icon
التغطية الحية

سوريات فقدن المعيل في الزلزال.. التنميط وغياب التمكين يخرقان قارب النجاة

2023.06.29 | 13:55 دمشق

آخر تحديث: 29.06.2023 | 13:55 دمشق

ؤ
امرأة تجلس على أنقاض منزلها في منطقة العثمانية بينما تبحث فرق الإنقاذ عن عائلتها (أسوشيتد برس)
إسطنبول - ماريا عكيدي
+A
حجم الخط
-A

 انتقلت مع المجتمع السوري معظم عاداتهم وأنماط حياتهم عندما لجؤوا إلى تركيا، إلا أن رحلة اللجوء الطويلة لم يعد مناسباً معها الاحتفاظ بالأعراف المتعلقة بدور المرأة وتنميطها المأطر بحدود المنزل في الرعاية والتربية، فالحياة التي تزداد قسوة في تركيا والدعم شبه الغائب لتمكين وحماية المرأة والاستغلال الذي تتعرض له في حال قررت العمل، تصعب كثيراً من مهمة كسر الحالة التنميطية السائدة من ما قبل اللجوء إلى الآن، إلا أن الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد وشمالي سوريا في شباط الفائت، أظهر إلى السطح مدى خطورة تنميط المرأة وعدم تمكينها وانخراطها في سوق العمل، حيث وجدت آلاف السيدات السوريات أنفسهن وحيدات بعد أن فقدن أزواجهن أو آباءهن وانتقلن للعيش في مكان جديد لبدء حياة جديدة.

وتعيش النساء السوريات داخل سوريا وخارجها وقبل اللجوء وبعده في مجتمعات تطغو عليها السلطة الأبوية والذكورية والتنميط، ما يرسم –في أفضل السيئ- إطاراً لحركة ونشاط المرأة سواء في التعليم أو العمل، ويحدد أدوار الجنسين بطريقة تغيب فيها العدالة، في حين تصل الحالة سوءاً إلى درجة حرمان الفتيات من التعليم والزواج المبكر، وما يترتب على ذلك من مستقبل سوداوي. وتتحمل السلطات في سوريا الجزء الأكبر من المسؤولية عندما تناغمت في قوانينها مع الحالة الاجتماعية بدلاً من إحداث تغيير.

وبحكم المشكلات التي تواجه النساء بعد وصولهن إلى بلد اللجوء وما يتطلبه ذلك من كفاح لإعادة بناء الحياة، فإن أدبيات الهجرة تذهب دائماً لتحديد النساء الفئة الأكثر تضرراً من الهجرة، ولذلك تخصص معظم المنظمات والوكالات الأممية أرقاماً كبيرة في قطاعات الحماية، إلا أن زلزال شباط المدمر كشف فشل أو عدم كفاية هذه المشاريع في إيجاد تمكين حقيقي للمرأة وخلق مساحات وظروف آمنة ومناسبة لتتدارك المرأة  -وخاصة المعيلة أو التي باتت معيلة فجأة بعد أن فقدت زوجها- الانتكاسة الكبيرة الحاصلة في حياتهن بعد الكارثة.

ويمكن للإحصائيات أن تعطي مثالاً لنتيجة تنميط دور المرأة السورية في تركيا، حيث تبلغ نسبة الرجال السوريين الحاصلين على إذن عمل 81%، مقابل 14% فقط هي نسبة النساء، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويبلغ عدد السوريات في تركيا الأكبر من 18 عاماً أكثر من 804 آلاف بحسب إحصائيات رئاسة دائرة الهجرة التركية، من ضمن 3 ملايين و351 ألف سوري خاضع للحماية المؤقتة.

 

 

الزلزال المدمر.. المسؤولية الثقيلة بعد فقدان المعيل

تروي سمر (اسم مستعار) قصتها لتلفزيون سوريا منذ أن تزوجت بعمر الـ 13 عاماً وأنجبت 4 أطفال، ثم لجأت مع عائلتها إلى أنطاكيا وعاشت حياة وصفتها بالطبيعية والجميلة، إلى أن وقع الزلزال المدمر وفقدت زوجها وابنها وأخاها ووالدتها، وأصيبت مع بناتها الثلاث.

أسعفت سمر وبناتها إلى إسطنبول لتبدأ رحلة علاجهن على مدار أشهر في حالة من القلق والألم لم تمنحها الوقت الكافي لتحزن على من فقدتهم في الزلزال، حيث كانت سمر تتنقل بين أقسام المستشفى لمتابعة علاج بناتها المصابات بإصابات بالغة.

تدفقت الهواجس على سمر وهي في خضمّ صدمة الزلزال ورحلة العلاج. تقول: كنت أشعر بالقلق وأفكر ما هي الخطوة التالية؟ كيف سأعمل؟ وكيف سأتدبر أمور المنزل؟ كيف سألبي احتياجات أطفالي وأنا لم أكمل تعليمي وليس لدي مهارة أو خبرة لدخول سوق العمل؟ ... أنا لا أعرف حتى طريقة دفع فواتير المنزل فقد كان اعتمادي كلياً على زوجي.

سمر التي وصفت نفسها بأنها كانت امرأة مدللة، تشعر اليوم بالضياع، فالمنزل الذي كانت مهمتها رعايته أصبح ركاماً، وتخيّم عليها المخاوف من الفشل في تأمين حياة بناتها ليكملن تعليمهن ويبنين أنفسهن، "كي لا يكررن الأخطاء ذاتها التي أدفع اليوم ثمنها غالياً جداً"، بحسب قولها.

لم تحصل سمر على تعويضات الزلزال المقدمة من الحكومة التركية، لأن منزلها كان مسجلاً على اسم والدتها التي قضت في الزلزال.

قصة مريم المحمد التي فقدت والديها وهي صغيرة، توضح أحد أسباب الزواج المبكر. كانت مريم أصغر إخوتها وفجأة عندما كان عمرها 12 عاماً، أصاب والدتها المرض وأصبحت شبه عمياء ثم توفيت، وحاول والدها تعويضها حنان والدتها ولكنها فقدت والدها أيضاً وهي في عمر الشهادة الثانوية (البكلوريا)، لتوقف مسيرة تعليمها.

تقول مريم لموقع تلفزيون سوريا: "تزوجت من رجل عوضني حنان الأم والأب وأنجبت 3 أطفال وعشت حياة سعيدة لدرجة أني نسيت الدراسة والتعليم، فقد كنت معتمدة على زوجي بالكامل لدرجة أني لم أتعلم حتى اللغة التركية". في لحظة واحدة عندما قلب الزلزال مدينة أنطاكيا رأساً على عقب، فقدت مريم زوجها واثنين من أطفالها وتدمّر منزلها.

وأضافت مريم: "لم يبق لي سوى الذكريات، حتى شهادة البكالوريا اندثرت تحت الأنقاض، وحالياً أشفق على نفسي لأنني لم أكمل دراستي، وأدركت حقيقة المقولة بأن العلم سلاح في يد الفتاة".

قصة نجاح.. النهوض من جديد

على خلاف الوضع الذي عاشته سمر و مريم، رفضت نسرين الأعرج عروض الزواج قبل إنهاء دراستها الجامعية، ورغم زواجها من رجل بحالة مادية جيدة فإنها كانت ترغب بالعمل، وتلقت في سبيل ذلك دعماً من عائلتها وزوجها، فبدأت مسيرتها المهنية بالتعليم وتطوعت في مدارس مخيمات اللاجئين في سوريا قبل أن تغادرها إلى مدينة أنطاكيا حيث وجدت نفسها "أمية" بحسب قولها، لأنها لا تعرف لغة البلد الجديد.

تعلمت نسرين اللغة التركية ثم افتتحت معهداً تعليمياً في أيلول 2022، أي قبل 4 أشهر من الزلزال الذي فقدت فيه زوجها وتدمر معهدها، لتجد نفسها المعيلة الوحيدة لأطفالها.

تقول في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: "أعطيت نفسي الوقت لأعيش حزني وأستوعب الكارثة التي غيرت حياتي وأفكر كيف أدعم أطفالي ليتداركوا حجم الكارثة والمصيبة، لكني لم أكن أخشى كيفية تأمين المصاريف اللازمة لأعيل أطفالي في المستقبل، لأن لدي ما يكفي من الهمة والإرادة والخبرة لأفتتح مشروعي من جديد".

 

 

ما أسباب فشل مشاريع تمكين المرأة؟

قالت إحدى العاملات في منظمة مجتمع مدني لطالما دعمت مشاريع لتمكين المرأة، إن معظم التوجه الحالي لمشاريع تمكين المرأة قائمة في الشمال السوري، ولا يوجد تركيز كبير على مشاريع تمكين السيدات في تركيا.

وأوضحت العاملة في حديثها لموقع تلفزيون سوريا أن المشاريع السابقة كان عمرها قصيراً ولم تكن بالمستوى الكافي التي تصل فيه السيدات المشاركات في تلك المشاريع إلى مستوى يمكنها من دخول سوق العمل، أي أنها دائماً ما تكون مشاريع غير مكتملة فيها فجوة تحول دون وصول المستفيدات للمهارات المطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وأشارت إلى أحد أهم الأسباب التي أثرت على مشاريع تمكين المرأة السورية، حيث كان للحرب الروسية على أوكرانيا أثر سلبي كبير في توجه الداعمين، إذ لم يعد اللاجئ السوري المقيم في تركيا ضمن أولوياتهم.

وبحسب دراسة للرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، فإن برامج التمكين الاقتصادي للسيدات السوريات، مثل مشاريع بناء القدرات ودعم سبل العيش عبر توفير منح لتأسيس مشاريع فردية كمشاريع التدريب المهني والنقد مقابل العمل، كانت تسعى لرفع مستوى المعيشة والحد من فقر الأسرة، ضمن سياق يتعامل مع النساء كامتداد للأسر وليس كمواطنات لديهن حقوق.

وخلصت الدراسة إلى أن منح التمكين لم تعمل بمسار شاقولي للتأثير في المجتمع، حيث غابت عن البرامج التكاملية والشمولية المدروسة التي تتطلب سياسات تتحدى الهياكل التمييزية المجتمعية والاقتصادية، فلا تزال النساء يحملن عبء العمل المنزلي مع غياب مفهوم المشاركة، لأنهن لم يحصلن على التغيير الهيكلي بالشكل المطلوب، لا مجتمعياً ولا عائلياً.

واستنتجت الدراسة أن واقع النساء في سوريا لا يزال بعيداً عن الهدف الحقيقي للتمكين، من حيث دعم وصولهن إلى الموارد الاقتصادية والتحكم بها، والقدرة على الإدارة، واتخاذ القرارات الاقتصادية وصولًا إلى الاستقلال الاقتصادي، وزيادة المشاركة في التنمية والعمل في الشأن العام.

أنماط الحياة الجديدة بعد اللجوء والحراك النسوي القائم على التعبئة والتنظيم على مستوى القاعدة لإحداث خرق مجتمعي، وإنشاء فضاءات للتعامل مع القيود المجتمعية، وتوفّر فرص التعليم؛ وسّع هوامش المرأة السورية وخاصة في دول اللجوء ومن بينها تركيا، إلا أن الكفاح الذاتي في وجه الظروف المجتمعية والظروف الاقتصادية المتردية وفقدان الفرص والموارد الكافية والعادلة وغياب الدعم الحكومي والمدني، لا يعد كافياً لتخطو السيدات السوريات في مسار التمكين بما يكفي لإعالة أنفسهن وعائلاتهن، ولذلك تبدو قصص النجاح في هذا السياق فردية وليست جماعية.

 

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان