من سيرة آل الأسد: حين لا تكفي الكنية

2023.09.25 | 06:28 دمشق

آخر تحديث: 25.09.2023 | 06:28 دمشق

من سيرة آل الأسد: حين لا تكفي الكنية
+A
حجم الخط
-A

يصعب العثور على شابين متشابهين بالقدر الذي كان عليه اللذان تشاجرا في عراك حاد كان له حضوره في أحاديث اللاذقية خلال الشهر الماضي. فالاثنان، علي الأسد وحمزة سعيد، في النصف الأول من العشرينات، من ريف جبلة بشكل ما، مواليان للنظام، مرفّهان، «جامعيان»، كلٌّ بطريقته المواربة؛ فقد حاز علي شهادة الدبلوم في العلاقات الدولية من «الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب» بموسكو وانتقل إلى مرحلة الدراسات العليا، أما حمزة فقد اختصر الطريق وحصل على لقب «الدكتور» حبياً منذ أن سجل في كلية الصيدلة بجامعة «المنارة» الخاصة باللاذقية، وشارف على التخرج فيها الآن.

 

علي حسان الأسد
علي حسان الأسد

 

في ليلة من أواخر آب الفائت اصطدم الشابان، كما بات معروفاً نسبياً. كان الأسد وحيداً فاستغل سعيد ورفيقان له ذلك فأوسعوه ضرباً بشكل مؤذ. طعنوه بأداة حادة وأصابوه بكسور خضع بعدها لعمل جراحي استمر ساعات. في أثناء ذلك كان والداه، المنفصلان قبل سنوات، يفكران في ما عليهما فعله. وكانت  وجهة نظرهما مختلفتين.

 

حمزة أحمد سعيد
حمزة أحمد سعيد

 

ينتمي الأب، حسان توفيق إسماعيل علي سليمان الأسد، إلى فرع قوي نسبياً من العائلة. ولم يؤثر عنه ميل إلى الحلول المسالمة. في حين كانت الأم، إنصاف سليطين، إعلامية تدافع عن «الدولة» ومؤسساتها، فدفعت نحو الحصول على تقرير طبي والتقدم بشكوى بالطرق القانونية، طالما أن تهمة الشروع بالقتل واضحة!

وافق الأب على مضض، وسارت الدعوى في مسلك الطوابع والأختام ودوريات الأمن الجنائي للبحث عن الفاعلين. كانت تلك فرصة طيبة لتدخل المال، غير السياسي، الذي ماطل في الإجراءات حتى تمكن حمزة من السفر إلى خارج البلاد. فوالده، أحمد، صاحب كازية «الصياد» للمحروقات في «الحويز» بريف جبلة، وأمه، ريم حداد، مديرة فرع مصرف التسليف الشعبي في اللاذقية. وحربتهما ليست قصيرة في المحصلة.

في أثناء ذلك كان حسان يراقب قضية ابنه المعتدّ بنفسه وهي تتسرب من بين يديه، ويلعن الزمن المخنث الذي ألجأه إلى القضاء لمحاسبة من تطاولوا على «أسيادهم» وفق التعبير الشائع لدى عائلة الأسد ومحاسيبها. خاصة أنه ينتمي إلى أسرة فيها عدد كبير من الإخوة الفاعلين، أهمهم اللواء زهير قائد الفيلق الثاني في الجيش، وأبرزهم محمد، الشهير بلقب «شيخ الجبل»، الذي تركت سيرته الحافلة (1967 - 2015) أثر «متلازمة» لدى معظم إخوته، وأبنائهم على وجه الخصوص، في الميل إلى حياة "روبن هودية" وتحصيل «الحقوق» باليد والسلاح. وهو ما يمكن أن نجد معالمه في وضعية كِرام ابن أخيه زهير، والذي لوحق قبل عامين، كما جرى اعتقال جعفر، ابن أخيه محسن، لأشهر في السنة الفائتة.

في مساء يوم الجمعة 15 أيلول الحالي لم يعد حسان يطيق صبراً على «مؤسسات الدولة». كان ابنه قد تعافى وعاد إلى موسكو، لكن الجاني صار هناك غالباً، بما أنها الساحة الأوسع للإفلات من العقاب. فاصطحب أبو علي ثلاثة من شبيحته، الذين لا يخلو منهم أحد من آل الأسد تقريباً، وهجم على منزل أسرة حمزة في المشروع العاشر. ضرب مديرة المصرف بأخمص المسدس على رأسها، وصب رجاله عدة ليترات من البنزين على الأثاث وأشعل النار. ثم توجه بهم إلى كازية الأب فأطلقوا الرصاص الذي أدى إلى حدوث حريق.

شاعت القصتان، فسرى تذمر في مدينة اللاذقية وقطع أهل «الحويز» الطريق. تحركت وزارة الداخلية فداهمت منزل حسان وصادرت «خمس مركبات، ثلاث منها بدون لوحات، وأسلحة فردية»، وعثرت فيه على «آلات معمل لتعبئة عبوات المياه المغشوشة» كما قالت في بيانها الذي يُستبعد أن يكون ذكر كل شيء، حفظاً لخط الرجعة. ثم قيل إنها ألقت القبض على أحد المرتكبين مع حسان، وإنه اعترف بالواقعتين، ويجري البحث عن الاثنين الآخرين وعن الأسد نفسه.

تلقي هذه القصة الضوء على حركة «الفاعلين المحليين» في الساحل، كما يحلو لأوراق بحثية القول. فقد أصبح حسان الأسد (47 عاماً) نمطاً من الماضي. لا يحتفظ بشار الأسد بذكريات خاصة عن القرداحة وأهلها، كما قال مرة في جلسة واسعة، وهو لا يعرف أبناء عمومته. إنه يشعر بالانتماء إلى دمشق، كما أوضح يومها، حيث تقاس الأمور بدرجة نفعها.

لقد مضى، بنسبة كبيرة ومنذ وقت لا بأس به، الزمن الذي كانت كنية «الأسد» فيه فاعلة بذاتها. وباتت تحتاج إلى ترجمة محسوسة، ضراً أو نفعاً أو تلويحاً جاداً بأحدهما، لتحقق النتيجة المطلوب، خاصة في اللاذقية، حيث تأقلمت أجهزة السلطة المحلية مع الزئير وامتلكت قسطاً من مهارة التمييز بين المؤثر وغير المؤثر منه. وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وانتشار الفساد بنسب غير مسبوقة فإن الحصول على رشوة مشبعة أصبح يفوق عريناً من الأسود الغاضبين، بعدما صارت لحاهم وألبستهم وطريقة كلامهم على قارعة الطريق.

سيُقبض على حسان، على الأرجح، وسيقضي أعواماً في السجن ما لم يدفع، مثله مثل سواه أو ربما أقل بقليل. وفي حال أخذت «العدالة» مجراها سيسوّق أبواق النظام غير الرسميين ذلك على أنه دليل على «دولة القانون» التي تطول الكل بمن فيهم ابن عم الرئيس، الذي لا يعني له شيئاً في الحقيقة أن يقبع بعض حاملي كنيته وراء القضبان نتيجة تقادمهم وعدم اكتراثهم بتغير النموذج.

فهذا زمن أسماء الأخرس وفريقها «الاقتصادي»!