"من السويداء- هنا سوريا"

2022.02.14 | 05:30 دمشق

1-1500412.jpg
+A
حجم الخط
-A

سويداء الثورة تستميحكم عذراً في بيتها!

ها هو جبل العرب يعطي صدقيَّة خاصة لثورة السوريين على الطغيان والاستبداد والفساد؛ وها هم آل معروف يعززون صرخة الحرية السورية وصدقها، وها هم يثبتون أن ثورة السوريين فكرة وطلقة حرية وكرامة خرجت لتنتصر، وتنهي عقوداً من الظلم والجور والإذلال للإنسان السوري، الذي سلّف البشرية مساهمات كبيرة، تستحق وقوفها إلى جانبه لابتلائه بطغمة لا تحلل ولا تحرم، ولا علاقة لها بالإنسانية إلا بالاسم..

لن أكتب عن مناقبيات الجبل في صدق اللسان، وإغاثة الملهوف، والأمانة، والشجاعة، وحب الوطن؛ فالفعل دليلها. ولا عن مقارعة أي معتدٍ أو باغٍ؛ فالثورة العربية الكبرى والثورة السورية الكبرى خير برهان. ولا عن التمترس في الأرض، أكان في فلسطين، أو في الجولان؛ وتحويله شوكة في عين كل مشكك أو صغير(ة). ولا عن استهداف منظومة الاستبداد الأسدية لهذه البقعة من الأرض والإنسان لعقود بحرمانها من أي منفذ أو مورد إنتاجي، تسبب باغتراب شبابها الدائم من أجل السترة والكرامة. ولن أغوص أبعد في التاريخ، لأذكّر بأن مَن ينتفض في هذا الجبل هو سليل أولئك الفرسان الذين رفضوا وأسقطوا بدمائهم دعوات استعمارية لخلق دويلات، وفصل هذا المجتمع عن محيطه وتاريخه، من "أمين ناصر الدين" الذي واجه نابليون منتصراً لعكا السورية، إلى "سعيد جنبلاط" مواجهاً حملة الفرنسيين في القرن التاسع عشر. هؤلاء هم أنفسهم الآن الذين يقولون "سوريا لنا"؛ "سوريا أمنا"؛ وهذه السورية التي يقصدون تمتد من درعا إلى حلب، ومن أرواد إلى البوكمال.

سأكتفي بشعلة ثورتها التي لم تنطفىء، رغم المشككين الصغار ضيّقي الأفق. فكما لم يخيّب سلطان الأطرش أمل عيون وأعيان الثورة السورية الكبرى كالشهبندر، وكما حمى أدهم خنجر في بيته الذي قصفه الاحتلال الفرنسي، وكما كان تنسيقه وتعاضده مع هنانو وثوار كل المناطق السورية، ليختاروه قائداً لثورة السوريين في وجه الاحتلال الفرنسي؛ بقي أحفاده على العهد في مقارعة الظلم، وإغاثة الملهوف، والتضحيات، والتمترس عند كرامة الوطن وأهله.

لم يكن غريباً أن أول مَن هتف للثورة السورية منتهى ابنة سلطان الأطرش، قائد ثورة الخمسة وعشرين ضد الاحتلال الفرنسي

فعندما يستقيل حمود الشوفي، ويرمي منصب سفير سوريا في الأمم المتحدة في وجه حافظ الأسد، احتجاجاً ورفضاً لما حدث لحماة السورية؛ وعندما يفعل بعض أصحاب المواقع في نظام الأسد الشيء ذاته، احتجاجاً على إجرام المنظومة الأسدية الحالية؛ وعندما يصدح صوت سميح شقير: "إللي بيقتل شعبه خائن"؛ وعندما يكون الشهيد خلدون زين الدين من أوائل الضباط المنشقين على منظومة الاستبداد؛ وعندما يصل صوت فيصل القاسم إلى عشرات الملايين؛ فهم لا يبتدعون ذلك، بل يبنونه على إرث من الكرامة والقيم والحب الحقيقي للوطن وأهله.

من هنا لم يكن غريباً أن أول مَن هتف للثورة السورية منتهى ابنة سلطان الأطرش، قائد ثورة الخمسة وعشرين ضد الاحتلال الفرنسي. يكفي جبل العرب أنه تمنّع عن إرسال أبنائه إلى جندية منظومة الأسد لقتل أبناء بلدهم السوريين؛ والحديث هنا عن خمسين ألف مقاتل لا عشرات، ليدفع الجبل بسبب ذلك أبشع الأثمان. لقد كان أول اعتصام نقابي في سوريا، بعد أحداث درعا بأسبوع، في السويداء. وبين 2011 و2013، شهدت المحافظة أكثر من أربعين مظاهرة ضخمة ومئات المظاهرات التي سُميّت "طيارة". هذه المظاهرات والوقفات الاحتجاجية لم تتوقف حتى اليوم.

عندما يتشرد السوريون في خيام لا تقي من البرد أو الحر داخل سوريا في أوضاع يرثى لها، يستقبل جبل العرب عدداً بقدر سكانه من أهله السوريين من جيرانهم وأهلهم في سهل حوران ومن إدلب وحلب وحمص وريف دمشق في بيوتهم معززين مكرمين. كثر من أبناء هذا الجبل ما زالوا في معتقلات منظومة الاستبداد، وبعضهم قضى تحت التعذيب كإخوة سوريين لهم؛ وما من بيت في السويداء إلا وجرحته قصة الاعتقال أو الاختطاف؛ ولا أريد التحدث عمّا هو شخصي.

هذه المنظومة الاستبدادية التي أذلت وجوّعت وقتلت وشردت السوريين تحت يافطة "المؤامرة الكونية" و"الإرهاب"، هي ذاتها التي أرسلت داعش إلى محافظة السويداء كعقوبة على موقفها؛ وهي التي صدمها دحر الجبل لداعش، وهذا ما يربك المنظومة أكثر؛ فهي لا تستطيع استخدام براميلها وصواريخها حرصاً على كذبتها فيما تسميه "حماية الأقليات"، ولا تحتمل وصول صرخة السويداء إلى مناطق سورية أخرى لا تزال تخدعها. يكفي جبل العرب شرفاً، ورداً موجعاً على فساد منظومة الاستبداد ودناءتها ذلك القرار الذي اتخذه أهل السويداء بمنع وتحريم شراء أو بيع ما /عفّشه/ أعضاء ميليشيات النظام وعصاباته من بيوت إخوتهم السوريين في المناطق المنكوبة.

صوت الحرية والكرامة القادم من جبل العرب، مهما خَفت أو تقطّع، هو صوت حُماة الأرض والعرض، المتشبثين بالوطن

لا تحتاج السويداء أن تقدم أوراق اعتمادها لأحد، وخاصةً مَن يرى في الثورة السورية ملكية خاصة لصاحبها فلان وأولاده وإخوانه. تثور بطريقتها الأصيلة على فساد منظومة الاستبداد وسقاطتها، وإجرامها، وبعثرتها لسوريا وشعبها، وارتهانها للمحتل؛ ولا تعير اهتماماً لِمَن في رأسه تشكيل كنتونات؛ ولا تلتفت لمشكك أو صغير، ولا لمَن يتجاهلها أو يتعامل معها بفوقية وإقصائية وكأنه وكيل ثورة السوريين وممثلها.

صوت الحرية والكرامة القادم من جبل العرب، مهما خَفت أو تقطّع، هو صوت حُماة الأرض والعرض، المتشبثين بالوطن: فمن فلسطين ما خرجوا، وفي قرى جولان سوريا تمترسوا، وفي جبلهم ثابتون باقون. إنه الوطن الذي ليس لهم غيره؛ لأن كل حفنة تراب فيه تختلط بدم أجدادهم، الذين قارعوا كل الاحتلالات. هم وأهلهم السوريون الأحرار سيبقون ضمير الوطن، وعنوان وحدته، وحمَلَة شعلته. "ويا حملة الله"؛ كما قال الشهيد وحيد البلعوس يوماً.