icon
التغطية الحية

مهجّرون في شمال غربي سوريا.. مأساة تشرّد وحنين

2022.02.11 | 05:45 دمشق

مخيم
مخيم للمهجّرين في شمال غربي سوريا (تلفزيون سوريا)
+A
حجم الخط
-A

يعيش آلاف السوريين المهجّرين في شمال غربي سوريا ظروفاً إنسانية صعبة وغير مستقرة، من حيث المأوى والطعام وقلة فرص العمل، فضلاً عن اختلاف البيئة التي كانوا يعيشون فيها قبل تهجيرهم على يد نظام الأسد وحلفائه، فضلاً عن معاناة كثير منهم نفسياً وعاطفياً بالحنين لذكرياتهم في بلداتهم وقراهم ومنازلهم وممتلكاتهم التي خسروها بتهجيرٍ قسري فرضه نظام الأسد وحليفته روسيا.

وخلال مسار "أستانا" ومخرجات "خفض التصعيد"، هجّر "النظام" وروسيا مئات آلاف السوريين من مختلف المدن والمناطق السوريّة التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة، إلى الشمال السوري، وكان آخر المهجّرين مِن الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي في ريف دمشق ومناطق وبلدات جنوبي دمشق، إضافةً إلى تهجير الأهالي من ريف حمص الشمالي ودرعا.

رحلة التهجير والوصول إلى المخيم

معظم المهجّرين من عائلات الثوّار والمقاتلين والناشطين والإعلاميين والأطباء والإغاثيين، تركوا ديارهم قسراً، خشيةً من ملاحقة "النظام" لهم بعد سيطرته على مناطقهم.

وهؤلاء أصحاب معاناة مزدوجة، في البداية عاشوا الحصار والجوع في مناطقهم التي تعرّضت للقصف والدمار أيضاً، ثم بدأت معاناتهم الثانية في رحلة التهجير والبحث عن مأوى بديل، المترافق مع الحنين إلى منازلهم التي هُجّروا منها.

معاناة رحلة التهجير

معاناة المهجّرين تبدأ مع أولى خطوات رحلة التهجير نحو الشمال السوري، إذ بقي أطفال وعائلات من جنوبي دمشق والغوطة الشرقية في الحافلات لأكثر من 5 أيام قاسوا خلالها الكثير، قبل أن يتمكّنوا من الدخول إلى منطقة الباب شرقي حلب.

وبعد تلك الأيام القاسية من الانتظار والوصول لاحقاً إلى الشمال، جرى توزيع المهجّرين على مخيمات ومراكز إيواء مؤقتة تُفصل فيها العائلات، حيث يقطن النساء في مركز والشبّان والرجال في مركز آخر، في حين يقبع عدد آخر من المهجّرين في مستودعات ومساجد، بسبب الأزمة السكنية في المنطقة التي هُجّروا إليها.

البحث عن خيمة

مع سوء البدائل الأخرى كالمبيت بين الأشجار وفي الخيم الكبيرة المشتركة ومع عدم توافرها، يصبح العثور على خيمة غايةً في الأهمية لدرجة البحث عن "واسطات" من أجل تأمينها.

وبعد الحصول على الخيمة، تبدأ رحلتك للتو فأنت الآن مهجّر، إذ تختلف مشاعرك وذاكرتك وتبدأ التذكّر بأنك نجوت من حملة القصف والبراميل والحصار، لكنك لم تنجُ فيضيق صدرك وتتخبط مشاعرك وتخفي الدمعة عن عائلتك لتشعرهم بقليل من الأمان فأنت اليوم نجوت من الموت، لكنك بدأت رحلة الصراع مع كل شيء، مع نفسك وعاطفتك وذاكرتك وحنينك.

رحلة تذكّر الأشياء الكثيرة التي لم تحملها معك، وحنينك لمَن فقدت ودفنت بأرض لم تستطع البقاء فيها، وعندها يربت أحدهم على كتفك قائلاً: نريد شيئاً نأكله وهنا تعرف أنك بحاجة لتأمين الشوكة والملعقة والسكين والوعاء وكل شيء، فأنت لا تملك شيئاً إلا حنيناً يسبّب لك آلاماً أكبر من الآلام التي كنت تعيشها في حصارك وتحت البراميل قبيل التهجير.

عدم الاستقرار

"لم أستقر في مكان ثابت أكثر من شهرين"، هذا ما قالته إيمان الوزير - مهجّرة من الغوطة الشرقية منذ 2018 - وتشير إلى لحظة وصولها إلى الشمال: "نزلت من الحافلة إلى سيارة الإسعاف، كنت مصابة بظهري إثر قصف للنظام على منزلي في بلدة مسرابا".

وتضيف "بعد أشهر قضيناها داخل الأنفاق تحت الأرض من دون طعام وشراب وتدفئة هروباً من براميل النظام، خلال الحملة الأخيرة على الغوطة، هُجرت مع عائلتي إلى الشمال السوري، وعند وصولنا وإسعافي بتنا لاحقاً في مخيم كبير مشترك مع عائلات أُخرى، وبدأت مسيرة النزوح والتشرد، ولم نكن نملك أي شيء غير ملابسنا، وعند حصولنا على خيمة شعرنا بالخيبة والصدمة، إذ بتنا مهجّرين نازحين".

تتابع إيمان حديثها: "أصبحنا نبحث عن لقمة العيش وعن سلة الإغاثة، والمنازل الصغيرة التي سكنت أحدها ضمن مشروع (بديل الخيمة)، لم تحل مشكلتي بل زادتها، بسبب ابتعاد جميع المدارس عن أماكن القرى التي تبنيها الجمعيات، إذ تكون بعيدة عن مراكز المدن ولا توجد مواصلات إليها، ما دفعني لتركه والبحث مجدّداً عن مخيم قريب من مراكز المدن والأسواق والمدارس".

واقع مخيمات المهجّرين

تُبنى المُخيمات على أراضٍ ترابيةٍ، الأمر الذي يجعلك تسبح بالطين في فصل الشتاء لتصل إلى أقرب مدرسة توصل بها أطفالك، كما يعاني المهجّرون فيها من الوجود الكثيف للجرذان والفئران والعقارب والحشرات السامة، فالمخيمات لا تقي برد الشتاء ولا حرّ الصيف.

في المخيمات لا مياه معقّمة فضلاً عن غلاء تأمين المياه إن وُجدت، وفي المخيمات تُسجّل حالة وفاة للكثير من الأطفال خنقاً أو احتراقاً، لأنّ المهجّرين يستخدمون الأكياس البلاستيكية والنايلون للحرق والتدفئة، كما يُصاب الكثير من الأطفال بأمراض جلدية نتيجة تلوث المياه والهواء والطعام، فضلاً عن عدم توافر مستوصفات وعيادات ومشاف، كما أنّ الكثير من الأهالي يمنع أطفاله مواصلة التعليم، بسبب عدم توافر المدارس في المخيمات.

اقرأ أيضاً: بسبب البرد.. انتشار "جائحة إنتانات تنفسية" في الشمال السوري

الكثير من مخيمات الشمال السوري أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عُرضة للتلف وغير مقاومة للعوامل الجوية، وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان صادر، في شباط 2020، أن أكثر من 167 سوريّاً (بينهم 77 طفلاً) قضوا بسبب البرد، منذ العام 2011.

وكانت الشبكة قد سجّلت، مطلع العام الجري، تضرّر نحو 400 مخيم، بإجمالي ما لا يقل عن 5 آلاف و163 خيمة متضررة بشكل جزئي أو كامل، وتشريد نحو 3 آلاف و642 أسرة، خلال فصل الشتاء الحالي، وسط انعدام البنية التحتية الأساسية من طرق وشبكات للصرف الصحي في المخيّمات، التي تتحول في الشتاء إلى برك طينية ومستنقعات.