icon
التغطية الحية

مياهه لم تعد "فراتاً".. نهر الفرات ينشر الكوليرا في دير الزور

2022.09.23 | 12:45 دمشق

سورية مصابة بالكوليرا تتلقى العلاج في مشفى الكسرة بمحافظة دير الزور - التاريخ: 17 أيلول 2022
سورية مصابة بالكوليرا تتلقى العلاج في مشفى الكسرة بمحافظة دير الزور - التاريخ: 17 من أيلول 2022
غلوبال تايمز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في أحد المشافي السورية التي تعج بالنساء والأطفال الباكين، أخذ أحمد المحمد يتلوى من الألم بجانب زوجته عقب إصابتهما بالكوليرا، التي عادت إلى سوريا من جديد بعدما اختفت لسنوات طويلة.

خلال أيامه الستة مع العلاج، أخذ أحمد يراقب تدفق المرضى على مشفى الكسرة في محافظة دير الزور بالمنطقة الشرقية، حيث يعتبر نهر الفرات الملوث مصدراً رئيسياً للمياه الملوثة التي تستخدم للشرب والري.

ويتحدث هذا الرجل البالغ من العمر 45 عاماً عن الوضع من المشفى، وهو بالكاد قادر على الكلام، فيقول: "عانينا من إسهال وإقياء وآلام.. لأننا نشرب من نهر الفرات مباشرة، فمياهه ملوثة، ولكن ليس لدينا أي خيار آخر".

تنتقل عدوى الكوليرا عموماً عن طريق الأغذية أو المياه الملوثة، وتنتشر في المناطق السكنية التي تفتقر لشبكة صرف صحي مناسبة، أو شبكة رئيسية تزود الناس بمياه الشرب.

ولقد عاد هذا المرض إلى سوريا لأول مرة بقوة منذ عام 2019، بعد الدمار الذي لحق بثلثي محطات معالجة المياه تقريباً، ونصف محطات الضخ، وثلث خزانات المياه بسبب الحرب التي امتدت لأكثر من عقد من الزمان، وذلك بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

أعلن النظام السوري عن 23 حالة وفاة، وأكثر من 250 إصابة بالكوليرا في ست محافظات من أصل 14 محافظة سورية، وذلك منذ بداية تفشي هذا المرض في شهر أيلول الحالي، حيث سجلت معظم الإصابات في محافظة حلب الواقعة شمالي البلاد.

أما الإدارة الذاتية التي تسيطر على شمال شرقي سوريا وأجزاء من دير الزور، فقد سجلت 16 حالة وفاة و78 إصابة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بوجود 43 إصابة في غربي دير الزور، وذلك بحسب ما ذكره مسؤول الصحة جوان مصطفى يوم الأربعاء الماضي، وأضاف بأن عملية فحص مياه الفرات أثبتت وجود البكتيريا التي تسبب الكوليرا، أما انتشارها فيرجع لانخفاض منسوب المياه في النهر.

تلوث نهر الفرات

يقطع نهر الفرات الذي كان يجري منذ أيام حدائق بابل التي ورد ذكرها في الإنجيل، مسافة 2800 بين تركيا وسوريا والعراق.

وفي موسم الأمطار، تشتد غزارته، حيث يتدفق من شمالي سوريا عبر الحدود التركية، ليدخل لاحقا إلى العراق ويلتقي مع دجلة.

إلا أن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة بسبب التغير المناخي جعلت منسوب مياه النهر يتراجع كثيراً، ليصل إلى أخفض مستوياته.

تراجع منسوب المياه أدى إلى تفاقم مشكلة التلوث في النهر، وذلك بسبب الصرف الصحي الذي يعتبر السبب الأساسي، إلى جانب سبب آخر، وهو النفط الموجود في المناطق الغنية بالهيدروكربون، وعلى رأسها دير الزور.

وبالرغم من تلوثه، إلا أن أكثر من خمسة ملايين نسمة من سكان سوريا البالغ عددهم 18 مليون نسمة، يعتمدون على الفرات بالنسبة لمياه الشرب بحسب ما أوردته الأمم المتحدة.

This aerial view shows a portion of the Euphrates River on September 17, 2022, a major source of contaminated water used for both drinking and irrigation, near the town of Al-Kasrah, in Syria's eastern Deir Ezzor province. Photo: VCG

صورة ملتقطة جواً لنهر الفرات في 17 من أيلول 2022   

 

أما تبعات هذا الاعتماد فباتت واضحة في مشفى الكسرة، حيث يحتضن رجل طفله الرضيع بلطف، في الوقت الذي يخترق فيه أنبوب مصل أحد أوردة يده الصغيرة.

يخبرنا طارق علاء الدين مدير هذا المشفى بأنهم يستقبلون عشرات الحالات المشتبه بأنها إصابات بالكوليرا يومياً، وبأنهم أحصوا مئات الحالات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وأضاف: "كان جميع المرضى يشربون مياه صهريج قادمة من نهر الفرات مباشرة، دون تنقيتها أو تعقيمها.. وإننا نناشد كل المنظمات الدولية التي تعنى بالصحة والبيئة أن تتحرك بسرعة وبشكل عاجل".

"نريد أن نعيش"

أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان من مقره في بريطانيا في مطلع شهر أيلول عن انتشار هذا المرض في الأجزاء الغربية من دير الزور، بعدما توقفت السلطات المحلية عن إضافة مادة الكلور لمحطات ضخ المياه.

إلا أن الإدارة الذاتية التي تسيطر على أجزاء من دير الزور، ومنها بلدة الكسرة، ذكرت بأنها استأنفت توزيع وإضافة تلك المادة عقب تفشي المرض، كما أعلنت عن مساعدات مخصصة لمشفى الكسرة وغيره من المرافق الطبية في المنطقة وذلك لمساعدتها على احتواء أعداد المصابين.

إلا أن السبب الأساسي للمشكلة بقي بلا حل.

إذ يخبرنا الفلاح أحمد سليمان الراشد، 55 عاماً، بأنه روى أراضيه المزروعة بالقطن والبامياء والسبانخ والسمسم بمياه نهر الفرات، ما تسبب بتلوث تلك المحاصيل، وقال: "لا توجد محطات لتنقية المياه.. ولهذا فإننا نشرب مياهاً غير معقمة وغير مخلوطة بالكلور، ونتكل على الله ليحمينا".

"ماذا بوسعنا أن نفعل غير ذلك؟"

في تلك الأثناء، وقفت شاحنة صدئة وأخذت تسحب مياهاً ذات لون أخضر قاتم من نهر الفرات، أما شبكات أنابيب الري فسحبت المياه من النهر، وأخذت تسرب ما تبين بأنه نفط إلى التربة.

وعن ذلك يخبرنا رشيد فيقول: "إننا نعرف بأن المياه ملوثة.. ولكننا نشربها على أية حال.. إذ ليس لدينا أي خيار آخر".

في منطقة قريبة، أخذ فتى يغسل وجهه بمياه النهر ليزيل عنه العرق بسبب حر الصيف، بينما جلست صبحة حميد علي، 60 عاماً، في الظل وأخذت تنظف أوراق السبانخ، وهي تدرك تماماً المخاطر الموجودة فيها، لكنها تخبرنا بأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً حيال ذلك.

وبكل لطف يقول لنا علي: "إننا مجبرون على تناول خضار ملوثة، لأننا بالنهاية نريد أن نعيش".

المصدر: غلوبال تايمز