icon
التغطية الحية

مشاريع السوريات الصغيرة في المناطق التركية النائية.. تجارب نجاح بحاجة لدعم أكبر

2024.05.14 | 17:27 دمشق

بقلسيبل
مشروع "التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة" – منظمة LEAP
إسطنبول - ماريا عكيدي
+A
حجم الخط
-A

تكافح السيدات السوريات في تركيا لدخول سوق العمل سواء في الحصول على وظائف أو بدء مشاريعهن الخاصة، وهو ما يلفت نظر الجمعيات والمنظمات المعنية بتمكين المرأة ودعمها في هذا السياق لتعزيز استقلالهن الاقتصادي والتنمية المستدامة للتغلب على الشدائد الاقتصادية، ويساعدهن على الصمود ومواجهة تحديات اللجوء وعدم المساواة والتمييز والتنميط، ومساعدة أنفسهن وأسرهن.

وتزداد التحديات أمام السيدات السوريات في المناطق التركية النائية مثل مدن شانلي أورفا وماردين وأضنة، حيث وجد موقع تلفزيون سوريا أن النسبة الأكبر من مشاريع سبل العيش ودعم المرأة تتركز في ولايات إسطنبول وغازي عنتاب حيث الكثافة السورية الأكبر. والمناطق النائية غالباً ما تواجه تحديات مركبة، من بينها محدودية الوصول إلى الموارد والفرص الاقتصادية وشبكات الدعم، وهي أمور حيوية للتكامل الاقتصادي.

إن ولايات أورفا وكلّس وماردين في جنوب شرقي تركيا طريق عبور للاجئين السوريين القادمين على مدار سنوات، وتعد كلّس الأعلى كثافة سكانية للاجئين مقارنة بإجمالي عدد السكان؛ ومن بين الولايات العشر الأولى التي تضم أعلى كثافة للاجئين، في حين تحتل أورفا المرتبة الرابعة وماردين المرتبة السابعة. وبناء على التقارب الثقافي بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة في هذه الولايات الحدودية والنائية، فإن النساء اللاتي يعشن هنا يواجهن الحواجز الناجمة عن المعايير الجنسانية التقليدية ونقص المهارات المهنية الناجم عن محدودية فرص التعليم والعمل، وبالنسبة للنساء اللاجئات، يتفاقم هذا الوضع بسبب الحواجز اللغوية والصدمات النفسية والحرب والنزوح.

تقدر عدد من الدراسات البحثية عن اللاجئين السوريين في تركيا عدد السوريات العاملات بقرابة 150 ألف لاجئة سورية فقط، في حين تبلغ عدد السوريات في تركيا ضمن سن العمل (18 - 60 عاماً) 684 ألف سورية بحسب إحصائيات رئاسة الهجرة، ما يعني أن 21 بالمئة فقط من السوريات في سوق العمل. هذه النسبة مؤشر على خلل كبير يستدعي تظافر جهود الحكومات المستضيفة والمانحة ومنظمات المجتمع المدني.

قصة نجاح مركبة.. من التدريب والاندماج إلى الإنتاج

تركز منظمة LEAP على دعم السيدات والشباب في المناطق النائية، وبرز مشروعها "قصة المطبخ" كنموذج يجمع التمكين الاقتصادي ودعم سبل العيش والاندماج، حيث احتضن 20 سيدة سورية و20 سيدة تركية في ولاية ماردين وبدأ المشروع بتدريبات مهنية صارمة في إنتاج الأغذية المحلية والطبخ وتجفيف الفواكه والخضراوات ومن ثم تلقت المستفيدات تدريبات محو الأمية المالية ثم تثقيفهن في الشؤون المالية وريادة الأعمال ووسائل التواصل الاجتماعي، ومهارات الاتصال، وتطوير المنتجات، وإدارة المخزون، بحسب تعريف المشروع في موقع المنظمة الرسمي.

مشروع "قصة المطبخ" المدعوم من منظمة RET International ليس الوحيد في LEAP بل هو جزء من مجموعة مشاريع "التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة" في المنظمة والتي يمكن تصنيفها بالناجحة لأن التدريبات وصلت مرحلة الإنتاج وكذلك التوزيع والبيع، ما عاد بواردات مالية للسيدات المشاركات، حيث تستهدف مشاريع المنظمة المجتمعات المضيفة المستضعفات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 16 و55 عامًا في ولايات أورفا وماردين وكلّس من خلال تطوير مهاراتهن، وتتنوع المشاريع بين الطبخ وصناعة الصابون الطبيعي وصناعة الدمى الطبيعية والطباعة على الخشب والصباغة الطبيعية وإنتاج الغذاء المحلي. ويتم بيع المنتجات تحت العلامة التجارية Leap Natural.

وينشط في الولايات الجنوبية الشرقية التركية برنامج DAHIL بإدارة منظمة "سبارك – SPARK" بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ولا يقتصر المشروع على السيدات السوريات بل يستهدف المجتمعات المضيفة واللاجئين على حد سواء، إلا أن السيدات السوريات ممثلات فيه.

يهدف مشروع DAHIL إلى تحسين وصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى التمويل كي تتمكن من خلق المزيد من فرص العمل في أضنة وغازي عنتاب وهاتاي وشانلي أورفا، وذلك بدءاً من تدريب الشركات الصغيرة والمتوسطة لزيادة وعيها بأساسيات التصنيف الائتماني في تركيا، ومن ثم تنظيم مسابقات خطط الأعمال التجارية التي تمنح الأفكار التجارية الرابحة تمويلاً أولياً.

رحلة رهف الشامي الملهمة

وصلت رهف الشامي لاجئة إلى غازي عنتاب وعملت جليسة أطفال لعائلة أجنبية لأنها تتحدث اللغة الإنجليزية، وهو ما لفت نظر الأب الذي طلب منها ترجمة مواد وملفات في عمله. رهف التي لم تكن تعرف كيف ترسل بريدا إلكترونياً، بذلت جهداً ملحوظاً لتطوير مهاراتها وحصلت على وظيفة في منظمة "بلد" ثم سرعان ما تهافتت عليها عروض العمل كموظفة بدوام كامل ومستقلة كمترجمة، وكاتبة مقترحات، ومنشئة محتوى رقمي.

بعد أن عملت رهف في أكثر من 5 منظمات دولية، قررت فتح شركتها الخاصة ASP Team، ثم انضمت إلى برنامج DAHIL بعد 3 سنوات من العمل وحصلت على منحة مالية وتوسع فريقها ليضم أكثر من 20 موظفا في سوريا وتركيا، بينهم خمس نساء يعملن عن بعد دون قيود زمنية صارمة.

رهف قصة نجاح لافتة، فالسيدة التي وصلت إلى تركيا هاربة من الحرب ولم تكن تعرف كيف ترسل بريداً إلكترونيا، لديها الآن 30 عميلاً في قطاع الخدمات الرقمية.

تشمل إنجازات المشروع تدريب 450 شركة صغيرة ومتوسطة لتعزيز الوصول إلى الخدمات المالية، والتدريب على مهارات الأعمال لـ 250 شركة صغيرة ومتوسطة من خلال الغرف التجارية، وإنشاء 40 شركة جديدة. والجدير بالذكر أن هذا العدد يشمل السوريين والأتراك ذكوراً وإناثاً.

وباعتبار أن مشروع سبارك أكبر مشاريع دعم الشركات الصغيرة في تركيا، فإن الإحصائيات الواردة أعلاه تشير إلى أن الدعم في هذا المجال لا يمكن أن يسد الحاجة، وهذا ما تثبته الإحصائيات الأممية والأبحاث بأن النسبة العظمى من السوريين في تركيا يقبعون تحت خط الفقر، في ظل غياب أمل العودة إلى سوريا وانتهاء الصراع، وهذا الحال المأساوي يقبع في أحلك زواياه واقع النساء وفرصهن للعمل وضمان حقوقهن.

تركيز الجهات المانحة على إسطنبول وعنتاب

أسست المعلمة أمل الحاج (43 عاماً) منظمة فرات في شانلي أورفا التركية وتلقى فريق المنظمة تدريبات من "المنظمة اليابانية" لرفع قدراتهم، ثم أطلقت منظمة فرات مشروعاً يستهدف سيدات سوريات بدون معيل وخاصة زوجات المفقودين، وركزت مشاريع الجمعية على الدعم النفسي ودعم سبل العيش وتعليم مهارات مثل التصوير والتسويق الإلكتروني كي تتمكن السيدات بعد ذلك بالبدء بمشاريعهن الخاصة، ومن ضمن جلسات التأهيل المهني تم تعليم السيدات صناعة الشموع وتقديم المواد الأولية لتصنيع الشموع.

تقول أمل مطر لموقع تلفزيون سوريا إن هذه المشاريع كانت بميزانيات محدودة جداً وكان من الصعب جداً إقناع المانحين الذين يستهدفون المدن الكبيرة مثل غازي عنتاب وإسطنبول وغالبا ما تكون المدن الصغيرة مثل أورفا "مهمشة".

اللجنة النسائية في الريحانية.. تكافل اجتماعي

وتعمل "اللجنة النسائية السورية" في مدينة الريحانية بولاية هاتاي بتكافل اجتماعي بنى على مدار سنوات مقدرات نتج عنها نجاحات فردية وجماعية وبلغ عدد أعضائها 2000 عضو مقسمين على 4 مجموعات.

تقول بثينة رحال مؤسسة اللجنة النسائية ومديرتها الإدارية لموقع تلفزيون سوريا إن اللجنة تأسست عام 2015 بشكل تطوعي وراكمت عبر تبرعات فردية وجهود جماعية مقدرات مادية مثل ماكينات الخياطة والطبخ وعدة الكوافيرة.

تحاول اللجنة النسائية الوصول للمانحين لربط المتدربات بهم، ونجحوا بإيصال السيدة السورية الأرملة أطلال بركات وهي أم لثلاثة أطفال وكانت تعمل كوافيرة في مدينة أنطاكيا ضمن إمكانيات ضعيفة، وتوزع كرت عملها على السيدات في الأسواق والحدائق وتقدم خدمة تصفيف الشعر في المنازل لتعيل عائلتها.

تقول بركات لموقع تلفزيون سوريا إن منظمة أورانج قبلت طلبها بالحصول على دعم لعملها ومنحتها المنظمة كرسيي حلاقة وأدوات تصفيف الشعر، واستأجرت بعدها دكاناً صغيراً، لكنها تواجه صعوبات في الحصول على شهادة حرفي من غرفة التجارة في أنطاكيا لأنها لا تملك قيداً في نفوس أنطاكيا بعد نزوحها إلى الريحانية عقب الزلزال المدمر.

قدمت بركات عن طريق اللجنة النسائية طلباً للحصول على دعم إضافي لفتح مشروعها في الريحانية ولكن فشلت محاولاتها، ولم تستطع استئجار محل تجاري نظراً لارتفاع أسعار الإيجارات الكبير بعد الزلزال.

عملت أطلال بركات كمدربة على تصفيف الشعر في عدد من التدريبات التي أطلقتها منظمات محلية في سوريا وتركيا، ولكن التطوع خيار صعب لديها، ما دفعها للعودة إلى العمل بالنمط القديم.

ارتفاع الإيجارات في الريحانية بعد زلزلال شباط المدمر أثّر على "اللجنة النسائية" أيضاً، فالمكتب الي كانت تتشارك الأعضاء لدفع إيجاره الشهري والبالغ 2500 ليرة تركية، أصبح مضاعفاً ولا يوجد القدرة على دفعه، لكن المشروع التايواني قدم للجنة 3 كرفانات واحدة كقاعة تدريب وأخرى صالون حلاقة والثالثة وضعت فيها الفريزرات التي تبرع بثمنها شخص لحفظ المنتجات الغذائية.

تقول بثينة رحال لموقع تلفزيون سوريا: "الحاجة أكبر بكثير من الموارد لتلبية الاحتياجات والنساء لديهن طاقات كبيرة، وبدلاً من تقديم سلة غذائية لسيدة أرملة فالأضمن تعليمها حرفة والاستفادة من طاقتها".

وأوضحت رحال أن أهم نقاط الضعف في مشاريع المنظمات أنها تقدم دورات وتدريبات لا تنتهي بتمويل السيدات بما يلزم لبدء مشاريعهن.

قدمت جميعات ومنظمات قصص نجاح في الاستثمار بالطاقات النسائية من خلال مشاريع بدأت بالتدريب وانتهت بالإنتاج والمردود المادي على مستوى جماعي وفردي، وهذا ما يجب أن يشجّع الجهات المانحة للتركيز بشكل أكبر على دعم المشاريع الصغيرة للسيدات السوريات، وتحويلهن إلى منتجات بما يضمن استقلالهن المادي وقدرتهن على إعالة أسرهن، وكذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المناطق النائية وتفكيك الحواجز الاجتماعية والمادية والتنموية بين السيدات وحقوقهن وقدراتهن.

 

تم إنتاج هذه المادة بدعم من منظمة "JHR - صحفيون من أجل الإنسان"