من يمثّل السوريين في تركيا؟

2023.08.09 | 06:40 دمشق

من يمثّل السوريين في تركيا؟
+A
حجم الخط
-A

في خضم تزايد الخطاب العنصري والحوادث الناجمة عنه ضد اللاجئين والأجانب عموماً، استوقفتني كما الكثيرين حادثة الاعتداء على فتى يمني من قبل عشرات الأشخاص الأتراك مطلع آب/أغسطس الجاري، وما تلا ذلك من تحرك ملحوظ للأشخاص الذين يمثلون الجالية اليمنية في تركيا.

لم تمر الحادثة مرور الكرام إن صح التعبير، بل حصدت ردود فعل غاضبة وتحركاً تركيّاً على مستوى عالٍ لتهدئة الوضع ومتابعة حثيثة لما جرى ومحاولة احتواء الموقف.

لكن هذا التحرك الذي يكاد يكون غير مسبوق في الآونة الأخيرة، جاء عبر تحرك يمني رسمي قام به ممثلو الجالية اليمنية في تركيا، وعلى رأسهم السفير محمد صالح طارق، الذي زار العائلة التي تعرض أبناؤه للاعتداء بحضور رئيس الجالية والأعيان والإعلاميين اليمنيين.

قارنت ما جرى بحوادث الاعتداء التي باتت مألوفة بكل أسف بحق السوريين في تركيا، والتي لا ترقى حتى إلى مستوى إحداث ضجة إعلامية سواء على المستوى التركي أو السوري، وبالطبع لهذا أسبابه.

بحثت بشكل جاد وحثيث عن شتى المنظمات والجهات التي يُنظر لها على أنها جهات تمثل السوريين بطريقة ما، أو تعنى بشؤونهم على الأقل بحكم وجود كلمة "السوري/السورية" التي ترافق اسم الجهات أو المنصات وهي كثيرة في تركيا، لكن بكل أسف ينطبق عليها القول السائد؛ "أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً".

هذا البحث دفعني إلى استنتاج هو أن هناك أزمة أعمق من الخطاب العنصري وأشد منه، تكمن في عدم وجود كيان جماعي حقيقي يمثّل السوريين ويدافع عنهم بكل السبل القانونية المتاحة، ويضع الاعتبار لهم.

هناك الائتلاف السوري المعارض، الذي من المنطقي أن يُنظر إليه على أنهم الجهة الرسمية التي تمثل السوريين الرافضين لحكم نظام الأسد، وممّا تحتمه مسؤولية هذه الصفة هو أن يكون هذا الكيان على قدر تلك المسؤولية، ويضطلع بأمرين رئيسيين، الأول أن يتواصل مع السوريين أنفسهم، والثاني أن يتواصل مع الجهات التركية.

في الحقيقة، أعجب حينما أقول بنفسي وكامل قدراتي العقلية إن مسؤولية الائتلاف أن يتواصل مع السوريين أنفسهم، فلم ألحظ مثلاً زيارة لمسؤول في الائتلاف لعائلة سورية تعرض أحد أفرادها لموقف عنصري أو حادثة اعتداء أو ربما قتل.

لا يقوم الائتلاف مثلاً بزيارة السوريين أو على الأقل عقد لقاءات واجتماعات مع ما يُسمّى الأعيان منهم، بهدف شحذ الجهود وتوحيدها حتى ينطبق علينا اسم "الجالية" بأحقية، وبالتالي نحصل على نوع من الكرامة والاحترام من الآخرين.

على صعيد الإعلاميين كذلك وما أكثرهم في تركيا، لا يوجد هناك منصة يجتمعون تحت سقفها، تمكنهم من صنع جسر مع مؤسسات الإعلام التركية من أجل مكافحة الخطاب العنصري

بالطبع هذه الفعاليات هي ذاتها التي حُرمنا منها في ظل نظام الأسد، ومن المنطقي أن نحصل عليها الآن في ظل جهة/ سقف تمثل السوريين.

على صعيد الحقوقيين والمحامين وما أحوجنا إليهم، لا يوجد هناك جهود مجتمعة وتنسيق مشترك من أجل نصرة "الأخ المظلوم" الذي يتعرض لموقف أو اعتداء ما، ومتابعة الأمر بالسبل القانونية.

على صعيد الإعلاميين كذلك وما أكثرهم في تركيا، لا يوجد هناك منصة يجتمعون تحت سقفها، تمكنهم من صنع جسر مع مؤسسات الإعلام التركية من أجل مكافحة الخطاب العنصري، وصنع تأثير لدى الرأي العام يسمح بتغيير الكثير من القناعات الخاطئة عن السوريين.

ناهيك عن دور رجال الأعمال السوريين الذين بإمكانهم كذلك وضع بصمة في جميع تلك السياقات، بحكم نشاطهم التجاري الذي ينعكس بلا شك على السوق التركية ولا سيما على صعيد التصدير إلى الخارج وبالأخص العالم العربي.

ما لاحظته طيلة وجودي الممتد لنحو عشر سنوات في تركيا، هو غياب ثقافة "المجتمع/الجالية" عنا نحن -السوريين- دون غيرنا من باقي الجاليات التي لها وجود في تركيا، لماذا؟

حضرت أكثر من مرة إفطاراً رمضانياً بدعوة من الجالية المصرية في تركيا، التي رغم خلافاتها الطبيعية تمكنت من صنع إنجاز اسمه "جالية".

أعرف عن قرب التنظيم الرصين للجالية اليمنية الذي يحتذى به، لا سيما الإعلاميين اليمنيين المقيمين في تركيا، رغم عددهم القليل في تركيا.

هناك أمثلة ناجحة أيضاً حول العالم، بما في ذلك الجاليات التركية في أوروبا.

لكن حينما تبحث في مختلف تلك الأمثلة تجد هناك جهة رسمية (الدولة) أو شبه رسمية تتحمل مسؤوليتها تجاه من تمثلهم، فتتواصل معهم وتلتقي بهم وتستمتع لمشكلاتهم، وتكون لسانهم لدى البلد المضيف لتجاوز أي عائق أو ظرف ما.

هذه العقدة التي غابت عن السوريين وهم أكبر جالية في تركيا عدداً، ولا أعرف ما هو السبب، هل المصلحة أم الأنانية أم الارتهان للقرارات السياسية أم الكسل أم الخوف أم جميع ما سبق؟

هل سيخرج الائتلاف السوري عن القانون حينما نراه ولو مرة في زيارة لعائلة سورية والوقوف إلى جانبها؟ هل يصعب عليه فعل ذلك وإعطاء صورة أننا نحترم بعضنا كأناس لديهم كرامة وشعور إنساني؟

حينما نقول ذلك فنحن لا ندعو للخروج عن القانون، على العكس تماماً، بل تطبيق القانون الذي على رأس مبادئه أن تحصل على حقك ولا تتعدى على حق الآخرين.

هل سيخرج الائتلاف السوري عن القانون حينما نراه ولو مرة في زيارة لعائلة سورية والوقوف إلى جانبها؟ هل يصعب عليه فعل ذلك وإعطاء صورة أننا نحترم بعضنا كأناس لديهم كرامة وشعور إنساني؟

البيانات التي تسعى لحفظ ماء الوجه لا تكفي، وهذه رسالة للمنظمات الأخرى التي تقول إنها تمثل السوريين سواء حقوقياً أو دينياً أو مدنياً، لا بد من النشاط والتحرك والتواصل مع السوريين أنفسهم، وهذه بديهية، والتواصل مع الجانب التركي وشرح فداحة الخطاب العنصري، ودعوته لسن قوانين رادعة لأصحاب هذا الخطاب الذين يتحملون بشكل كبير مسؤولية الحوادث المتزايد ضد اللاجئين والأجانب.

قبل نحو عامين، ذكرت في أول مقال لي هنا، أن تقصير النخب السورية عن القيام بواجبها ضمن الأطر القانونية، هو أحد أسباب تفشي الخطاب العنصري ضد السوريين، مما يحتم على جميع الهياكل السياسية والاجتماعية السورية في تركيا إضافة إلى رجال الأعمال، أن يلعبوا دوراً إيجابيّاً.