى الاسم الحركيّ للانهيار.

تحوّل الضّاحية الجنوبيّة إلى ساحة للجريمة والسّطو المسلّح والفلتان الأمني بات خبراً يوميّاً، والأمر نفسه يتكرّر في كل مناطق نفوذه في الجنوب والبقاع

لطالما اعتاد أمين عام حزب الله على بيع الهزائم بوصفها انتصارات معتمداً على تماسك عسكريّ وسياسيّ وقدرة كبيرة على الضّبط الأمنيّ، ولكن ما يجري حاليّاً قبل الانتخابات وما يٌرجّح أن يتفاقم بعدها يشير إلى خلخلة عامة تطول كلّ هذه المقوّمات.

تحوّل الضّاحية الجنوبيّة إلى ساحة للجريمة والسّطو المسلّح والفلتان الأمني بات خبراً يوميّاً، والأمر نفسه يتكرّر في كل مناطق نفوذه في الجنوب والبقاع.

من هنا يبكي نصر الله انتصاره سلفاً هذه المرة لأنّه يعرف كلفته، والّتي قد تجعله انتصاراً أخيراً، لا يمكن العودة منه ولا السّكن فيه، حيث ستكون كلّ لحظة فيه عبارة عن ركض محموم إلى وراء، لا تنتظره فيه هزيمة يمكن تزويرها بل نسيان عريض أشبه بالمحو التّام.