icon
التغطية الحية

من سوريا وبنغلاديش ومصر.. ماذا يحصل لطالبي اللجوء عندما يصلون إيطاليا؟

2023.11.17 | 18:58 دمشق

مهاجرون أنقذتهم منظمة أطباء بلا حدود في السادس من تشرين الأول 2023
مهاجرون أنقذتهم منظمة أطباء بلا حدود في السادس من تشرين الأول 2023
Associated Press- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور أقل من 24 ساعة على وطء أقدامهم لرصيف أحد الموانئ الواقعة في الجنوب الإيطالي، وُجهت أوامر بالطرد للناجين البالغ عددهم ستين بعد رحلة خطرة بالقارب انطلقت من سواحل ليبيا.

بعض هؤلاء الناجين أتوا من بنغلاديش، وهنالك من أتى من سوريا ومصر، وقد ظلوا في البحر لمدة عشر ساعات وهم على متن قاربين مزدحمين بشكل خطير، إذ حمل كلاهما 258 شخصاً، ثم قامت سفينة إنقاذ تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود الإنسانية بإنقاذهم على مسافة تبعد 50 كيلومتراً عن سواحل ليبيا، في السادس من تشرين الأول الماضي.

وبمجرد وصولهم إلى اليابسة في ميناء ساليرنو الواقع جنوبي نابولي، نُقلوا إلى مركز لمعالجة طلبات المهاجرين، وطلب منهم التوقيع على أوراق، ثم تجمعوا أمام محطة للقطار بعدما بلغ منهم التعب والحيرة كل مبلغ.

سألهم أحد المتطوعين من منظمة كاريتاس: "هل عرفتم على ماذا وقعتم؟" فأجابوه بصوت واحد: "كلا، البتة".

فسألهم مجدداً: "هل سأل أحد منكم عن طريقة التقديم للحصول على الحماية الدولية؟" فردوا مرة أخرى بـ"لا" .

لا معلومات

يعيش المهاجرون الواصلون حديثاً إلى الشواطئ الأوروبية وطالبو اللجوء في أوروبا الوضع نفسه، إذ بناء على نصائح غير سديدة يقدمها الأهل والأصدقاء وعلى المعلومات الرسمية غير الكافية أو بسبب سوء الترجمة وضعفها، يغذّ كثيرون السير وهم يتخذون قراراً لا يستطيعون التراجع عنه في معظم الأحيان، لتنتهي بهم الأمور في غياهب النسيان طوال سنين، فيعيشون محرومين من أي مساعدة تقدمها الحكومة.

قطع أكثر من 236 ألف مهاجر حدود الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني حتى تاريخ اليوم من هذا العام، وذلك بحسب أرقام المنظمة الدولية للهجرة، أي بزيادة وصلت إلى 60% عما كانت عليه الأعداد خلال الفترة نفسها من العام الماضي، ومعظم الواصلين أتوا إلى إيطاليا بوساطة قوارب.

على الرغم من المساعي المبذولة لإصلاح نظام اللجوء في أوروبا طوال عقود خلت، مايزال هذا النظام يتسم بالفوضى وضعف الفاعلية، وهذا ما أدى لظهور موقف متشدد إزاء المهاجرين واللاجئين في عموم أنحاء القارة الأوروبية، إلى جانب صعوبة الموازنة بين حماية الحدود واحترام حقوق الإنسان.

" لم يتقدم بطلب لجوء" هذا ما كُتب بالإيطالية والإنكليزية والعربية على ورقة الطرد التي يحملها محمد، وهو شاب سوري في الثالثة والعشرين من عمره، طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل، ثم أمسك بورقته وجلس على مقعد في مركز استقبال يديره متطوعون في مدينة ساليرنو، وقد احمرت عيناه لأن النوم جافاه طويلاً.

الوجهة النهائية: شمالي أوروبا

يمنح القادمون من سوريا حق اللجوء دائماً، إلا أن محمداً قرر ألا يتقدم بطلب لجوء، كما أن إيطاليا لا تريده، وهو لا يريد أن يبقى في إيطاليا، وذلك لأن أشقاءه يعيشون في ألمانيا ولهذا يخطط للسفر إلى هناك، ويعلق على ذلك بقوله: "أريد أن أعيش في ألمانيا، فلو تقدمت بطلب لجوء في إيطاليا، فسيعيدونني إلى هنا في حال وجدوني في ألمانيا".

أعطت السلطات الإيطالية للسفينة التي كانت تقل محمداً الإذن بالرسو في ساليرنو، بعد ثلاثة أيام على إبحارها من المياه الدولية في المتوسط. وبما أن إيطاليا لم تتمكن من منع سفن الإنقاذ من إنقاذ المهاجرين، لذا صارت تجبرها على صرف وقودها ووقتها حتى تصل إلى موانئ بعيدة.

 

Refugees from Syria wait in front of Salerno's railway station, southern Italy, Monday, Oct. 23, 2023, where they were brought after being rescued from the sea on Oct. 6 by the humanitarian ship Geo Barents in the Mediterranean Sea some 30 miles off Libya. Badly advised by relatives and friends, misled by insufficient official information or poor translation services, many can end up in legal limbo for years, cut off from any government aid.

سوريان في محطة القطارات بساليرنو الإيطالية

 

كان من بين من وصلوا إلى ساليرنو في التاسع من تشرين الأول مهاجرون من سوريا ومصر وبنغلاديش وجنوب السودان وغانا وساحل العاج، ثم نقل هؤلاء إلى مركز لمعالجة الطلبات حيث جرى تصويرهم وأخذ بصمات أصابعهم.

لا وجود لمترجمين في المراكز الحدودية

لم يكن هنالك أي مترجم عن العربية أو البنغالية عندما أخذ المسؤولون عن الحدود يوجهون أسئلتهم لتلك المجموعة، وهذا ما تحققت منه وكالة أسوشيتد برس من خلال وثائق رسمية وسلطات محلية.

غالباً ما يفتقر المهاجرون لمعلومات حول حقوقهم، ويعود أحد أسباب ذلك لعدم وجود مترجمين فوريين في أثناء عملية التحقق من الهوية، فبحسب دراسة أجرتها منظمة الإنقاذ الدولية، فإن 17% فقط من المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا يحصلون على ما يكفي من المعلومات لتعريفهم بحقوقهم.

عندما سمع الواصلون حديثاً من المهاجرين بأنهم سيطردون، هرع محامون ومتطوعون يعملون لدى كاريتاس إلى محطة القطارات في ساليرنو خلال الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم حتى يزودوهم بالأغذية والماء والاستشارة القانونية الأساسية.

ويخبرنا أنطونيو بونيفاسيو، أحد المتطوعين لدى كاريتاس، بما حدث، فيقول: "أبلغناهم بحقهم في الطعن بقرار الطرد، إلا أنهم لم يستجيبوا باستثناء المهاجرين البنغاليين وبعض المصريين الذين تقدموا بطعن بمساعدة محامينا، في الوقت الذي سافر فيه السوريون بالقطار في أسرع وقت ممكن في محاولة منهم للوصول إلى وجهات أخرى في شمالي أوروبا، بما أنهم يخشون أن يتعقبهم أحد أو أن يبقوا حبيسي إيطاليا".

من بين السوريين الذين خططوا للتوجه شمالاً هنالك شابة في الثالثة والثلاثين من عمرها أتت من دمشق، وكانت تلك محاولتها الثالثة للوصول إلى أوروبا عبر ركوب البحر بعد أن قتل شقيقها في السجن بسبب معارضته لنظام بشار الأسد.

لم تتمكن أسوشيتد برس من التحقق من صدق روايتها التي تحدثت فيها عن محاولتها الثانية لركوب البحر بمركب خشبي برفقة 350 شخصاً آخرين، ثم ما لبث المركب أن شرع في الغرق بعد مغادرتهم لطبرق في شمال شرقي ليبيا.

 

A 33-year-old Syrian woman from Damascus, who declined to reveal her name stands with her children on board the Geo Barents after being rescued by the sea, Sunday, Oct. 8, 2023. Badly advised by relatives and friends, misled by insufficient official information or poor translation services, many can end up in legal limbo for years, cut off from any government aid.

دمشقية رفضت الكشف عن اسمها وهي تقف عند حافة السفينة التي أنقذتها برفقة ولديها 

 

أخبرتنا تلك الشابة بأنها سبحت إلى أن بلغت الشاطئ، وبعد أن حظيت بالأمان لبرهة، ذكرت بأنها احتجزت في مركز احتجاز ليبي لمدة أسبوع وبقيت بلا حمام، فجفت عليها الثياب الممتلئة بالملح والقيء وهي هكذا، ولهذا تريد الآن أن تصل إلى شقيقها في ألمانيا.

فشل نظام اللجوء والهجرة في أوروبا

بموجب القوانين الأوروبية التي تعرف بلائحة دبلن، يفترض أن يتقدم المهاجر بطلب لجوء في أول دولة يصل إليها ضمن الاتحاد الأوروبي، فإذا سافر إلى دولة أخرى ضمن الاتحاد، وأمسكت به السلطات، يجب إعادته إلى البلد الذي وصل إليه أو أول دولة سجل فيها.

وهذا ما يلقي على الدول التي تستقبل معظم الواصلين بالبحر عبئاً كبيراً وعلى رأسها اليونان وإيطاليا ومالطا وإسبانيا.

ولكن في كانون الأول من عام 2022، علقت إيطاليا من جانبها عمليات إعادة المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أراضيها وهذا يعني أنه في حال وصول محمد إلى ألمانيا وإلقاء القبض عليه هناك، فلن يعود بوسعه العودة إلى إيطاليا، بل يجب أن يبدأ بعملية تقديم طلب لجوء من جديد في ألمانيا.

الحكومة الإيطالية تشدد قوانينها

أقرت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، وهي أول زعيمة من اليمين المتشدد منذ أيام الحرب العالمية الثانية، بأن الهجرة كانت أكبر تحد لها خلال سنتها الأولى في رئاسة الحكومة، وفي نيسان، أقرت حكومتها بتسريع إجراءات الهجرة عبر سن قوانين جديدة، ويعني ذلك صدور قرار بحق غالبية الطلبات خلال 28 يوماً.

يحتجز كل من تقدم بطلب لجوء في مقار احتجاز إلى أن تجري معالجة طلبات لجوئهم، أما من لم يتقدم بطلب لجوء، أو من رُفض طلب حصوله على تأشيرة خلال المرحلة الأولى، فيصلهم قرار بالطرد ويعطى كل منهم سبعة أيام لمغادرة البلد، ويبلغ عدد طلبات اللجوء المتراكمة التي تأخرت معالجتها نحو 82 ألفاً.

نظرياً، كل من يُقبض عليه موجوداً على الأراضي الإيطالية بعد انقضاء مدة أمر الطرد يمضي قرابة سنة ونصف في مركز احتجاز المهاجرين قبل أن يطرد، أما عملياً، فقد امتلأت مراكز الاحتجاز، ولم توقع إيطاليا أي اتفاقية لإعادة المهاجرين مع معظم الدول التي يصل المهاجرون منها، وهذا ما يجعل المطرودين يعيشون في دوامة بسبب عدم وجود وثائق لديهم مع تكرار فترات احتجازهم.

كان غابندو، وهو بنغالي في الخامسة والثلاثين من عمره، على متن القارب نفسه الذي كان عليه محمد، وكانت تلك المرة الثانية التي تعتقله فيها السلطات الإيطالية بسبب عدم امتلاكه لتأشيرة، ولهذا كُتب على الصفحة الأولى من قرار ترحيله: "مراكز الاحتجاز المخصصة لحالات الإعادة والترحيل قد امتلأت عن آخرها".

سُمح لغابيندو الذي طلب عدم ذكر اسمه بالكامل حتى لا يعقد ذلك وضعه القانوني في إيطاليا، بأن يخلى سبيله، أي إن النظام على ما يبدو يعتمد على حسن نية المرء ورغبته بالعودة الطوعية.

تثير القوانين الإيطالية الجديدة الساعية لتسريع عملية معالجة طلبات اللجوء كثيرا من المخاوف بشأن المتقدمين الذين يجري تصنيفهم وفقاً لجنسياتهم، وذلك بحسب قائمة الدول التي تعتبرها السلطات الإيطالية آمنة مثل المغرب وساحل العاج ونيجيريا، والتي يُرفض طلب لجوء مواطنيها في معظم الأحيان.

في الوقت الذي أقرت فيه مفوضية اللاجئين بأن تشديد وتسريع الإجراءات على الحدود بات أمراً ضرورياً، أكدت بأنه يجب منح المهاجرين الفرصة للإبلاغ عن أي حالة فردية يشعر معها الإنسان بانعدام الأمان بصرف النظر عن الدولة التي أتى منها.

يصف موريزيو فيغليو وهو محام لدى رابطة الدراسات القانونية عن الهجرة هذه الإجراءات الجديدة السريعة بالتهجم على حق الحصول على لجوء، وذلك لأن ضغط الوقت خلال مرحلة التقييم لا بد أن يضر بجودة عمليات الفحص.

شهادات طالبي اللجوء

على الرغم من الرسائل المحبطة الصادرة عن الحكومة الإيطالية، يقرر بعض المهاجرين البقاء في إيطاليا، ومنهم عليي ووتش عليي، 21 عاماً، من جنوب السودان، والذي أمضى خمس سنوات متنقلاً بعد أن غادر مدينته الأم، ثم وصل إلى ساليرنو على متن قارب إنقاذ تابع لمنظمة أطباء بلا حدود، وتقدم هناك بطلب لجوء، وعن تجربته يقول: "عبرت الصحراء من السودان إلى ليبيا، ثم حاولت ثلاث مرات أن أقطع البحر، وفي إحدى المرات أمضيت ثلاثة أيام وأنا تائه وسط البحر، وتعرضت للضرب مرات عديدة في أحد مراكز الاحتجاز بليبيا، والآن أحلم بمتابعة دراستي حتى أصبح طبيباً".

سيظل الاعتماد على مصادر خارجية ركيزة أساسية بالنسبة لسياسة الهجرة في أوروبا، وذلك في الوقت الذي أقام فيه الاتحاد الأوروبي شراكات مع دول أفريقية وشرق أوسطية لمساعدته في منع الناس من الرحيل، بيد أن الحصول على تأشيرة لدخول دول الاتحاد الأوروبي باتت أمراً صعباً أمام شعوب هذه الدول التي تعتبر آمنة والتي لا تقبل بإعادة مواطنيها .

وافقت ألبانيا مؤخراً على إيواء آلاف المهاجرين بشكل مؤقت في الوقت الذي تجري فيه إيطاليا مراجعة لطلبات لجوئهم في إيطاليا، ليصل عدد الطلبات المعالجة سنوياً إلى 36 ألفاً، وقد أثارت هذه الاتفاقية بعض المخاوف لدى مفوضية اللاجئين وذلك بشأن ضمان حقوق الإنسان ومعايير حماية اللاجئين.

ولكن وسط كل هذا اللغط والفوضى، ستصبح النهاية سعيدة بالنسبة لبعض من يصلون إلى أوروبا، إذ كانت جهدة العلي، وهي لاجئة سورية من درعا عمرها 58 عاماً على متن سفينة الإنقاذ التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، فتقدمت بطلب لجوء في إيطاليا، ولكن الوجهة التي تريدها هي فرنسا، وعن ذلك حدثنا من ساليرنو فقالت: "أريد أن أسافر لأعيش مع ابنتي، فهي مقيمة في فرنسا، ولديها طفل رضيع، لذا أتمنى أن أتمكن من الإقامة هناك إلى جوار ابنتي وأن أقدم شيئاً للشعب الفرنسي".

 

Jahdh Al-Ali, a 58-year-old Syrian refugee from Daraa, Sirya, poses for the camera on board of the humanitarian ship Geo Barents after being rescued from the sea some 30 miles off Libya with a group of migrants Sunday, Oct. 8, 2023. Badly advised by relatives and friends, misled by insufficient official information or poor translation services, many can end up in legal limbo for years, cut off from any government aid.

اللاجئة السورية جهدة العلي

ولكن عندما تواصلت معها أسوشيتد برس للمرة الثانية بعد أسابيع قليلة، كانت قد التحقت بابنتها، إذ تمّ لمّ شملهما بعد سنوات من الفراق.

 

المصدر: Associated Press