بايدن إذ يستلهم لحظة كلينتون.. إما الحل وإما الفوضى

2024.05.23 | 05:14 دمشق

آخر تحديث: 23.05.2024 | 05:14 دمشق

شسيب
+A
حجم الخط
-A

مع انتهاء مراسم تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، ينتهي النقاش السياسي حول الملابسات والخلفيات المرتبطة بالحادث، وأمام هذه اللحظة الإقليمية الفارقة يبدو أن القدر أن تغرق إيران في بحر العملية الانتخابية المنتظرة أسابيع قليلة، في نافذة ضيقة من الوقت تشبه في لحظتها السياسية مرحلة اجتماعات "كامب ديفيد" في عام 2000، والتي لم تؤدِّ إلى أي تطور إقليمي، ما يعني أننا أمام إما تسوية كبيرة وإما انفجار إقليمي دون أفق مرسوم.

وقبيل موت رئيسي بأيام كانت المنطقة تشهد تطورات متسارعة لا يمكن القفز فوقها، على رأسها المساعي الجارية لتوقيع الاتفاق السعودي – الأميركي التاريخي لذا كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الظهران يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. حيث جرى نقاش مستفيض بحسب البيان الصادر عن الاجتماع لنقاش الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقيات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن.

وثمة ما ينقل في الكواليس الدبلوماسية عن التحضير لاتفاقية للدفاع المشترك والتي ستجعل السعودية تحت قيادة ولي العهد السعودي تحت وضع لا يختلف كثيراً عن تحالفات مع دول حلف الأطلسي من حيث استعداد الولايات المتحدة للذهاب إلى الحرب إذا تعرضت السعودية لتهديد وجودي.

كذلك يجري الحديث عن دعم أميركي للرياض لتخصيب اليورانيوم السعودي لأغراض سلمية وخاصة أن لدى السعودية اليوم احتياطي كبير من اليورانيوم الخام، والأهم من كل ذلك ربط الشراكة الاقتصادية المحتملة باتفاق تطبيع سعودي – إسرائيلي.

وهذا المسار يجري تعزيزه أميركياً بضمان أصوات الجمهوريين بتمرير المشروع في الكونغرس حيث يقود هذا الحراك اللافت السيناتور ليندسي غراهام والذي يقود الجهود هذه بزياراته المتكررة للرياض وكذلك تأمين عودة التواصل بين ترامب وبن سلمان.

وأمام هذه التحديات الفارقة بات لدى الأميركيين قناعة ثابتة بالرؤية القطرية - السعودية التي تعتبر بأن الشرق الأوسط لن يدخل مرحلة الهدوء ما لم يتم اجتراح حل للقضية الفلسطينية يكون في أساسه إيجاد مسار حققي وفعال نحو حل الدولتين انطلاقاً مما قاله المسؤولان القطريان محمد الخليفي وماجد الأنصاري بأن المسار الحقيقي يبدأ لحظة وقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات.

من هنا فإن ما قاله توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" حول اشتراط بن سلمان انسحاب إسرائيل من غزة، وتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وإطلاق مسار لإقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث إلى خمس سنوات هو البوابة الجدية للتطبيع، لكن الحقيقة حتى اللحظة أن حكومة اليمين بزعامة الليكود ترفض كل هذا السياق.

من هنا ظهرت لمسات أميركية في الصراع الحاصل بين أركان حكومة نتنياهو والتهديد بفرط عقدها، وتحديداً بيني غانتس الذي بات يراهن على انتخابات مبكرة يفوز بها حزبه. كما برز انقسام آخر بين نتنياهو من جهة ووزير الدفاع وجنرالات الجيش من جهة أخرى حول استراتيجية الحرب، وهذا الأمر يتزامن مع نشاط يائير لابيد المتزايد والدعوات لتوحيد المعارضة.

بالتوازي كان الإعلان عن استضافة مسقط لاجتماعات بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين لاستئناف المحادثات حول الاتفاق النووي، وهذه الاجتماعات جرت بعد اغتيال إسرائيل للقيادي البارز في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي في دمشق، والرد الإيراني بإطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل. وهذا يؤكد أن السياق الذي بدأ قبل الحرب في غزة قابل للتنشيط والسير به، بغض النظر عن لهيب المعارك في غزة ولبنان واليمن.

والأكيد أنه جرى نقاش في كيفية إعادة الملف النووي إلى مسار التفاوض والاحتواء. وتدخل في هذا الإطار زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّية رفاييل غروسي لطهران مطلع الشهر الحالي، حيث التقى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان قبل وفاته وهذا يؤشر إلى أن هناك رغبة جدية بتعميق الاتفاق وفرضه على أجندة بايدن الانتخابية.

في هذا المسار المفاجئ انتقلت إيران لواقع طارئ أقرب للمخاض العسير والتي ستبدأ بإيجاد رئيس جديد في ذروة تحولات سياسية واجتماعية داخلية، وخاصة أن رئيسي كان سيصعد لقائمة المرشحين كخليفة محتمل للمرشد الأعلى علي خامنئي. وعليه دخلت إيران اليوم في مرحلة الصراع المبكر على المرشد الأعلى، ومعلوم بالضرورة أن ملفّات المنطقة تدار من غرف متعددة في إيران، أحدها في وزارة الخارجية، والآخر، الأكثر أهمية، في الحرس الثوري، الذي يدير شبكة الميليشيات المترامية الأطراف في المنطقة، وفي دول الإقليم. وقد خرج التباين بين مراكز القوة تلك إلى العلن في عهد الرئيس السابق حسن روحاني.

وأحد أبرز الصراعات الأخيرة كانت نية الحرس الثوري الإيراني بتحضير حركة الجهاد الإسلامي بديلاً حقيقياً لحركة حماس، مع فارق أساسي بنقل النشاط العسكري للضفة الغربية والتي بدا أن الحرس يدير خلاياها ويعمل على الاستثمار بها بدليل عدم تفاعلها المباشر مع حرب غزة، في حين يمانع أركان الدبلوماسية هذا الخيار على اعتبار أن حماس الأكثر مقبولية في المنطقة السنية من الجهاد.

من هنا فإن الانتخابات الإيرانية المنتظرة باتت فجأة على أجندة الشرق الأوسط، لتتشابك مواعيدها مع انتخابات في الولايات المتحدة حامية الوطيس بين الجمهوريين والديموقراطيين والتي يتنافسان على شريحة شابة أحرقت مراكبها مع فكرة إسرائيل وأشعلت فتيل ثورة الجامعات، بالمقابل فإننا أمام حكومة في إسرائيل على شفا جُرُفِ انتهاء الحرب قد يطيح بها في لحظة ما.

لذا فإن الحدث الإيراني المفاجئ يدخل المنطقة في لحظات اضطراب عالمي بهدف تأجيل التفاوض مع الغرب ومع دول المنطقة للحظة ارتكاز الحكم في طهران وفق خطة المرشد وحرسه الثوري، لكنّه ربما يدفع الأميركيين لتسريع فرض الصفقة التاريخية لأن ما هو ممكن اليوم قد لا يُتاح غداً في منطقة مفتوحة يوم على حدث جديد كان آخره طوفان الأقصى وما نتج عنه من تحولات غير متخيلة.

لذا فإن هذه اللحظة يسعى بايدن لاستيلاد لحظة شبيهة بمحاولات كلينتون لفرض تسوية وحل شامل على الصراع الأول في المنطقة، لكن الفارق اليوم أننا أمام واقع مختلف، وطرق حله مغايرة لمرحلة 1999 وقد يؤدي لانفجارات في سوريا والعراق ولبنان حكماً.