"معاداة السامية" نازية جديدة بطابع صهيوني

2023.12.26 | 07:00 دمشق

آخر تحديث: 26.12.2023 | 07:00 دمشق

"معاداة السامية" نازية جديدة بطابع صهيوني
+A
حجم الخط
-A

إذا كنت مؤيداً لإسرائيل فتقدم إلى الأمام، وإذا كنت فلسطيني الهوى فتراجع إلى الخلف، أما إذا كنت محايداً أو غير معني فانتظر واستعد كي نملأ رأسك بالحجج التي تدعم سرديتنا وتؤكد أحقيتنا، وإذا لم تقتنع وتدعم فانتظر أن يرجمك العالم لأنك لا تتعاطف معنا أو تؤيدنا بتهمة "معاداة السامية".

نازية جديدة مكسوة بثوب من المظلومية وصمت من المجتمع الدولي وتواطؤ من الرأي العام العالمي، للدفاع عن كيان محتل وغاصب، وغض البصر عن تهجير شعب كامل باستخدام السلاح الثقيل لإبادة من تبقى منهم.

معاداة السامية تهمة جاهزة وتفصيلية تستطيع أن تناسب أي شخص ينتقد سلوك الكيان الإسرائيلي ويرفض نهجهم، لكن هذا المصطلح لم يكن كذلك على الدوام فقد استخدم المصطلح في وقت سابق لوصف موجة العداء التي اجتاحت أوروبا ضد اليهود، ويندرج تحتها التّعبير عن الكراهية أو التمييز ضد أفراد يهود وصولاً إلى مذابح منظّمة من المرتزقة والعوام أو الشرطة أو حتّى الهجمات العسكريّة على المجتمعات اليهودية بالكامل، وعلى الرغم من أنّ المصطلح لم يكن مستخدماً بشكلٍ شائعٍ حتّى القرن التاسع عشر، إلّا أنّه أصبح ينطبق اليوم أيضًا على الحوادث التاريخية المعادية لليهود أياً كانت حقبتها الزمنية.

لا يمكن للتاريخ أن ينكر أن اليهود قد عانوا من حملات تشويه وقمع واضطهاد في فترات تاريخية مختلفة، لكن ذلك لم يكن حالهم وحدهم، فقد عانت الأقليات العرقية والدينية المختلفة من ذلك في المجتمعات في دول عدة وعبر حقب مختلفة، علاوة على أن ذلك لا يبيح بشكل من الأشكال السماح أو قبول استخدام العنف انتقاماً لسنوات اضطهاد ونبذ خلت، والسماح بالمقابل بتطبيق الأساليب التي عانوا بسببها على شعوب أخرى بدعوى المظلومية.

لقد تصاعد التوجه المؤيد لإسرائيل في أوروبا في السنوات الماضية لكن الخطاب أصبح أكثر فجاجة بعد حرب غزة الأخيرة

حصيلة من سنوات اضطهاد وملاحقات يجعلنا العالم اليوم ندفع ثمنها بمفردنا، وكأن ذلك كان ذنبنا الكبير وخطأ من واجبنا أن نصححه، بقبول الأمر الواقع وتبرير وجود الكيان الإسرائيلي الغاصب في دولة عربية ذات تاريخ وحضارة وثقافة، مع ضرورة غض البصر عن تجاوزاته في قتل الفلسطينينن ليستوطنوا في ديارهم وكأنهم هم أصحاب الأرض والفلسطينون هم الغرباء.

لقد تصاعد التوجه المؤيد لإسرائيل في أوروبا في السنوات الماضية لكن الخطاب أصبح أكثر فجاجة بعد حرب غزة الأخيرة، وبدأت المظاهرات تجتاح المدن الأوروبية تأييداً لإسرائيل ودعماً لها في مواجهة الإرهاب، وتناسى العالم أجمع حقبة كان فيها الأوروبيون على عداء مع اليهود ليصبحوا داعمين للكيان الآن ومدافعين عن حقه طالما أنهم لا يدفعون ضريبة ذلك سوى بالتباكي عليهم، وبذلك يزجون fالشعوب العربية والفلسطينين على وجه التحديد ويضعونهم في فوهة المدفع في مواجهة عداوة لم تكن في حسبانهم ولم يتوقعوها.

يدّعي الكيان الإسرائيلي اليوم أن أي اعتراض على أي من اعتداءاته الهمجية اليوم هو فعل سافر وغير محق، وينفي صفة المقاومة عن أي رد فعل في مواجهة تلك الاعتداءات، إنه يلبسها ثوب الإرهاب ويمارس إرهاباً مضاداً ضد من ينتقده ويوجه إليه أصابع الاتهام بحجة معاداة السامية، حتى أن الأمر وصل بوسائل الإعلام العبرية إلى الدعوة إلى عدم فصل مصطلحي "معاداة السامية" و"معاداة الصهيونية"، فقد ربطت الصحف ووسائل الإعلام العبرية بين المفهومين واعتبرت أن أي معارضة للصهيونية بالفكر أو السلوك تعد معاداة للسامية، مضيفة أن تلك الانتقادات لا تجعل من الصهيونية أقل شرعية، وأن أي تبرير بأنهما مختلفتان لا يمكن أن يمنع من محاكمة المناهضين بتلك التهمة.

وعلى الرغم من أن المفهومين غير متطابقين ولا مرتبطين _ذلك أن الصهيونية كمصطلح يشير إلى الحركة التي سعت إلى إنشاء دولة لليهود في الشرق الأوسط، في محاكاة للأرض التاريخية لإسرائيل وفق زعمهم_، لكننا أصبحنا نواجه حكماً عاماً يجبرنا على ذلك أو يضعنا في الجانب الشرير في حال فكرنا برفض الممارسات الصهيونية.

إن محاولة دمج المفهومين وفقاً للفكر الصهيوني أمر يبرر لإسرائيل عدوانها وبطشها وقمع رأي المختلفين معها وقتل المقاومين وإبادة المؤيدين لهم عن بكرة أبيهم، ويتيح للكيان الاستمرار في ترويج مظلوميته وإظهار نفسه على أنه دولة قوية وتتمتع بالديمقراطية ضمن شرق أوسط بائس ودول نامية.

إن مسألة السامية وغير السامية وما إلى ذلك من التصنيفات التي تعزز الفرقة بين بني الإنسان من عرق ولون وجنس ودين، ليست تصنيفات بريئة بالمطلق ولم تكن غايتها دراسية بقدر ما يراد منها أن تكون أهدافاً سياسية، وقد حققت غايتها والهدف منها بشكل فعلي في كثير من البقع الجغرافية فكانت سبباً لانقسام كثير من الشعوب الموحدة تحت ظل دولة واحدة.

لقد استثمرت إسرائيل في هذه النقطة إلى أبعد حد، وكانت جزءاً لا يتجزأ من دعايتها المضادة التي عملت عليها طول عقود، فبالتوازي مع ترويج نفسها دولة منقذة للجرحى السوريين الفارين على الحدود لإظهار جانبها الإنساني المفترض، ازدهر عمل الماكينة الدعائية لديهم بقيادة أفيخاي أدرعي الذي يدعي نشره السلام والمحبة وفهم روح الأديان مقدماً محتواه بلغة عربية سليمة مستقطباً أجيالاً جديدة وشرائح مختلفة، يضاف إلى ذلك الترويج لحكوماتها وسياسييها ونظامها السياسي بأنه النظام الديمقراطي المسالم والوحيد في منطقة تعج بالحكومات غير الديمقراطية ودول يشكل الاستبداد ركيزتها الأساسية.

يجعلنا العالم اليوم قرباناً يقدمه للصهاينة، ليلتمس بذلك غفراناً ويكفر عن خطاياه باستخدامنا، ملزماً إيانا بقبول ما لم تقبله أوروبا في زمن مضى

إضافة إلى ما سبق كله فقد كانت المظلومية هي العامل الأهم الذي جعل إسرائيل تتمكن من التجرؤ على ما تفعله الآن، مع ضمان صمت العالم وإن حدث عكس ذلك فهي على استعداد تام للإشارة إلى فاعله بالبنان على الفور واتهامه بأنه جزء من خطة ممنهجة هدفها الإيغال في أذية عرقهم، وأن من حقهم الدفاع عن كيانهم في مواجهة أذرع الشر التي تتربص بهم وبمواطنيهم.

بمعنى آخر يجعلنا العالم اليوم قرباناً يقدمه للصهاينة، ليلتمس بذلك غفراناً ويكفر عن خطاياه باستخدامنا، ملزماً إيانا بقبول ما لم تقبله أوروبا في زمن مضى، ففي الوقت الذي يتهم فيه العرب بمعاداة السامية ينسى العالم أنهم من عرق سامٍ هم أيضاً، وهم من الشعوب التي تتكلّم اللغات السامية منها مثل العربيّة والعبريّة والآشوريّة والفينيقيّة والآراميّة، لكن ذلك لا يعني الرضوخ للأمر الواقع والتعايش مع وجود الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.