مشفى سلحب وسجن صيدنايا

2019.10.13 | 15:57 دمشق

shban_mnswr_mhmwd_mtwq.jpg
+A
حجم الخط
-A

بين الصور المنتشرة للشيخ شعبان منصور تغيب صورته مع مدير سجن صيدنايا. ليس هذا مقصوداً، فالشائع بين أنصار الشيخ المتزايدين مؤخراً تداول صوره وحيداً، يعمل بيده في مشاريع البناء التي يقودها، أو بين مجموعة من العاملين الآخرين الذين لا يُقصد إظهارهم أو تمييزهم. من يرغب في تسويق صورته مع الشيخ يفعل ذلك على حسابه الخاص في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، وينال الإعجاب من معارفه وصحبه. أما كبار ضباط الجيش والأمن الذين يزورون منصور فلا ينشرون هذه الصور في العادة، بل يتولى ذلك نُعاتهم بعد موتهم أو «استشهادهم»، كما هو حال هذه الصورة التي أفرجت عنها عائلة العقيد محمود معتوق.

ليس معتوق مديراً عادياً لسجن صيدنايا الشهير. فقد تولى منصبه في أسوأ السنوات التي تحول فيها هذا المعتقل العسكري إلى مسلخ حقيقي، منذ الأشهر الأولى من عام 2014 وحتى وفاته المفاجئة إثر أزمة قلبية في مطلع سنة 2018. كانت تلك هي المرحلة الوحشية المريعة من تاريخ هذا المكان، كما تدل شهادات مئات من حالفهم الحظ وأفرج عنهم، ووثقت أقوالهم منظمات حقوقية عالمية ومحلية عديدة. لن نستعرض هذه القصص فهي متاحة بوفرة، وهي أشنع ما يمكن أن يخطر على بال، ولا تجدي معها محاولات الإنكار أو المراوغة.

ما الذي يفعله هذا «الجلاد»، دون ابتذال في اللغة هذه المرّة، مع شيخ مسالم زاهد قضى جل حياته في زراعة أرضه، قبل أن يتحول إلى دعوة من حوله للعمل في مشاريع خيرية كان آخرها بناء مشفى؟

قبل عام كتبت مقالاً عن منصور، عرضت فيه حياته وظاهرته، وأنهيته بالتساؤل عما إذا كانت «شعبة تجنيد سلحب»، التي بناها الشيخ ومتطوعوه ومتبرعوه وأهداها لوزارة الدفاع، عملاً يندرج في إطار «الإنسانية» التي هي أبرز كلماته، طالما أن هذه الهدية قادت المئات من أبناء المدينة إلى أن يصبحوا قتلة أو مقتولين في مدن سورية أخرى؟

هذا ما يغيب، في الحقيقة، عن موجة الإكبار العارمة التي يلقاها الشيخ في الأيام الأخيرة، بين أبناء طائفته العلوية أساساً، بعدما أنهى بناء المشفى الذي عمل عليه لثلاث سنوات، وأبدت وزارة الصحة في حكومة الأسد عجزها عن استلامه

هذا ما يغيب، في الحقيقة، عن موجة الإكبار العارمة التي يلقاها الشيخ في الأيام الأخيرة، بين أبناء طائفته العلوية أساساً، بعدما أنهى بناء المشفى الذي عمل عليه لثلاث سنوات، وأبدت وزارة الصحة في حكومة الأسد عجزها عن استلامه بسبب المبلغ الكبير الذي يحتاجه لتزويده بالتجهيزات (سبعة مليارات ليرة سورية) وعدد الموظفين الذي يتطلبه (675 شخصاً من الكوادر الطبية وسواها).

بسرعة تحول الموضوع إلى قضية رأي عام في هذا الوسط، وفاض قليلاً إلى بيئات أخرى من مؤيدي النظام وسكان مناطقه. وبدا دليلاً فاقعاً على بيروقراطية الحكومة وانفصالها عن هموم الناس إلى درجة عدم اكتراثها بتشغيل مبنى حيوي قاموا هم بعمارته بشكل كامل.

على الفيسبوك نُظمت حملات وأنشئت صفحات ومجموعات لدعم مشروع الشيخ. وأبدى الكثيرون استعدادهم للتبرع والعمل الطوعي في المشفى، كلٌّ حسب إمكاناته واختصاصه. إنهم هناك، بشر حقيقيون يكتبون بأسمائهم الصريحة بكل حماس.

على الفيسبوك نُظمت حملات وأنشئت صفحات ومجموعات لدعم مشروع الشيخ. وأبدى الكثيرون استعدادهم للتبرع والعمل الطوعي في المشفى، كلٌّ حسب إمكاناته واختصاصه

الدكتور باسل الجردي، الطبيب المقيم باختصاص أمراض العين وجراحتها، يتطوع للعمل يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع. الدكتور محمد السلمان، المختص في العقم وطفل الأنبوب، يتبرع بالعمل ليومين بالشهر. الدكتور كنان عباس، المقيم في ألمانيا، يتبرع بحواضن أطفال مستعملة وجهاز مكبر للعمليات الجراحية (قديم نوعاً ما، كما يقول) حصل عليها مجاناً من أحد المستشفيات الألمانية، كما يتطوع للعمل لأسبوع أو اثنين كل عام. الممرض محمد كمال منصور يتطوع للدوام في أيام الإجازة. الممرضتان هيفاء رزق وإيناس سلامة تبديان استعدادهما للانضمام إلى زملائهما المفترضين للعمل في أي وقت. علي الحداد يتبرع بمئة ألف ليرة، وكل شهر 25 ألفاً لمدة عام، فهذه قدرته كما يقول. المحامي الدكتور عمار يوسف يتبرع بمئة ألف أخرى. المقاتل وليم نصر يتبرع براتبه كل أول شهر. خليل زيود، ضابط سابق، يضع نفسه ودمه تحت تصرف المشفى لأي عمل مناسب. فؤاد عبد الله خنيسة يتطوع للعمل كسائق، علماً أنه يحمل شهادة عمومية. فؤاد علي عقل، رئيس مصرف التوفير بالسقيلبية، يعلن جاهزيته للعمل مساء وفي أيام العطل الرسمية. المبرمج محمد خطيب مستعد لبرمجة وصيانة الحواسيب المفترض وجودها في المشفى. محمد حسن، رئيس دائرة المستودعات في شركة الدراسات الهندسية بحمص، يتطوع للقيام بأعمال الجرد وتنظيم جداول الصادر والوارد، أيام الخميس والجمعة والسبت أسبوعياً. جعفر شيحان، الحارس في مديرية صحة حمص، يتطوع للعمل كحارس أو سائق. المواطن رائد صقر يضع نفسه تحت تصرف الشيخ شعبان، على أن تحدد أيام ذهابه لأنه بعيد عن منطقة المشفى، ويتعهد بصيانة وإصلاح كل ما يتعلق بالأمور الخشبية من أبواب وخزائن وخلافه، مع عدته الكاملة. طلاب السنة الأخيرة باختصاص الإنعاش والتخدير يتطوعون للعمل بالتناوب. الطالب في السنة الجامعية الأولى، علي إسماعيل، مستعد للعمل في أي شيء يطلبه الشيخ. ذو الفقار السقا، المقاتل في قوات النمر، يتطوع للعمل لأسبوعين شهرياً، كسائق في مشفى الإنسانية. المساعد محمد نصر، وهو يخدم العسكرية في الحسكة من أهالي دير الصليب، يحصل على إجازة مدتها أسبوع كل شهر ونصف ويضع نفسه تحت تصرف إدارة المشفى أثناءها. حسن (الكنية غير موجودة، أرفق رقم الجوال) من اللاذقية، متطوع بريف السويداء، ينزل إجازة لأسبوع كل شهر وهو جاهز لأي عمل يكلف به بإمرة الشيخ. عدد كبير جداً من مقاتلي الجيش نشروا نصاً موحداً، بطريقة النسخ واللصق، يعاهدون فيه الشيخ أنهم سيكونون «القبضة الحديدية بيده لضرب الفساد»!!

كتب شعراء قصائد قصيرة أو طويلة. ارتجل مغنون شعبيون مواويل. دعا البعض إلى اعتصام عند المشفى لدعم الشيخ الذي رفض بشدة، بالاستناد إلى مقربين منه أو متواصلين مع ابنه الأكبر العقيد سليمان، الذين كتبوا، على لسان منصور، عدم موافقته على هذه الحركات التي تزرع «الفتنة والفوضى»، وتدعو لها صفحات مغرضة بهدف «إحداث البلبلة والإساءة للدولة وهيبتها» كما نُقل عنه.

يتداول محبو الشيخ أقاويل وإشاعات كثيرة، مثل أن تنظيم حشد المتطوعين أنيط بمديرية صحة حماة، أو أن بشار الأسد أوفد مستشاره، الوزير السابق بشر يازجي، لزيارة الشيخ ومعاينة المبنى واقتراح الإجراء اللازم، أو أن ضغطاً قد يجري على وزارة الأوقاف لتغيير وجهة صرف أموالها الطائلة وتمويل تجهيز المشفى بدل بناء وترميم الجوامع التي لم تخرّج سوى الإرهابيين. لكنهم هناك، على كل حال، باندفاعهم الصادق للعمل التطوعي، والذي لا يوازيه سوى حماسهم لضرب مشافي إدلب بالبراميل.

هكذا... دون أن يشعروا بأي تناقض!!