مصير سلاح حزب الله ما بعد الترسيم

2022.10.15 | 05:22 دمشق

مصير سلاح حزب الله ما بعد الترسيم
+A
حجم الخط
-A

تنظر الإدارة الأميركية إلى إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل بوصفه إنجازاً لها، ولا تتوانى عن الاحتفاء به. كذلك يفعل حزب الله، الذي بدا أمينه العام حسن نصر الله في خطابه الأخير أقرب إلى ناشط سلام أو متعهد حفلات، بدعوته إلى تجنب الشعارات والركون إلى البهجة والتصفيق.

بعيداً عن كل ما يروّج له من أن هذا الاتفاق يعد انتصاراً للبنان ويعلن دخوله في مرحلة جديدة اقتصاديّاً وسياسيًّا وأمنيّاً، فإن الغائب الأكبر عن الحدث هو مصير سلاح الحزب الذي كان القوة الدافعة وراء إنجازه وفق أدبيات الحزب وحلفائه العونيين، مع أنه في الآن نفسه يمهّد لإخراجه من المعادلة وصولاً إلى تجريد الحزب منه في مرحلة لاحقة.

لا ينسجم النفط مع الأسلحة والصواريخ وإمكانية توظيفها في تهديد المنشآت وحقول الإنتاج، ومع أن الجو الغالب على التحليلات التي تقرأ أبعاد الاتفاق تعتبر أنّه يتضمن آلية ضبط تمنع بموجبها الإسرائيليين وحزب الله من القيام بأيّ مغامرات عسكريّة تعطل المسارات الاقتصادية المرتبطة به، ولكن لا يمكن التأكيد أنّ الأمور يمكن أن تُضبط بهذه السلاسة.

الأسباب التي تدفع إلى اعتبار الترسيم مشروعاً مهدداً كثيرة نظرا لأنه يكرّس وصاية الحزب على القرار اللبناني، والذي قد يكون حاليّاً منسجماً مع الرؤية الأميركيّة الّتي تتحرك على إيقاع متطلّبات الحرب في أوكرانيا. مثل هذا ذلك الانسجام يبقى مرحليّاً ومحدوداً ولا يمكن أن يستمر، كما أنّه يضع البلد في مواجهة محور يملك تأثيراً كبيراً ومباشراً في المنطقة هو المحور الروسيّ، والّذي بات يمكن اعتبار دول الخليج متوافقةً معه.

الموقف اللبناني الذي رافق الترسيم يبدو بشكل كامل موحى به أميركيّاً ويتخذ صيغة الإعلان عن الانضمام إلى محور أميركي تدخل إيران على خطه في مقابل محور روسي خليجي

ولعل إيعاز الحزب بالتصويت لصالح إدانة قرار روسيا بضم دونيتسك وخيرسون ولوغانسك وزابورجيا في الأمم المتحدة على الرغم من عدم تأثيره الفعلي، ولكنه يشي بتمركز واضح ضدها في هذه المرحلة، التي ينظر فيها الرئيس الروسي بوتين إلى حربه ضد أوكرانيا على أنها شأن مصيري واستراتيجي.

الموقف اللبناني الذي رافق الترسيم يبدو بشكل كامل موحى به أميركيّاً ويتخذ صيغة الإعلان عن الانضمام إلى محور أميركي تدخل إيران على خطه في مقابل محور روسي خليجي.

وكذلك فإن تلقي الموضوع في الوسط الإسرائيلي يوظف دعاية حزب الله ضده، إذ إن رئيس حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو يسعى إلى محاربته تحت عناوين تمثيله لمصلحة إيران والحزب. ولعل ارتباط الاتفاق بالسماح لإيران ببيع إنتاجها النفطي بمعدلات عالية ما ينسجم مع هذه الطروحات، ويسمح بتوظيفها في صراع انتخابات الكنيست المقررة في الشهر المقبل.

الأمر نفسه يتكرّر في ما يخص الانتخابات النصفيّة الأميركيّة إذ إن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي اتصل بالرئيس اللبناني ميشال عون مهنئاً على إنجاز الاتفاق، ينظر إليه من زاوية انعكاسه على أسعار النفط ومشروع إمداد أوكرانيا بالغاز الإسرائيلي بأسرع وقت ممكن.

في الوقت نفسه يهدد فيه السعودية ودول أوبك بلاس بتطبيق عقوبات نوبك التي تعاقب الاحتكار، وينظر إلى قرارها بخفض الإنتاج على أنه إعلان صريح عن الوقوف في صف روسيا، بينما يتغاضى عن تزويد إيران لروسيا بمسيرات قتاليّة.

يعني كل ذلك أن سلاح الحزب كان قد نجح في فرض الاتفاق، ولكنّه لا يستطيع الحفاظ على دوره ووظيفته وعناوينه من بعده. العملية الانتقاليّة لا توفر صيغة إعادة إنتاج له بقدر ما تشي بتغييبه التام عن المعادلة لصالح معادلة أخرى، قد تؤمن للحزب وحلفائه سطوة أكثر عمقاً وضراوة، لأنهم سيخلعون ثوب المقاتلين، ويتحولون إلى رجال الأعمال الجدد الّذين يتمتعون بعلاقات دوليّة تحرس سلطاتهم وتشرعنها.

الثمن الذي بدا أن حزب الله مستعد لدفعه مقابل سلاحه والّذي كان قد شارك على أساسه في حرب الأسد ضد الشعب السوري يقضي بتسليمه البلد، ولما كانت مآلات الحرب في سوريا وتعقيداتها العسكرية ودخول أطراف فاعلين على خط الصراع على النفوذ فيها قد حرمت الحزب من تحقيق هذا الهدف، فإن واقع الترسيم وعناوينه صبت في صالح تمكينه من تحقيقه بشكل أكثر صلابةً وتمكينا.

الحزب في نهاية المطاف ألغى السياسة في البلد، ولكنّه أعطى لنفسه الحق الحصري في تداولها، وبذلك أصبح الناطق الرسمي والشرعي باسم البلد

مسار التخلي عن السلاح قد بدأ مع مفردة "الزقيف" الذي استعملها نصر الله في خطابه الأخير مستبدلاً بها إصبعه المهدّد وفي النبرة "اللايت" التي تحدث بها، والتي يحاول من خلالها إشاعة نوع من الهذيان النفطي والغازي في البلد، يستبدل كل السجال القائم والأزمات الفعليّة المتمادية بنوع من الحلم على الطريقة اللبنانيّة.

نصر الله يريد بعد أن كان قاتلنا أن يصبح شاعرنا وصانع أحلامنا برعاية الشيطان الأكبر الأميركي.

لا مفر من القول إنّ الحزب في نهاية المطاف ألغى السياسة في البلد، ولكنّه أعطى لنفسه الحق الحصري في تداولها، وبذلك أصبح الناطق الرسمي والشرعي باسم البلد وصار الطرف الذي تعقد الاتفاقات الفعليّة معه، وإن كان هناك إطار رسمي باهت يقف وراءه، ولا يمانع من وضعه في الواجهة ما دام سيأكل العنب كلّ العنب.

يمكن للحزب في حال تكرس الاتفاق وتمكّن ولم تنشأ ظروف تنسفه أن يبيع سلاحه بثمن غال للغاية لم يسبق له أن حصل عليه. لطالما كان قويّاً ومسيطراً، ولكنّه كان خارج النظام الدولي والغربي والذي يعني الدخول في العالم.

كان سلاحه يتحرك في مساحة حبلى بتوصيفات الإرهاب وانعدام الشرعيّة ولم يكن قادراً إلا على تحريك معادلات ولم يكن أبداً قادرا على صناعتها.

صنع بسلاحه حاليّاً معادلة تتصل بسياقات النفوذ الدولي، وتاليّاً فإنه قد أدى دوره الكامل وخصوصاً أنّه فتح أبواب التطبيع مع إسرائيل الّذي تشكل عنوانا حاسما للشرعنة والتفاهم مع الغرب.

المستحيلات التي باعها والتي كان سلاحه على رأس قائمتها وُضعت في التداول في سوق الحروب الدوليّة والصراعات على النفوذ.

نصر الله وقتلته قد يعلنون قريباً دخول البلد في حيز البؤس النفطي، وقد تُسبق هذه المعادلة بتعيين قائد الجيش جوزيف عون المقبول أميركيّاً رئيساً للجمهورية تمهيداً لمرحلة لاحقة قد يكون في واجهتها الأسديّ سليمان فرنجية رئيساً توافقيّا بعناوين تقول لا نريد أن نزعج السعودية، ولا إيران ولا روسيا، ولا أميركا، بل تدبير شؤون التوازن، الذي يعني فعليّاً قيام البلد المنهوب الّذي يُستبدل فيه الحكم بوساطة السلاح بالحكم بوساطة ميليشيات وعصابات رجال الأعمال النفطيّين.