مسلسل "عندما تشيخ الذئاب" وتنميط المتدينين بصورة سوداء

2019.06.18 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا يخرج مسلسل "عندما تشيخ الذئاب" عن السياق السياسي العام الذي يحاول نظام الأسد، بل حتى بعض الأنظمة العربية تسويقها، وهو يغرد في ذات المعزوفة الدولية الرامية لشيطنة المتدينين، كل المتدينين، دون أدنى تمييز بين تدين وآخر.

الإسقاط على أكثر من بلد عربي

الرواية التي كتبها الكاتب الأردني الفلسطيني الأصل جمال ناجي عام ألفين وخمسة، وأعيد نشرها عام ألفين وعشرة، لتصل بذات السنة إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر العربي، لم يُكتب لها ولكاتبها الذي توفي العام الماضي الشهرة، لو لم يبعثها هذا المسلسل من رقادها، وحمل ذات اسمها، تولى تحويل الرواية إلى سيناريو حازم سليمان، وأخرج المسلسل عامر فهد.

 فصحيح أنها تتكلم عن الأردن، ولكن الواقع العربي متقارب في أغلب الأقطار، ومع بعض التعديلات والتحويرات ستلبس لبوس الحارة الدمشقية "حارة الشياح" لتصبح مناسبة لسوريا ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والقضاء المبرم على ثورة الإخوان المسلمين.

خدمة أجندة النظام

المسلسل يمكن إسقاطه وبقوة على واقعنا الحالي، بل هو يناسب النظام ويخدم أجنداته في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، فالأخير يسوق حالياً للانتصار على ما يسميه الإرهاب، بعد انطلاق الثورة السورية عام ألفين وأحد عشر، والمسلسل بكل الأحوال لا يخرج قيد أنملة عن رواية النظام للواقع السياسي، وعليه سُمح للمعارض عابد فهد بالعودة إلى حضن الوطن كي يمثل دور اليساري المعارض الذي وشى برفاقه كي يخرج من السجن.

خلال الثمانينات كان هناك تحالف غير معلن بين تيار من اليسار والإخوان المسلمين ضد النظام، وهو تحالف يصفه "جبران الشياح" الذي جسد دوره عابد فهد بأنه أكبر غلطة ارتكبها اليسار.

 عبد الجليل والعودة لحضن الوطن

الشخصية الرئيسية في المسلسل هي الشيخ عبد الجليل، والتي جسدها بكل براعة وجاذبية سلوم حداد، ذلك الشيخ الجهادي السابق في الثمانينات، والذي تحول إلى

في الطريق إلى التقرب من السلطات "المنتصرة في المعركة" يشي عبد الجليل بشيخه الجهادي، وتستطيع أجهزة الأمن القضاء على كامل المجموعة

داعية متصوف، يمارس الشعوذة ويعالج المرضى بخلطات غريبة بعد أن عاد وأجرى تسوية مع النظام. لا يتورع هذا الشيخ، حسب المسلسل، عن ارتكاب كل الموبقات من اغتصاب جليلة الشياح، أخت جبران، وجعلها تحمل جنيناً أثناء اجتياح مجموعته للحارة، خلال معارك مع النظام، ثم أجبر الشيخ عبد الجليل رباح الوجيه الذي لعب دوره علي كريم على التزوج بها. إلى تطليق العديد من الفتيات الجميلات من أزواجهن كي يتزوج عبد الجليل بهن.

في الطريق إلى التقرب من السلطات "المنتصرة في المعركة" يشي عبد الجليل بشيخه الجهادي، وتستطيع أجهزة الأمن القضاء على كامل المجموعة.

بعد ذلك يوفر النظام الدعم لعبد الجليل فينشئ جمعية خيرية كبيرة، ولكنه يختلس من أموالها كي يبني لنفسه قصراً في أحد الأرياف ويبتعد عن الحارة التي كان يمتلك فيها شعبية كبيرة.

عمران المريد القاتل

الشخصية المتدينة الأخرى هي عمران (محمد حداقي) مريد عبد الجليل المتشدد، والذي يحاول الأخير أن يبعد عنه الأفكار السلفية، ففي مشهد كان عينا الشيخ عبد الجليل تدمع خشوعاً مع أحد مقاطع أغنية أم كلثوم "القلب يعشق كل جميل"، استنكر التلميذ سماع شيخه للأغنية، فوبخه الشيخ وقال له إن أفكاره المتشددة قادمة من الخارج، فيما الموسيقى ترقى بالروح.

"أبو فاروق" الذي جسده أيمن رضا، ذلك السكير العربيد، ولكنه وطني، حسب المسلسل، حيث قاتل إسرائيل في لبنان، بينما كان اليمين واليسار معها كتفاً إلى كتف! يقتل عمران بكل دم بارد أبا فاروق لأنه سكير وكان يسلق شيخه بلسانه الحاد، إذ ذكَّره باسمه السابق عندما كان جهادياً "الجنزير".

لا يعمل عمران شيئاً، وهو فاشل في كل شيء سوى الانتباه للشبهات، ولا يتوانى عن تعنيف أمه وأخته، التي رفض تزويجها أكثر من مرة لرجال لم تعجبه أخلاقهم، بينما لم يتردد بتزويج أخته لسكير لأن شيخه أمره بذلك.

عزمي متدين ولكن!

عزمي الوجيه الشخصية الثالثة، هو ابن جليلة الشياح، التي حملت به من عبد الجليل، ولكننا لم نكتشف هذا السر إلا مع نهاية المسلسل. سر ارتبط بقلادة عصملية، ماتت جليلة وأعطتها مع سرها لزوجة أخيها جبران.

عزمي (أنس طيارة) الشاب الطموح المتفوق في دراسة الحقوق، يطرد من أكثر من وظيفة لأن خاله جبران معارض سابق، ويضطر حينها للعمل مع -أبيه الحقيقي- الشيخ عبد الجليل في جمعيته الخيرية.

وهنا يصبح الشاب متديناً، ولكنه لا يخرج عن السياق العام للمسلسل، فرغم التدين هو زير نساء، ويمارس الجنس حتى مع زوجة أبيه السابقة سندس (هايا مرعشلي)، طبعاً هذا قبل أن يكتشف أن رباح الوجيه ليس أباه، وهو أي عزمي مهرب ممنوعات، وزعيم عصابة.

صورة الهوس بالنساء

يجبر الشيخ عبد الجليل رباح على تطليق سندس، بعد أن وقع في حبها رغم أنها أصغر من بناته، ويريد زواجها، ونلاحظ هنا تكريساً للصورة النمطية في وسائل الإعلام العالمية والسينما عن هوس الإسلاميين بالنساء.

في ثنايا مشاهد المسلسل حوار دائم بين اليساري جبران والشيخ عبد الجليل عن القرب من الناس، والخطاب اليساري النخبوي، والإسلامي الشعبوي، ولماذا يستطيع الإسلاميون كسب الشارع، بينما يفشل غيرهم.

الإسلاميون وتطويع الشارع

يصبح الشيخ عبد الجليل مقرباً من أجهزة الاستخبارات، بل هو من يساعدها على تطويع الشارع، وحتى المعارضين السابقين، وتقديمهم لخدمتها، ومنهم المعارض اليساري جبران، الذي أصبح وزيراً بفضل زوجته التي هددت الشيخ عبد الجليل إن لم يوزِّر زوجها فستفضح سره، وبالفعل يصبح وزيراً، رغم أنه ليس مقتنعاً بهذا المنصب، ويستقيل منه في النهاية، ويذهب لقتل الشيخ عبد الجليل

لم يعطِ المسلسل نموذجاً واحداً عن متدين سليم التفكير والسلوك، بينما الآخرون متحفزون للتقدم

بعد أن عرف السر، إلا أن الشيخ قد سبقه بالهرب إلى الجزائر، وكأنها رسالة أن هذا الشيخ بعد أن ساهم بنشر الفساد في بلده ذهب إلى الجزائر لنشر الخراب فيها، إذْ كانت الجزائر في بداية التسعينات غارقة في حرب أهلية، على إثر إلغاء نتائج الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون، وعرفت تلك الفترة بالعشرية السوداء.

تكريس صورة سوداوية للمتدين

لم يعطِ المسلسل نموذجاً واحداً عن متدين سليم التفكير والسلوك، بينما الآخرون متحفزون للتقدم، وجبران الذي أصبح وزيراً ظل ضميره يؤنبه وترك المنصب في النهاية، بينما الشيخ عبد الجليل كان يفعل كل شيء دون أدنى تأنيب من ضمير.

هذه الصورة السوداوية التعميمية للمتدينين من شأنها أن ترفد داعش بمتطوعين جدد من المتدينين الذين يعانون من تنميط سيئ كهذا، ورفض مجتمعهم لهم، وبالتالي لا يجدون حاضنة إلا تنظيم داعش وفكره.

رغم أن المسلسل صنفه الكثير من النقاد على أنه من أفضل الأعمال الدرامية التي عُرضت في رمضان، إلا أن رتمه بطيء بعض الشيء، أضف إلى ذلك أن الديكور ليس مناسباً لبداية التسعينات، ففي إحدى اللقطات ظهرا سيارات التكسي اللادا، والجميع يعرف أن هذه السيارات بعد الألفين واثنين.

كلمات مفتاحية