icon
التغطية الحية

من الجيوش إلى الألوية.. صراع التيارات في هيئة تحرير الشام (2018 - 2023)

2024.01.09 | 06:55 دمشق

من الجيوش إلى الألوية.. صراع التيارات في هيئة تحرير الشام (2018 - 2023)
من الجيوش إلى الألوية.. صراع التيارات في هيئة تحرير الشام (2018 - 2023)
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

منذ تشكيلها اعتمدت جبهة النصرة ومن بعدها هيئة تحرير الشام أنماطاً عدة من التشكيلات العسكرية لقواتها، أقدمها القواطع ومن بعدها الجيوش المناطقية التي ظهرت بعد موجات التهجير إلى الشمال السوري، وحملت أسماء المناطق السورية، كجيش الشام، وجيش حماة، وجيش حلب وغيرها، ثم تغيرت فيما بعد تسمية هذه الجيوش، وحملت أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة "أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي"، حتى تم تشكيل المجلس العسكري في إدلب وريفها بالشراكة مع الجبهة الوطنية التحرير وفصائل صغيرة أخرى، حيث اعتمد المجلس على أعداد محددة لكل لواء مدرج فيه، فقسمت الهيئة جيوشها الأربعة إلى قرابة 12 لواء، أضيف إلى أسماء الجيوش الراشدية الأربعة التي تحولت إلى ألوية كل من ألوية خالد بن الوليد، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن الزبير، الزبير بن العوام، عبدالرحمن بن عوف، معاوية بن أبي سفيان، العصائب الحمراء، وغيرها.

مرحلة الجيوش المناطقية كانت المرحلة الأهم في تلك التقسيمات، فقد عاودت جمع مقاتلي الهيئة من أبناء المنطقة الواحدة بعد التهجير في جيش واحد، مما عزز المناطقية والتكتلات داخل الهيئة، وعزز نفوذ بعض الشخصيات القيادية، والتي شكلت ما يشبه الفصيل داخل الفصيل، حتى كادت تطيح بسلطة الجولاني، وزعامته للهيئة، كما كان يحاول القحطاني أن يفعل.

لم تجزم المصادر مَن هو صاحب فكرة الجيوش المناطقية، ولماذا اعتمدت في النصرة آنذاك، فبعض المصادر تقول إن الفكرة طرحها أبو مالك التلي وقبلها الجولاني الذي استدرك فيما بعد خطرها الكامن في تكوين ولاءات ونفوذ لشخصيات داخل الهيئة.

في حين تقول مصادر أخرى إن الجولاني نفسه طرح الفكرة من أجل التنافس بين مكونات الهيئة، ومن أجل استقطاب عناصر الفصائل الأخرى التي اندثرت بعد التهجير من مناطقها، عبر عرض نموذج الجيش المناطقي المتماسك في النصرة.

أياً يكن السبب في تشكيل تلك الجيوش المناطقية، لكن الثابت الوحيد أن الجولاني عمل بجد على تفكيكها، ومحاربة نفوذ القادة فيها، وذلك باستخدام سبل ووسائل مختلفة.

ءئؤر

ومن أبرز الجيوش المناطقية أو الكتل المناطقية نستعرض ما يلي:

دمشق وريفها

كتلة الغوطة الشرقية

تتمتع هذه الكتلة بخصوصية كبيرة، فهي تقسم إلى قسمين يجمعهما عامل مشترك واحد، وهو العداء لجيش الإسلام، وذلك لأن خلفيات مقاتليها تعود لفصائل قضى عليها جيش الإسلام بالقوة كألوية الحبيب المصطفى وجيش الأمة وأجناد الشام فضلاً عن مقاتلي جبهة النصرة في الغوطة.

من أبرز قادة كتلة الغوطة أبو عاصم أمير جبهة النصرة في الغوطة سابقاً، الذي حُجّم وأصبح قائداً عسكرياً ميدانياً، وكذلك أبو خالد الشامي المتحدث الرسمي السابق باسم الهيئة والذي قتل بقصف روسي على جبل الزاوية في حزيران 2021.

ينقسم معظم أفراد هذه الكتلة في العصائب الحمراء، وفي القوات التي تقاتل الفصائل الأخرى، بسبب الخبرة الكبيرة والعقيدة التي يحملها أفرادها في قتال الفصائل، منذ أيام الاقتتال في الغوطة الشرقية.

لا تشكل هذه الكتلة خطراً على الجولاني، فهي منقسمة فيما بينها، ولا يتمتع أي من قادتها بصفات قيادية.

جيش الشام

بقيادة أبو مالك التلّي كان أكبر وأبرز جيوش الهيئة، ضم بعد التهجير مقاتلي مناطق القلمون مع مقاتلي ريف حمص المتصل بريف دمشق، ومقاتلي منطقة القصير.

كان جيش الشام أغنى جيوش الهيئة وكتلها من الناحية المادية، وذلك بفضل الأموال الكثيرة التي نقلها أبو مالك التلي معه إلى الشمال، حيث يتهم التلي بتهريب وبيع الآثار، وتجارة الأسلحة عبر الحدود السورية اللبنانية، إلى جانب صفقة الجنود اللبنانيين الأسرى وصفقة الراهبات الشهيرة التي حصل من خلالهما التلّي كممثل عن جبهة النصرة على مبالغ مالية طائلة.

كان التلي قيادياً بارزاً، ويجمع العديد من ممكنات القيادة، كالمال والقوة العسكرية، مما استدعى تدخل الجولاني لتحجيم نفوذه، حيث تقول المصادر بأن إنهاء جيش الشام متعاظم النفوذ، مر بمرحلتين:

المرحلة الأولى: زج الجولاني بجيش الشام بكامل قوامه كرأس حربة في معركة شرق السكة (يقصد بها المعارك التي دارت عام 2018 في ريفي حماة الشرقي الشرقي وإدلب الجنوبي الشرقي)، وكان الجيش يمول نفسه بنفسه، وذلك بسبب الغنى الكبير الذي يتمتع به الجيش، وحديث قيادة الهيئة عن شح الموارد وقلة الإمكانيات.

وبحسب المصادر فإن جيش الشام تكبد في معركة شرق السكة فقط قرابة الـ 400 قتيل، وهو ما يعادل أكثر من ثلث قتلى الهيئة كلها في تلك المعركة، فضلاً عن إنفاق الجيش مبلغ مليوني ومئتي ألف دولار خلال تلك المعركة.

شرق السكة
منطقة عمليات شرق السكة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي - 2018

بعد الانتهاء من معركة شرق السكة والضعف الكبير الذي حل بجيش الشام، دُمج جيش الشام إلى جانب كتلة صغيرة من منطقة أخرى ليشكلا جيش عثمان بن عفان.

المرحلة الثانية: وزع الجولاني كوادر الجيش على مختلف المفاصل الأخرى، وعلل خطواته تلك لأبو مالك التلّي بأنها تأتي تقديراً منه لتضحياتهم الكبيرة، ولثقته الكبيرة بهم، وذلك بعد احتجاج التلّي ورفضه التهميش، فاستطاع عزل "التلّي" عن كثير من أتباعه، وعزل القادة من أتباعه عن عناصرهم، ليكونوا بلا شوكة مناطقية، كتعيين أبو بكر مهين التابع للتلي كقائد للواء معاوية الذي يضم مقاتلين من مناطق أخرى بعيدة عن لواء معاوية.

تحولات الهيئة دفعت التلي إلى الاستقالة في نيسان 2020 وهو ما نفته الهيئة وقالت بأن التلّي عدل عن قراره، قبل أن يظهر اسمه في 12 حزيران من ذات العام في قائمة الجماعات المشكلة لغرفة عمليات "واثبتوا" التي ضمت جماعة التلّي "لواء المقاتلين الأنصار"، إلى جانب مجموعات أخرى  كـ "تنسيقية الجهاد" المنشقة عن تحرير الشام بقيادة أبو العبد أشداء، وجماعات جهادية أخرى.

بعد عشرة أيام من تشكيل غرفة عمليات "فاثبتوا" حاصرت قوة أمنية لتحرير الشام منزل التلّي في سرمدا، واعتقلته، وبحسب المصادر فإن القوة كانت بقيادة القحطاني -الذي ادعى آنذاك بأنه تدخل كوسيط لحماية التلي- ، إلى جانب الأمني رواد القلموني، وهو أحد أبرز أتباع التلّي، وهو ما شكل صفعة كبيرة للتلّي بأن يعتقله أحد أبرز أتباعه السابقين.

كانت مهمة القضاء على نفوذ التلي واحدة من أبرز المهام وأصعبها على الجولاني، لكن استقالة التلّي، ومن ثم تشكيلها مجموعة صغيرة خارج الهيئة، واشتراكه في غرفة عمليات تضم منشقين عن الهيئة ومناهضين لها، سهلت المهمة على الجولاني الذي كان يخشى أن يتحرك كثير من أتباع التلّي فيما لو كان داخل الهيئة.

بعد القضاء على أبو مالك التلي واندثار كتلته، ظهر نفوذ جديد، لكنه صغير نسبياً، لأبي أحمد حدود، أقرب الأشخاص للجولاني، وذلك بعد بروز "حدود" كشخصية قيادية، ومنقذة لأبناء دمشق وريفها في بعض المشكلات، ولم يكن لحدود -الذي تقول المصادر بأنه ينحدر من القلمون- أي نفوذ أو ظهور سابق، لأنه يكن موجوداً في المنطقة سابقاً قبل التهجير، لذلك اقتصر ظهوره على الفترة الأخيرة.

جبل الزاوية

منذ تشكيل قواطع النصرة الأولى أُتبعت منطقة جبل الزاوية لقاطع حماة وليس لإدلب، وبقيت في جيش حماة مدة طويلة، ثم أصبحت كتلة منفصلة قبل مقتل زعيمها ابراهيم حلاق (أبو عبيدة كنصفرة) بعامين تقريباً، وذلك كترضية له، خوفاً من انشقاقه باتجاه تنظيم حراس الدين، بسبب سوء العلاقة بينه وبين كتلة حلفايا التي كانت تتبع لها مجموعات جبل الزاوية.

مقتل أبو عبيدة مطلع عام 2020 وتشكيل المجلس العسكري واعتماد نظام الألوية، أدى لاندثار الكتلة، التي لم يكن لها وزن.

ءؤر
ابراهيم حلاق (أبو عبيدة كنصفرة)

من قادتها البارزين أبو حفص مرعيان، والذي يشغل الآن منصب مدير منطقة أريحا.

درعا

لم تكن كتلة درعا كبيرة أساساً، لكن ما ميزها هو سيطرة التيار الأردني على قرارها.

جميع قادة التيار الأردني واجهوا مشكلات مع هيئة تحرير الشام بسبب تشددهم، الذي تعارض مع تحولات الهيئة.

من أبرز الشخصيات الأردنية فيها:

سامي العريدي: الشرعي العام السابق لجبهة النصرة والقيادي الحالي في تنظيم حراس الدين. أدرجت الولايات المتحدة الأميركية اسمه على قوائم الإرهاب الدولي، ورصدت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار، مقابل الحصول على معلومات عنه.

ءئؤر

أبو جليبيب الأردني (إياد الطوباسي): والي درعا السابق لدى جبهة النصرة، انشق عن النصرة عام 2016، وساهم فيما بعد بتشكيل تنظيم حراس الدين. اعتقلته تحرير الشام مع آخرين وأفرجت عنهم بمناشدة شخصيات جهادية معروفة. قتل الأردني على يد قوات النظام السوري في منطقة اللجاة في درعا، بعد تسلله من إدلب إلى درعا أواخر 2018.

خالد العاروري (أبو قسام الأردني): جهادي سابق من أصول فلسطينية، انشق عن الهيئة إلى حراس الدين، وقتل بعد أيام من مقتل بلال الصنعاني متأثراً بالجراح التي أصيب بها نتيجة استهداف طائرة أميركية بلا طيار لسيارتهما داخل مدينة إدلب.

أما أبرز قادة كتلة درعا السوريين فهو أبو صهيب الزعبي، والذي كلفه الجولاني بإدارة "مجلس الصلح العام" منذ عدة أعوام حتى وقتنا الحالي.

حلب وريفها

هي المكون الأكثر تشظياً وخلافاً في الهيئة، وتتكون من ثلاث كتل:

كتلة مدينة حلب: من أبرز قادتها: عبد الله سندة، جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور)، أبو طلحة الحديدي، وحمود سحارة.

كتلة الريف الشمالي والغربي: بقيادة عبدالرحمن سلامة (أبو ابراهيم سلامة)، أمير جبهة النصرة في حلب سابقاً، ومدير شركة الراقي للإنشاءات التابعة للهيئة حالياً.

ؤرءلا

كتلة الأحرار: وهي تيار كان في أحرار الشام وانتقل إلى جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام تباعاً، ومن أبرز قادتها أبو العبد أشداء، أبو شعيب المصري وأبو جابر الشيخ الزعيم السابق لأحرار الشام.

جيش حلب: كان بإدارة كتلة حلب المدينة، وبعد التهجير رفضته كتلة الريف بسبب خلافات مناطقية بين ريف ومدينة، واعتبار كتلة الريف أنها الأحق في القيادة باعتبارها صاحبة الأرض بعد خسارة حلب. تحول جيش حلب إلى جيش عمر بن الخطاب واستمرت الخلافات حتى توزع أفراده على ألوية مختلفة.

تحول أبو إبراهيم سلامة إلى العمل الاقتصادي، بينما تفككت كتلة الأحرار عندما فرط عقد قادة مجموعة أشداء في عام واحد، وذلك عندما فصلت الهيئة رفيق درب أبو العبد أشداء المصري أبو اليقظان في شباط 2019 على خلفية تصريحات مغالية اعتبرتها الهيئة مخالفة لسياساتها، ليتبع ذلك بعد أشهر قليلة انشقاق رفيق دربه الآخر أبو شعيب المصري، حيث شهد مطلع أيلول من العام نفسه إصدار أبو العبد أشداء سلسلة مرئية بعنوان "كي لا تغرق السفينة" وجه فيها انتقادات قاسية جداً واتهامات غير مسبوقة لقيادة الهيئة، تحدث فيها عن فساد إداري ومشكلات تنظيمية، ناهيك عن التجاوزات المالية والتهاون في الدفاع عن المناطق والانصياع للسياسات الإقليمية وغيرها.

اعتقلت تحرير الشام أشداء على خلفية كلامه، وبقي في سجونها أربعة أشهر، ثم شكل بعد خروجه من السجن بفترة قصيرة مجموعة عسكرية حملت اسم "تنسيقية الجهاد" وشكلت مع مجموعات أخرى كمجموعة أبو مالك التلي غرفة عمليات "واثبتوا".

لم يستمر العمل في الغرفة ولا التنسيقية سوى بضعة أشهر، بسبب محاصرة تحرير الشام لنقاط رباط الغرفة وإجبار فصائلها على فض الغرفة والعمل مع الهيئة في غرفة عمليات الفتح المبين.

بعد ذلك انتقل أشداء إلى العمل الدعوي، وانتقل إلى شمال حلب، وبقي حتى حزيران العام الحالي، حيث اعتقلته السلطات التركية بعد دخوله أراضيها بغرض السفر لأداء فريضة الحج، وما يزال معتقلاً حتى يومنا هذا.

أما أبو شعيب المصري فاختطفته مجموعة مجهولة تتبع لهيئة تحرير الشام بعد خروجه من أحد مساجد مدينة اعزاز شمال حلب في تموز 2023.

أما هاشم الشيخ (أبو جابر الشيخ) والذي عين زعيماً لهيئة تحرير الشام لنصف عام في 2017 فقد انتقل بعد استقالته للعمل الدعوي ومن ثم إلى مدارس الوحي الشريف التابعة للهيئة إلى يومنا هذا.

أيضاً قتل كل من أبي طلحة الحديدي وحمود سحارة في قصف جوي أميركي بغارتين على مزرعة في قرية جكارة بريف سلقين استهدف اجتماعاً لجهاديين من كتائب الفتح وحراس الدين قتل فيه قرابة 15قيادياً.

أما أبو أحمد زكور فبعد انفراط عقد وقوة كتل حلب  بنى علاقة قوية مع أبو ماريا القحطاني بحكم طبيعة كلاهما العشائرية، وأصبح يتكئ على القحطاني لكونه بلا ظهر عسكري أو أمني.

حماة وريفها

تشكل جيش حماة من قاطع حماة الذي يضم مقاتلي الهيئة من حماة وريفها إضافة إلى ريف إدلب الجنوبي (منطقة كفرنبل وجبل شحشبو).

كان جيش حماة بقيادة أبو يوسف حلفايا (مسؤول سجن العقاب سيئ السيط) وأمير جبهة النصرة ومن بعدها جبهة فتح الشام وهيئة تحرير الشام في منطقته، كان يعتبر قيادياً بارزاً يوازي أبو مالك التلي في القلمون، لكن انتهى به المطاف جالساً في منزله بسبب قضايا فساد لم تفتح في المحاكم لمكانته السابقة، لكنه عزل من منصبه وجرد من صلاحياته.

شخصية أبو يوسف القيادية حافظت على قاطع حماة أيام جبهة النصرة من الاندثار بعد فصل النصرة أحد أبرز مؤسسيها وقادتها المعروف باسم صالح الحموي أو "أس الصراع في الشام"، في منتصف تموز 2015.

وجود أبو يوسف على رأس الهيئة في حماة وريفها جعله يقرب منه أبناء مدينته "حلفايا" وأبرزهم:

محمد الأحمد المعروف بأبو طه حلفايا، وهو قيادي سابق تحول فيما بعد إلى وزير للزراعة بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة إدلب التي تسيطر عليها الهيئة، وله نفوذ كبير داخل حكومة الإنقاذ.

أبو أسامة 30، وهو قيادي ميداني سابق، انتقل للعمل في الجوانب الإدارية وشغل عدة مناصب في وزارات حكومة الإنقاذ قبل أن يعاود الجولاني تقليم نفوذ كتلة حلفايا ويعيده إلى قسم التصنيع في الجناح العسكري في الهيئة.

استئثار القادة المنحدرين من حلفايا بقرار وسيادة قاطع حماة وجيشها خلق شرخاً كبيراً بين أبناء حلفايا وأبناء مدن وبلدات حماة وريفها الأخرى العاملين في الهيئة، وبات يتم الحديث عن كتلة حلفايا بشكل منفصل، بعد انفضاض معظم أبناء جيش حماة السابق عنهم.

تقول المصادر بأن كتلة حلفايا كانت تُعد جيلاً جديداً من القادة، وتدفع بأذرعها نحو مختلف المفاصل، وقد لوحظ وجود أشخاص من كتلة حلفايا في مختلف الوزارات في حكومة الإنقاذ وحتى مكتب علاقات الهيئة، كما كانت تستأثر بجميع إدارات الجناح العسكري.

حاول الجولاني مرات عدة تقليم كتلة حلفايا من دون التصادم معها، ثم نجح في إبعاد الشخصيات القيادية المؤثرة ووضع شخصيات بلا تأثير، حيث عين الجولاني مرهف أبو قصرة (أبو الحسن 600) مسؤولاً للجناح العسكري كنوع من الترضية لكتلة حلفايا كي لا تشعر بالتهميش، وبحسب المصادر فإن اختيار أبو الحسن كان مدروساً، فهو لا يتمتع بأي صفات قيادية كأبو يوسف وأبو طه، ولا يمتلك الجرأة على اتخاذ أي قرار بمفرده.

مع ذلك ما زال حضور كتلة حلفايا موجوداً في الجناح العسكري، ولا ينوي الجولاني التصادم معها في الوقت الحالي، خاصة أنه لم يعد لها ثقل وخطورة كالسابق.

كتلة الشرقية

ينحدر مقاتلوها من محافظات دير الزور، والرقة والحسكة إلى جانب الريف الشرقي لحلب.

بعد هزيمة جبهة النصرة على يد تنظيم الدولة في دير الزور انتقل معظم أفراد هذه الكتلة إلى درعا، وهناك أشرف كل من مظهر الويس وأبو ماريا القحطاني على تسيير أمور أبناء الشرقية في درعا، لم تنصهر الكتلة مع كتلة درعا بسبب خلافات عميقة حصلت بين تيار الأردنيين الذي كان يهيمن على النصرة في درعا، وبين كتلة الشرقية، حتى إن الطرفين حملوا معهم الخلاف إلى الشمال السوري عند التهجير.

ينقسم أبناء الشرقية إلى قسمين: الأول ومعظمهم من مدينة دير الزور، ويحمل أبناء هذا القسم فكراً جهادياً قريباً للقاعدة، وعملوا مع هيئة تحرير الشام لسنوات، لكن معظمهم خرج باتجاه حراس الدين مع زعيمهم بلال الصنعاني عندما انشق عن الهيئة نحو الحراس، والصنعاني شاب سوري من دير الزور يلقب نفسه بذلك، قتلته طائرة أميركية بلا طيار داخل مدينة إدلب في منتصف حزيران 2020 بعد انضمامه لتنظيم حراس الدين بفترة وجيزة.

القسم الثاني يشمل المقاتلين من عشائر ومناطق عدة أبرزها الشعيطات والشحيل، وهؤلاء يحملون فكراً أقل تطرفاً من الأول وهم أقرب للجيش الحر من السلفية الجهادية، ومرد ذلك ما عاصروه من ممارسات تنظيم داعش والمجازر التي ارتكبها بحق عشائرهم، كما أنهم يحمّلون الجولاني مسؤولية هزيمة النصرة أمام تنظيم الدولة عام 2014 وما حل بعشائرهم بعد سيطرة التنظيم، لكن ما يبقي هذا القسم في تحرير الشام هو الروابط العشائرية والسلطة والنفوذ لكونها الفصيل الأكبر.

شكّل أبناء الشرقية قاطع البادية بقيادة أبو حازم المشهداني ومن ثم تناقصت أعدادهم في فترة هجمة النظام على شرق السكة بعد انتقالهم وتركز إقامتهم في سلقين وعمل بعضهم في قاطع الحدود.

بعد ذلك دخل مقاتلو الشعيطات والشحيل في جيش أبو بكر إلى جانب كتلة حماة، ثم تناقصت أعدادهم في الجناح العسكري، لدرجة أنهم لم يستطيعوا التجمع في تشكيل واحد بعد اعتماد المجلس العسكري نظام الألوية، فشكلوا الفوج 55 شرقية ضمن أحد الألوية، وذلك كله نتيجة صرف القحطاني أعداداً كبيرة منهم إلى الأعمال الأمنية والمفاصل الأخرى البعيدة عن العسكرة.

على الرغم من توزعهم على مفاصل مختلفة، وعلى الرغم من وجود خلافات فكرية بين أفراد كتلة الشرقية، لكنهم حافظوا على تماسكهم بسبب طبيعتها العشائرية، وبسبب اعتبارهم القحطاني كأب روحي لأبناء الشرقية، يلقبونه بـ"الخال".

أبرز الشخصيات في هذه الكتلة:

بلال الصنعاني: قتل على يد الولايات المتحدة داخل مدينة إدلب بعد انشقاقه عن الهيئة لصالح تنظيم حراس الدين 2020

علي حسين المخلف (أبو محمد شحيل): كان أمير جبهة النصرة في منطقة الميادين، وتوفي عام 2017 في ظروف غامضة، ويحمل ابن أخيه نفس اللقب (أبو محمد الشحيل) ويعمل الآن مع المكتب السياسي للهيئة

حازم المشهداني: كان أمير قاطع البادية، ويعمل الآن كعسكري ميداني وضابط في الكلية العسكرية التابعة للهيئة.

مظهر الويس: يعمل الآن مديراً لإدارة التوجيه الشرعي في الهيئة، كما أنه عضو في مجلس الإفتاء الأعلى في الهيئة الذي يتحكم به عبدالرحيم عطون بشكل كامل.

القحطاني: جهادي سابق رافق الجولاني في العراق، وهو الآن معتقل لدى هيئة تحرير الشام بعد ثبوت ترؤسه خلية العملاء الكبيرة في صفوف الهيئة، ونيته الانقلاب على الجولاني والإطاحة له.

إدلب وريفها (كتلة بنش)

لم تكن إدلب وريفها تشكل جيشاً واحداً، فالمعرة كانت قاطعاً، وجبل الزاوية قاطعاً ثم جيشاً، والريف الشمالي كان تحت اسم الحدود قاطعاً، وكانت تتوزع مجموعات إدلب على عدة جيوش وقطاعات، وعند إحداث الجيوش الراشدية انضوى معظم مقاتلي إدلب وريفها في جيش علي.

لا يجمعهم تعصب مناطقي، بسبب عدم وجود الحاجة إلى التماسك والاصطفاف المناطقي عند أصحاب الأرض، كتلك الموجودة عند المهجرين.

لم يكن في إدلب وريفها قادة بارزون في جبهة النصرة، فالشخصيات المؤسسة إما قتلت كالشيخ يعقوب العمر، أو عملت في الظل لسنوات كوزير الصحة الحالي في حكومة الإنقاذ الدكتور حسين بازار، أو المغيرة بدوي مسؤول المعابر في الهيئة، وأخوته.

عند تحرير إدلب عينت جبهة النصرة حذيفة بدوي كأمير للقوة التنفيذية في المدينة، وهناك برزت للعلن سطوة مجموعة بنش التي تحولت إلى ما يشبه القوة المركزية في إدلب، بعدها تسلم حذيفة أبو حفص إدارة قاطع الحدود.

يلف شخصيات كتلة بنش كثير من الغموض، فهم يؤثرون العمل في الظل، و يعرف منهم وعنهم:

- قتيبة بدوي أبو حمزة، والملقب بـ "المغيرة بنش"، مدير معبر باب الهوى بشكل رسمي ومعلن، كما أنه مدير ومسؤول المعابر الداخلية والخارجية بشكل كامل بصورة غير معلنة.

- حذيفة بدوي أبو حفص، كان مسؤولاً عن القوة التنفيذية في إدلب بعد تحريرها، ومسؤولاً أمنياً عن معبر باب الهوى لفترة طويلة، وأمير قاطع الحدود، يشغل الآن منصب قائد لواء طلحة بن عبيد الله، ويعتبر الذراع العسكري لإخوته، يحمل حذيفة فكراً سلفياً جهادياً من قبل انطلاق الثورة وظهور التنظيمات الجهادية، حيث تضاربت المعلومات عن مشاركته مع تنظيم القاعدة في العراق بعد غزوها من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

- مصعب أبو عمير، عمل سابقاً كمسؤول عن الموارد البشرية في هيئة تحرير الشام، وعمل في ملف التعامل مع المنظمات الإنسانية في الشمال، وهو محاضر حالييا في كلية العلوم السياسية والإعلام في جامعة إدلب، حاصل على إجازة في الهندسة زراعية.

أمام الشقيق الأكبر الطبيب البيطري معد بدوي يعمل مدير مستشفى بنش حالياً، لا يشغل أي منصب رسمي يؤكد تبعيته لهيئة تحرير الشام أو حكومة الإنقاذ، إلا أنه موضع شبهة في الأوساط بأنه المحرك لإخوته الثلاثة وأن الجولاني حاول إقناعه عدة مرات بتسلم حكومة الإنقاذ لكنه رفض.

ومن أبرز المتحالفين مع هذه الكتلة:

- أبو أحمد حدود: الرجل الثاني في الهيئة بعد الجولاني.

- عبد الرحيم عطون: الشرعي العام لجبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام، ورئيس مجلس الإفتاء الأعلى

- أبو ماجد: شقيق الجولاني، يعمل قاضياً في محكمة سرمدا

تتجه الآن كتلة بنش للاستحواذ على كامل النفوذ والسلطة داخل هيئة تحرير الشام، بعد انفراط عقد منافستها الأخيرة كتلة الشرقية بعد اعتقال القحطاني، وهذا سيكون محور الجزء الثاني من تقريرنا والذي نعقد فيه المقارنات بين تياري بنش والشرقية ونبين مواطن قوة كل منهما، كما نبيّن كيف استطاع القحطاني بناء نفوذ كبير داخل الهيئة، وكيف فتحت قضية العملاء المجال لتغلب كتلة على حساب الأخرى، واستشراف مآلات الهيئة بعد التحول إلى لون واحد وتيار واحد.