من سيرة آل الأسد: تاجر متعدد المهام

2022.01.31 | 05:17 دمشق

swrt_ryysytmtdd_wsym.jpg
+A
حجم الخط
-A

رغم العاصفة الثلجية التي تمر بها البلاد لم يكف وسيم الأسد عن التنقل بين المدن التي يسيطر عليها ابن عمه بشار؛ طرطوس واللاذقية ودمشق وحلب وحماة. بموبايله الحديث، ومن سيارته ذات الدفع الرباعي، يتسلى وسيم ببث أغان يهديها لزوجته الحبيبة، أو يصوّر جرافة صفراء تفتح الطريق ويتغزل بسوريا بوصفها من أجمل بلاد العالم. وذلك على الرغم من أنه لم يغادرها سوى إلى لبنان، ومرة واحدة إلى إيران، في تشرين الثاني الماضي، لأغراض «تجارية».

ولد وسيم عام 1980 كابن لإحدى زوجات ثلاث اقترن بهن والده بديع الأسد، الرجل الذي كان قليل الأهمية في العائلة، وخلّف أكثر من دزينة من الأولاد الذين تركهم لمصائرهم المتباينة. فعمار، الأخ الأكبر الحيّ لوسيم، رئيس فرع نقابة المهندسين في اللاذقية وعضو «مجلس الشعب». وقد حظي مؤخراً بصورة عائلية نادرة مع بشار الأسد وزوجتيهما في قصر الشعب بدمشق. أما نمير، الأخ الأصغر، فيقبع على بعد كيلومترات في سجن عدرا، منذ أن سطا على شركة «الهرم» للحوالات وسط العاصمة عام 2005. في حين يبدو وسيم اليوم أقرب إلى نمط الأخ البكر، غياث الذي كان دائم التنقل بين المحافظات لرعاية أعمال التهريب، حتى قضى في حادث سير قبل أن يتجاوز السابعة والعشرين.

لا يبدو أن وسيم، الذي نشأ في أسرة مفككة، يهتم بإخوته أو بأقاربه المباشرين. بل لقد اختار البعد عنهم والسكن في دمشق وطرطوس. ما يعنيه هو استثمار الكنية المهيبة بأكثر مما تسمح به درجة القرابة الفعلية، وشق الطريق إلى السلالة الحاكمة الممتدة من حافظ إلى بشار، اللذين جمع بينهما في اسم طفله الوحيد «بشار حافظ». حتى فُتحت له طاقة الرزق الوفير حين دعمه ماهر، راعي الأعمال، منذ سنوات قليلة.

فعل وسيم كل ما في وسعه لإثبات الولاء والفعالية خلال «الأزمة» التي كانت فرصة مواتية. نظّم مسيرات بالسيارات على أوتوستراد المزة؛ نصب خيام تأييد قدّم فيها الطعام في ضاحية قدسيا؛ أسس مجموعة «شمس» للأغنية «الوطنية» ودعم فنانين موالين. وحين آن القتال لبس البدلة وقاد مجموعة تشبيحية صغيرة. ورغم أنها كانت قليلة التأثير إلا أنها التقطت صوراً كثيرة في ريف دمشق والقلمون، حيث يظهر وسيم وهو يطلق النار على أعداء غير مرئيين. قبل أن ينضم إلى الفيلق الخامس اقتحام ويتقرب من مؤسسيه الروس لمدة قصيرة. ثم يترك السلاح أخيراً، بعد أن «حُرّرت» الأرض وشارف «الوطن» على التعافي، ويتفرغ للأعمال.

من جهته يقدّم وسيم نفسه اليوم على أنه صاحب شركة «أسد الساحل» للاستيراد والتصدير والتخليص الجمركي والنقل. في حين يصرّ أعداؤه أن الشركة مجرد غطاء لتجارة المخدرات والكبتاغون، مستدلين بصور جمعته مع نوح زعيتر، المتهم الأشهر بهذا الملف في لبنان، في أثناء زيارة قام بها الأخير إلى سوريا قبل ثلاثة أعوام.

يعي وسيم أن مفاتيح صعوده هي إظهار الولاء ودفع المعلوم وأن يلزم حده، غير أن شهوة الكلام تغلبه أحياناً فتدفعه إلى الضغط على خيار البث المباشر على فيس بوك متحدثاً باسم «الدولة»

لم تظهر معالم الثراء وحده على وسيم مؤخراً، إلى درجة قيادة سيارة همر من الساحل إلى دمشق للاحتفال بفوز بشار في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، بل اتسعت شهرته كذلك. فمن جهةٍ التقطت قنوات معارضة صفحته على فيس بوك، المتاحة للعموم، والتي ينشر فيها بثوثاً لا تخلو من الطرافة والخراقة والاستفزاز، فصار ضيفاً متكرراً على برامجها الخفيفة الصائدة. ومن جهة أخرى عمد هو إلى تظهير صورته فدفع لبعض وسائل الإعلام المحلية مقابل أن تجري معه مقابلات احتل فيها صفحة الغلاف، وكذلك لبعض الدوائر الثقافية الافتراضية كي تمنحه شهادات تقدير ملونة وفارغة، وصلت إلى درجة الدكتوراه الفخرية.

يعي وسيم أن مفاتيح صعوده هي إظهار الولاء ودفع المعلوم وأن يلزم حده، غير أن شهوة الكلام تغلبه أحياناً فتدفعه إلى الضغط على خيار البث المباشر على فيس بوك متحدثاً باسم «الدولة»، أو هكذا يبدو على الأقل. فقد ظهر في بث شهير يشتم، بألفاظ فاحشة، المتذمرين من نقص المحروقات والاحتياجات الأساسية، مؤكداً أن الشعب «العاقل والفهمان» يقدّر مجهودات الدولة لتأمين مستلزماته، أما «الجاهل الأعمى» فيشتم الحكومة كل يوم. قائلاً إن وجود «شوية فساد وشوية أخطاء» يجب ألا يكون دافعاً للتحريض على الدولة. مختتماً حديثه بنبرة توبيخ وهو يوضح أن ذلك «عِيب».

وها هو في بث آخر يدعو المواطنين إلى مساعدة الدولة لتستعيد هيبتها بعد أن «خلصت» الأزمة، بدءاً من شرطي المرور وحتى الوزارات والفروع الأمنية. مبتدئاً بنفسه ليكون «أول ملتزم مع قوانين الدولة وأوامرها ونظامها». مذكراً متابعيه، في بث ثالث، أن الفضل في القضاء على الأزمة يرجع إلى «جيشنا اللي كان عالأرض»، فهو الذي قاتل ودفع دماءه، وكذلك إلى «ضباط الجيش العربي السوري»، وبالتأكيد إلى «القيادة الحكيمة». مبدياً أسفه لوجود بعض الذين تناسوا ابن بلدهم ونسبوا الفضل للجيش الروسي أو الإيراني.

يكاد يكون كل بث لوسيم حدثاً إعلامياً صغيراً لقنوات المعارضة. ورغم أنه يُظهر استياءه من البرامج التي تناولته بعد ذلك إلا أنه يُبطن السرور. فهذه القنوات، التي تتعامل معه وكأنه ناطق باسم القناة الخلفية للنظام، تعطيه حجماً أكبر من الذي يحوزه في أرضه وبين جمهوره.