نجوم اشتباكات عين الحلوة: فرج والحزب والأسد

2023.08.06 | 06:47 دمشق

نجوم اشتباكات عين الحلوة: فرج والحزب والأسد
+A
حجم الخط
-A

تبحث الأطراف اللبنانية وكذلك الإقليمية كثيراً في زوايا وخبايا معارك مخيم عين الحلوة، لالتقاط إشارة واضحة وثابتة حول الخلفيات السياسية الحقيقية لاندلاع هذه المعارك المفتوحة، التي تفتقر إلى عنوان سياسي واضح، لكنها لم تجد أجوبة شافية ترضي جهلها.

وأمام هذا التطور لا حاجة للعودة إلى سياقات صراعات النفوذ داخل المخيمات الفلسطينية أولاً بين فتح نفسها وأجنحتها المتقاتلة والمتصارعة على السلطة والمال والعقارات، وبين فتح وفصائل حماس والجهاد الإسلامي وقوى فلسطينية إسلامية متشددة ومخترقة من حزب الله ونظام بشار الأسد، لكن كل هذا الصراعات لا تستدعي هذا الحجم من المعارك القاسية والعنيفة.

والمخيم الذي يشهد بين فترة وأخرى عملية اغتيال أو تصفية، سرعان ما يتم تطويقه كي لا ينفجر أكثر. لكن ما طفا على السطح مؤخراً هي زيارة رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج إلى بيروت، وهي زيارة جرى وضعها في أطر مختلفة، وخاصة أنها أحيطت بالكثير من المعلومات المتقاطعة عن رسائل نقلها فرج للسلطة السياسية في لبنان أهمها انزعاج رام الله ومعها إسرائيل من تمدد الجهاد وحماس في المخيمات وخارجها والتي تهدد الوجود الفلسطيني إذا ما قررت إسرائيل توجيه ضربات لمراكز فلسطينية ومعسكرات تدريب، الأمر الذي خلق استهجاناً داخلياً واعتبارات تتصل بالتوتر الحاصل بين حزب الله وإسرائيل جنوباً على خلفية الغجر وملكيتها.

أبرز أهداف الزيارة هي ضبط الوضع والخلافات داخل المخيمات وبين الفصائل التابعة لمنظمة التحرير، لأن توحيد فتح سيؤدي إلى تطويق الاتساع السياسي والعسكري لحركتي حماس والجهاد في المخيمات على حساب حركة فتح المتراجعة بشكل دراماتيكي

وثمة أمر مؤكد يجري تداوله في زوايا القصر الحكومي والأروقة الأمنية التي التقاها فرج، أن الأخير نقل لبيروت انزعاج سلطة رام الله من استمرار حزب الله بدعم نشاط الخلايا المقاتلة في الضفة ونقل الأسلحة إلى الداخل الفلسطيني، لأن ذلك يمكن أن يدفع إسرائيل للذهاب إلى حرب ستكون السلطة أبرز ضحاياها عبر تقويض آخر مداميك "حل الدولتين". فيما أبرز أهداف الزيارة هي ضبط الوضع والخلافات داخل المخيمات وبين الفصائل التابعة لمنظمة التحرير، لأن توحيد فتح سيؤدي إلى تطويق الاتساع السياسي والعسكري لحركتي حماس والجهاد في المخيمات على حساب حركة فتح المتراجعة بشكل دراماتيكي.

ويمكن أمام ما حدث من تطورات متسارعة التركيز على مجموعة متغيرات:

  • عودة كبيرة لعدد كبير من المطلوبين إلى داخل المخيم وتحديداً من سوريا والعراق. وهذه المعلومات التي قاطعتها المخابرات مع أجهزة أمنية متعددة، أدت إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الأمنية المشددة في محيط المخيم، ومحاولات استدراجهم للقبض عليهم، على رأسهم عيسى الحمد، والذي تعرض لاستهداف من كوادر فتح برفقة الإسلامي السلفي أبو قتادة. والحمد ينشط في قطاع البناء والعقارات في جبل سيروب أيضاً المطل على مخيمي المية ومية وعين الحلوة والذي بات أحد مواقع حزب الله.
  •  عودة المطلوب بلال البدر إلى لبنان قادماً من الشمال السوري، إلى مخيم عين الحلوة. وعودة بدر إلى لبنان من سوريا يفتح الباب على إمكانية أن يكون النظام يسعى لإعادة الإمساك بورقة المخيمات الفلسطينية عبر جماعات متشددة يستطيع التحكم بقرارها كما حدث سابقاً مع شاكر العبسي وفتح الإسلام، وكذلك فإن البدر هو أحد أبرز المطلوبين في لبنان بسبب تورطه باشتباكات سابقة مع حركة فتح. وعودته للمخيم أدت إلى ارتفاع مستوى التخوف والاستنفار لدى السفارة الفلسطينية ومخابرات السلطة.
  •  بالمقابل حاولت بعض الفصائل الفلسطينية المقربة من دمشق وحزب الله تسويق عودة قائد فصيل جند الله إلى مخيم المية ومية أو الرشيدية في صور، لكن المخابرات والسفارة الفلسطينية رفضتاه بشكل قاطع خوفاً من عودة التوترات على اعتبار أن الأخير ساهم لفترات بإرسال مقاتلين إلى سوريا قبل احتضانه من الحزب والنظام، وتتخوف فصائل متعددة من استغلال الرجل في عمليات داخل المخيمات أو باتجاه إسرائيل.
  •   مع زيارة ماجد فرج جرت مجموعة من التحركات، أهمها أن الأخير ترك خلفه في بيروت نائبه ناصر العدوي لمتابعة جدول الأعمال المتفق عليه وجرى رصد توزيع أموال لمجموعات فتح داخل المخيمات واستنفار قواعدها السياسية والأمنية والعسكرية، الأمر الذي استفز السفير أشرف دبور بسبب تخطيه، ما يؤشر إلى نية مبيتة لخلق توترات داخل المخيم.

وربطاً بكل ما حدث، يجري حالياً تطوران إقليميان بارزان، وكلاهما عاملان مؤثران بالملف الفلسطيني، من جهة، هناك دفع أميركي - عربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بغض النظر عن الواقع الفلسطيني. قد يشمل هذا قريباً المملكة العربية السعودية. بالمقابل فإن هذا المسار في حال جرى تطويره سيقود إلى توسيع الجبهة الموحدة برعاية إيران ضد هذا التطبيع، بما في ذلك مجموعات داخل غزة والضفة الغربية وإسرائيل ولبنان وسوريا والعراق واليمن.

وهذا التطور يجري ترتيبه ضمن صفقة حمل عناوينها مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان إلى السعودية. لكن ومع شيء من التدقيق يتبين أن المسافة ما تزال بعيدة خصوصاً من الجانب السعودي للذهاب في هذه الوجهة. كون المشكلات ما تزال تحوط بالعلاقة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وإدارة جو بايدن. والسعودية تريد كأولوية ضمانات أمنية أميركية ثابتة وكاملة بأمن الخليج، إضافة إلى تزويدها النظام الدفاعي الجوي الأميركي الأكثر تطوراً والأحداث وهو نظام "تاد".

والأكيد أن الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يمر بمرحلة داخلية صعبة، ما يزال متوجساً من توجه السعودية لدعم خصمه الجمهوري دونالد ترامب للفوز بالاستحقاق الرئاسي المقبل، ففي الأسابيع الماضية وفي ظل المراوحة في الشق التنفيذي لاتفاق المصالحة السعودي ـ الإيراني، دفعت واشنطن بتعزيزات عسكرية جوية نوعية إلى الخليج، وذلك رداً على الاحتكاكات الإيرانية بناقلات النفط والسعي لمصادرتها.

السعودية تريد مظلة عسكرية أميركية تغطّي بنحوٍ دائم كل دول الخليج وليس فقط الممرات النفطية البحرية، لأنه ومنذ حصول التعزيزات الجوية الأميركية قبل نحو شهر لم تسجل أي توترات مصدرها إيران

وعلى الرغم من التسريبات الأميركية بأن هذه التعزيزات مختلفة عمّا سبق، بمعنى أنها ستبقى لفترة طويلة بخلاف ما كان يحصل سابقاً من خلال إعادة سحبها بعد فترة وجيزة، فإن السعودية تريد مظلة عسكرية أميركية تغطّي بنحوٍ دائم كل دول الخليج وليس فقط الممرات النفطية البحرية، لأنه ومنذ حصول التعزيزات الجوية الأميركية قبل نحو شهر لم تسجل أي توترات مصدرها إيران. ذلك أنه حتى الآن ما تزال المشكلات تعكس نيات غير صافية في ملف المصالحة السعودية ـ الإيرانية. واليمن هي ساحة الاختبار الأهم بالنسبة للرياض، وحيث لم تظهر إشارات تقدم، بل إن السعودية تبدو متوجّسة من لعبة استنفاد الوقت واستراتيجية "الصبر الاستراتيجي" التي تتقنها إيران لإرغام السعودية على القبول بشروطها.

وهذا البرود انعكس في الملف السوري، حيث تظهر خيوط اللعبة بنحوٍ أكثر وضوحاً، فالزخم العربي باتجاه الأسد، والذي جاءت ذروته خلال القمة العربية الأخيرة في السعودية تراجعت وتيرته بنحو كبير. والسعودية لم تفتح بعد سفارتها في دمشق، وهي أيضاً لم تفتح صناديقها للنظام وهو ما تطمح إليه دمشق، ما يعني أن الأمور لا تسير في الشكل الصحيح، وفي وقت كان الرئيس الإيراني قد زار فيه سوريا ووقع اتفاقيات اقتصادية ذات طابع استراتيجي، زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد طهران مصطحباً معه وفداً اقتصادياً، ما حمل رسائل عدة.

من هنا كان التركيز والسعي لتحليل ما إذا كانت هنالك من خلفيات إقليمية في أحداث مخيم عين الحلوة، خصوصاً لبنان الذي يشهد شد حبال كبيراً حول الملف الرئاسي عقب الاجتماع الخماسي في دولة قطر، والذي سيؤثر في كل المرحلة المقبلة، وتركيبة السلطة في لبنان وإدارات الدولة، والمعادلة السياسية التي سيكون لبنان في صلبها، وحجم النفوذ الإيراني على مستوى الدولة.

والأكيد أن تمدد الجهاد وحماس في لبنان على خط القتال في حال حصل سيعني كثيراً. كذلك مصادر تمويل وتسليح القوى الإسلامية، والنجاح في تبديل المعادلة القائمة داخل المخيم. وكذلك أيضاً رصد طريقة تفاعل الجسم العسكري لحركة فتح، ما يفتح باب المخيمات على مصراعيه لصراع إقليمي حاد، نجومه ماجد فرج من جهة، وحزب الله والأسد من جهة مقابلة.

وأخيراً لا يمكن فصل ما حدث عن توترات الجنوب بين حزب الله وإسرائيل، في ظل إصرار إسرائيل على ضم الغجر المتداخلة، وتمسك حزب الله بالخيم الموضوعة داخل الخط الأزرق، ما يمكن فهمه على أنه مسعى إسرائيلي لاستغلال أزمة عين الحلوة للضغط أكثر على حزب الله وحلفائه للمعركة الداخلية لاستنزافهم وإحراجهم.