icon
التغطية الحية

مع تزايد أعداد المغادرين.. ما تأثير هجرة السوريين على الاقتصاد التركي؟

2022.09.25 | 07:02 دمشق

هجرة السوريين من تركيا
اللاجئون السوريون في ورشات تركية، تصوير: كريس ماكغراث ـ Getty
إسطنبول - يامن مغربي
+A
حجم الخط
-A

مشهدان انتشرا على وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا خلال الأسابيع الماضية، الأول يتحدث عن رحيل المئات من السوريين من تركيا إلى أوروبا ودول أخرى مثل (مصر والإمارات وكردستان العراق)، والثاني مشاهد لورشات فارغة في عدة مدن تركية بعد رحيل العمال السوريين.

لا توجد أعداد دقيقة لأعداد السوريين المغادرين لتركيا سوى ما تعلن عنه وزارة الداخلية التركية بشكل دوري، عن أعداد السوريين العائدين بشكل طوعي إلى شمال سوريا.

وفي المقابل فإن رحيل السوريين من فئة العمال عن تركيا "قد يشكل مشكلةً لدى أرباب العمل الأتراك بسبب "غياب يد عاملة ورخيصة" بشكل مفاجئ ودون وجود بديل جاهز، وسبق لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو أن أشار بالفعل إلى هذا الأمر خلال لقاء تلفزيوني مع قناة "TGRT" التركية.

وأشار موقع (TGRT) التركي إلى أن 10 آلاف سوري من المؤهلين سافروا إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر مشروع إعادة التوطين، بالإضافة إلى 15 ألف سوري هاجروا بطرق غير شرعية.

نائب وزير الداخلية إسماعيل تشاتكلي قال في أيلول الجاري "بلغ العدد الإجمالي للعائدين إلى سوريا نحو 514 ألفاً لغاية تموز".

وأضاف أن العدد وصل إلى 521 ألفاً و39 شخصاً، خلال شهر آب، ما يعني أن نحو 7 آلاف سوري عادوا إلى بلادهم خلال شهر واحد فقط.

ورشات خياطة فارغة

أدت عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم إلى نقص في الأيدي العاملة لدى العديد من القطاعات، وعلى رأسها قطاع المنسوجات، وحسبما نقلت صحيفة (Türkiye Gazetesi) عن أصحاب العمل الذين قالوا بأن العمال الأتراك لا يقبلون بالرواتب التي كان يتقاضاها العمال السوريون.

وأشارت الصحيفة إلى أن قطاع النسيج يشهد نقصاً في العمالة بنسبة 60 في المئة، بينما تبلغ الحاجة إلى العمال في قطاع الجلود بنقص يبلغ 10 آلاف عامل، في حين انخفض الإنتاج في بعض المعامل إلى 30 في المئة.

وانتشرت خلال الأيام الماضية كثير من التسجيلات المصورة التي تظهر ورشات الخياطة التي يعمل بها سوريون فارغة من عمالها، وانخفاض أعداد العمال السوريين يعني لجوء أصحاب الورشات الأتراك لعمال من أبناء وطنهم، وبالتالي رواتب أكبر.

ويرى الأكاديمي والاقتصادي السوري فراس شعبو في حديث لموقع تلفزيون سوريا أنه "من الطبيعي في ظل الظروف الحالية أن يفكر الشباب السوريون بالسفر إلى خارج تركيا، فمعظمهم يعمل من دون تأمين صحي أو اجتماعي وبرواتب منخفضة ويواجهون الحملات العنصرية التي انتشرت خلال الفترة الماضية".

من جهته قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات خالد تركاوي لموقع تلفزيون سوريا "إنه بالتأكيد هناك تأثير على غياب الأيدي العاملة السورية على الاقتصاد التركي".

وأوضح تركاوي أن هذا التأثير "سيؤثر أولاً على صاحب العمل التركي الذي سيضطر لدفع مبلغ أكبر للعامل التركي إذ إن الأخير لا يقبل العمل بالراتب نفسه الذي يتقاضاه السوري، وبالتالي ستكون هناك كلفة إضافية تنعكس على رب العمل وأرباحه، هذا أولاً، وثانياً سترتفع  أسعار السلع بكل تأكيد، وبالتحديد السلع التي يعمل بها السوريون كالألبسة على سبيل المثال وبالتالي ستنخفض قدرتهم على المنافسة خارج تركيا لارتفاع السعر".

وأشار فراس شعبو إلى أن تأثير الهجرة لا يقف على غياب الأيدي العاملة السورية فقط، بل يمتد إلى ما يطلق عليه "رأس المال الاجتماعي"، أي أن السوري جاء ومعه مهنته وزبائنه الموجودين في الدول العربية، وفتح وجود السوريين الأسواق العربية للأتراك".

وأضاف "لا أقول إن الأسواق لم تكن مفتوحة لكنهم -أي السوريون- ساهموا بفتحها بشكل أكبر، كما أن وجود السوريين خلق فرص عمل للأتراك أنفسهم، كما أن كثيرا من السوريين يصدرون منتجاتهم من تركيا إلى أوروبا وآسيا وبالتالي كان لهم دور ولو بسيط بإنعاش الاقتصاد التركي، والبنك المركزي التركي سبق وأشار في عام 2018 إلى أن مساهمتهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5%، ويمكن القول إن هذا الرقم ارتفع مع وجود آلاف الشركات السورية التي أنشئت من قبل السوريين وساهمت برفد السوق التركي بالعمالة، كما وظفت كثير من هذه الشركات عمالاً أتراكا".

وقال تركاوي لموقع تلفزيون سوريا إنه "لا بد من الإشارة إلى غياب الدراسات الكافية لقياس أثر مساهمة السوريين، سواء من جهة العمالة أو رأس المال في الاقتصاد التركي سوى الأرقام الرسمية التي لا تنشر تفاصيل دقيقة".

وكانت دراسة نشرتها "منظمة العمل الدولية" في 2020 أشارت إلى أن 97% من السوريين في تركيا يعملون بشكل غير شرعي "من دون تصريح عمل أو إذن عمل".

هل يحتاج الاقتصاد التركي للأيدي السورية فعلاً؟

يُعدّ الاقتصاد التركي واحداً من أكبر 20 اقتصاداً في العالم، لذا يبدو الحديث عن رحيل السوريين وتأثير رحيلهم مبالغاً به في بعض الأحيان، خاصةً وأن نسبة الشباب في المجتمع التركي وفق الأرقام الرسمية تتجاوز الـ16% من إجمالي عدد السكان، ونسبة البطالة وفق هيئة الإحصاء التركية لشهر تموز للعام الجاري بلغ 10.1%، وبالتالي فإنه وبشكل نظري هناك إمكانية لتعويض رحيل السوريين بسهولة، وتحديداً مع وجود كثير من الأجانب الناطقين أصلاً باللغة التركية.

ولكن هناك وجهة نظر أخرى بعيدة عن الأرقام الرسمية للحكومة التركية وتتعلق برغبات وتوجهات الشباب التركي في سوق العمل، وسبق أن اشتكى العديد من رجال الأعمال وأصحاب الفعاليات التجارية التركية من عزوف الشباب التركي عن العمل في مجالات معينة، وتحديداً قطاع الزراعة.

لذا فإن عملية تعويض العامل السوري الغائب ربما تأخذ وقتاً أطول من المتوقع، في حين يشير الأكاديمي والاقتصادي السوري فراس شعبو إلى أن "الاقتصاد التركي اقتصاد قوي ويحل في المرتبة الـ17 عالمياً وبالتالي فلن يتأثر بشكل كبير، ولكن في المقابل يجدر بنا الإشارة إلى حالتين سلبية وإيجابية".

اقرأ أيضا: 

وأضاف "الحالة الإيجابية تتعلق بتحسن الدخل المادي للمواطن التركي نتيجة قلّة المعروض من العمالة وعليه سيطلب العامل التركي راتباً أكبر، أما الحالة السلبية فإن التأثير الذي سيطول تركيا مرهون باستمرار الهجرة، خاصةً أن تركيا بالأساس تسعى لزيادة الأيدي العاملة لتكون من أكبر الدول المصدرة، كما أن من يسعى حتى الآن للخروج هم فئة الشباب وليس رجال الأعمال".

من جهته قال الباحث في مركز "جسور" لموقع تلفزيون سوريا إن "إحدى المشكلات التي قد يعاني منها الاقتصاد التركي بغياب السوريين هي عدم رغبة الشباب التركي بالعمل في مهن محددة ملأ فراغها السوريون سلفاً، كما أن غيابهم سيكون سبباً في ارتفاع السلع التي يعملون بها كالألبسة على سبيل المثال، وبالتالي قد تنخفض تركيا على المنافسة في بعض المجالات مع ارتفاع الأسعار".

وأضاف "تركيا بلد كبير ولديها من العمالة ما يكفي لذا لا أعتقد أن لديهم مشكلة في سوق العمل مع وصول البطالة إلى 10% لذا لا أعتقد أنه سيكون هناك مشكلة كبيرة على صعيد الاحتياج، اللهم إلا فيما يتعلق بالأجور، ومن جانب آخر، فإن رؤوس الأموال والخبرات التي تعد إضافة لأي اقتصاد، وتساهم في التوظيف والتصدير ودفع الضرائب، فإن غيابها سيؤثر بالطبع".

وتابع "في النهاية فإن أي بلد يسعى لزيادة القوة العاملة لديه لزيادة الإنتاج الصناعي وزيادة قوة الاقتصاد، وغياب هذه الأيدي العاملة قد يؤدي بشكل أو بآخر إلى مشكلات لا يبدو حلها سهلاً لكنه ليس مستحيلاً كذلك".